في الوقت الذي قامت فيه الدولة الأردنية منذ انضمامها إلى التحالف الدولي لمحاربة تنظيم الدولة الإسلامية، أو ما يعرف بداعش، بتضييق الخناق على المؤيدين للتنظيمات الإرهابية عامة، وتنظيم داعش بصورة خاصة، إلا أن حيثيات مقتل الطيار الكساسبة، كانت العلامة التي ستفرق مراحل محاربة المؤيدين، سابقا ولاحقا.
ورغم أن التيار السلفي الجهادي في الأردن منقلب على نفسه، ما بين مؤيدٍ لجبهة النصرة السلفية ومؤيد لداعش، إلا أن حجم هذا الخلاف المتزايد بين التيارين أخذ شكلا آخر بعد "طريقة" قتل معاذ.
وفيما يؤكد التيار السلفي على لسان القائد محمد الشلبي والمعروف بأبي سياف أن التأييد الداخلي لداعش انخفض بنسبة كبيرة بعد "الطريقة الوحشية التي قتل فيها معاذ"، والطريقة التي أدارت فيها داعش المفاوضات، وخاصة أنه كان متاحاً لها أن تطلق سراح ساجدة الريشاوي التي شاركت بالهجمات الإرهابية بعمّان 2005، إلا أن محللين يرون عكس ذلك.
المحلل والخبير في شؤون الجماعات الإسلامية مروان شحادة، ورغم إقراره بصعوبة قياس اتجاهات الرأي العام داخل التيار الجهادي الأردني، إلا أنه يؤكد بأن حقيقة وجود مؤيدين ومتعاطفين مع "داعش" داخل الأردن لم تتغير بعد حادثة معاذ.
وأشار شحادة إلى أن المؤيدين لداعش يرون بأن التنظيم "طبق الشرع بطريقة قتله لمعاذ" وهو ما سيزيد من رهان هولاء على "الدولة الإسلامية" التي أعلنت العام الماضي "قيام الخلافة الإسلامية" على الأراضي التي سيطرت عليها في العراق وسورية، ودعت "إلى النفير إليها".
ويرى شحادة أن طريقة مقتل معاذ التي تمت حرقاً هي رسالة دعائية على عدة مستويات، أهمها محاولة التنظيم كسب مزيد من المؤيدين له ممن يتعاطفون مع أفكاره ومع طرحه.
وأظهر القائمون على إنجاز الشريط المصور لـ"داعش" معاذ الكساسبة على أنه "معتد جاء لقتل المسلمين في سورية والعراق"، ويدعي القائمون على التنظيم بأن التحالف الدولي "هو حرب على الإسلام".
ولم يعد سراً وجود مؤيدين لداعش في الأردن، فقد أوقفت الأجهزة الأمنية منذ بداية دخولها إلى الحلف الدولي لمحاربة التنظيم العام الماضي، العشرات من المتعاطفين مع داعش، بعضهم حاول التواصل مع أفراد في التنظيم في سورية وبعضهم لم يتجاوز الـ 18 من العمر، وحاكمتهم عبر محكمة أمن الدولة.
وزاد التشديد على الجهاديين مؤخراً، وصل إلى وسائل اتصالهم الشخصية الرقمية والإلكترونية، حيث أدين أكثر من جهادي بمحاولة الاتصال مع منظمات إرهابية لتواصله مع "جهاديين" في سورية، عبر موقع التواصل الاجتماعي فيس بوك وتطبيق "واتس آب".
وعمل التيار الجهادي في الأردن منذ 3 سنوات على تسهيل وصول المقاتلين إلى سورية، حيث نجح بإيصال 1500 أردني عبر الحدود الأردنية والتركية المشتركة مع سورية، وكان التيار يتأثر بمسار الأحداث في سورية، فبعد نشوب الخلاف ما بين "داعش" و"النصرة" عام 2013 ظهر هذا الخلاف بين سلفيي الأردن صاعدا إلى الاعتداءات الجسدية.
ويرى مراقبون أن محاولة التيار السلفي الجهادي الأردني إظهار نفسه بالرافض لسلوكيات داعش، جاءت لتهدئة علاقتها بالدولة الأردنية التي توترت في الفترة الماضية بسبب سلوكيات وتصريحات قادة التيار، مما استدعى توقيف القيادي والمنظر أبو محمد المقدسي.
ولا يخفى أن محاربة الإرهاب بالنسبة للدولة الأردنية بات أولوية، تحظى اليوم بترحيب شعبي واسع، بعد أن استشعر الشارع الأردني الخطر الذي يحمله التنظيم بطريقة قتل معاذ، وهو ما سيزيد من احتمالية أن تزيد الدولة من تضييقها على الجهاديين.