المساءلة الطبية.. قانون غائب على حساب الحق بالصحة
لم يكن لأم وديع سوى الاستسلام للقضاء والقدر لوفاة زوجها المفاجئة إثر خطأ طبي، فاجعة لم تجد لها قانوناً منصفاً يمكنها من اللجوء للقضاء.
قصص غيبت في قانون المساءلة الطبية، تشكل على إثرها تغييب الحسيب والرقيب، ووقوع انتهكات تمس صحة الإنسان وحياته في بعض الأحيان.
إجراء طبي خاطئ نتج عن حقنة عضلية بالوريد في إحدى العيادات الصحية، تسببب بتسمم وتجلط بالدم توقفت على إثره نبضات القلب، هذا ما ترويه أم وديع التي راجع زوجها العيادة الطبية لإصابته بزكام وإرهاق بسيط نتيجة السفر، إلا أن الطبيب وبدون فحص أو كشف للحالته، قام بحقنه مسببا له حالة من الغثيان وتوقف التنفس ونبض القلب، على حد روايتها.
المحامي أحمد أبو رمان، يرى أن القانون الأردني يقتصر على المادتين 343 و344 من قانون العقوبات في التعامل مع شكاوى الأخطاء الطبية، وهي تدرج تحت الإهمال وعدم الاحتراز، دون وجود لمفهوم "الخطأ الطبي"، أو تخصيص تشريع خاص بها.
ورغم أن القوانين الحالية تفي بالغرض من حيث المعالجة والتحاكم والمعاقبة، إلا أن نظرة "القضاء والقدر"، وعدم قبول العوض والمسامحة، تعد من السمات المنتشرة في المجتمع الأردني، وهي ما تحول دون اللجوء إلى القضاء في مثل هذه الحالات، بحسب أبو رمان.
ويشير إلى أن وجود قانون متخصص بالأخطاء الطبية تعطيه صفة خاصة تعالج جميع النواحي المتعلقة بأطراف القضية، إلا إن التأخر بإصداره يعود للخلاف حول مفهوم الخطأ الطبي وتحديد معاييره، إذ يعود ذلك لتعدد مكاسب ومخاسر الأطراف المشاركة في إعداد القانون.
النائب السابق ورئيس لجنة الصحة النيابية رائد حجازين، يؤكد أنه ومن خلال قانون نقابة الأطباء، تم تشكيل 26 لجنة فنية لتكون الذراع الفني لوزير الصحة ونقابة الأطباء والنيابة العامة، وهي تشمل القطاعين العام والخاص، هدفها التعامل مع قضايا الأخطاء الطبية.
"ويجب أن يتضمن قانون المساءلة شروطا وضوابط تضمن حق المريض وفي نفس الوقت ضمان حق الطبيب الذي قد يتعرض للافتراء بقصد التشهير، وعليه فان اللجنة يجب أن تتكون من متخصصين وأطباء ذوي خبرة في التميز بين الخطأ الطبي والمضاعفات الطبية"، يضيف حجازين.
وبحسب حجازين، فإن وجود القانون سينعكس إيجابياً على السياحة الطبية والعلاجية، فهو يعتبر نموذجا حضاريا يضمن احترام الدول لوجود ممارسة طبية صحيحة ومحاسبة المقصر.
من جهتها، أكدت وزارة الصحة بكتاب رسمي لـ"عمان نت"، أنها رفعت مسودة قانون المحاسبة الطبية للجهات المختصة للسير بالإجراءات اللازمة لإقراره.
وبحسب الأرقام المتوفرة فإن الوزارة تلقت خلال الأعوام (2013– 2015) 63 شكوى معنية بالمستشفيات الحكومية، ولكن بعد التعين والتدقيق من خلال لجان مختصة، تبين أن 59 منها عبارة عن مضاعفات وليست أخطاء طبية .
وفي الفترة ذاتها؛ نظرت الوزارة في 60 شكوى ضد المستشفيات الخاصة، 11 منها تتعلق بالإجراءات الطبية التي يتخذها الطبيب في المستشفى تم تحولها لنقابة الأطباء للنظر فيها والتحقق منها .
ويقسم مثل هذا النوع من الشكاوى؛ وفقاً للجهة المقدمة لها؛ فالشكاوى قضائية تتم من خلال المركز الأمني أو المدعي العام، والتي تتحول إلى المحاكم المختصة لكل حالة على حدة؛ ومن الممكن اللجوء إلى الشكاوى الإدارية أو التأديبية التي يتم تقديمها عن طريق النقابة والتي تشكل بموجبها لجان متخصصة للتحليل والتقصي، كما يكمن أيضاً اللجوء للقضاء المدني، بحسب المحامي أبو رمان.
ويشمل الحق في الصحة وفقاً لمنظمة الصحة العالمية:
1. توفير القدر الكافي من المرافق الصحية العمومية ومرافق الرعاية الصحية والسلع والخدمات والبرامج.
2. استفادة الجميع من فرص الوصول إلى المرافق والخدمات الطبية، ضمن جميع مناطق الدولة.
3. يجب أن تحترم جميع الخدمات الطبية الأخلاق الطبية المهنية وأن تكون مناسبة ثقافياً وأن تراعي متطلبات الجنسين.
4. يجب أن تكون المرافق والخدمات الطبية مناسبة علمياً وطبياً وذات جودة ونوعية جيدة
ويعتبر أبو رمان اللجوء إلى مراكز التحكيم والوساطة الطبية حلا سريعا و منجزا، إذ يتم عرض القضية على المحكمين الذين يتم اختيارهم من قبل أطراف القضية يقومون بدراسة الملف وإصدار القرار، وهو قرار ملزم أمام المحاكم القضائية.
وتنص المادة 256 في القانون المدني لسنة 1976 على أن “كل إضرار بالغير يُلزم فاعله ولو غير مميز ضمان الضرر”، و“إذا تعدد المسؤولون عن الضرر كان كل منهم مسؤولاً بنسبة نصيبه فيه، وللمحكمة أن تقضي بالتساوي أو بالتضامن والتكافل فيما بينهم"، وفقا للمادة 265 من ذات القانون.
كما أن المادة 266 تنص على: “يقدّر الضمان في جميع الأحوال بقدر ما لحق المضرور من ضرر وما فاته من كسب بشرط أن يكون ذلك نتيجة طبيعية للفعل الضار”.
وبحسب المستشار في الطب الشرعي و الخبير في حقوق الانسان الدكتور هاني الجهشان فقد ورد بند ملحق بالصحة في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان والعهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية وفي اتفاقية حقوق الطفل واتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة.
ويؤكد دستور منظمة الصحة العالمية على أن التمتع بأعلى مستوى من الصحة يمكن بلوغه هو أحد الحقوق الأساسية لكل إنسان، ويشمل الحق في الصحة الحصول على الرعاية المقبولة والميسورة التكلفة ذات الجودة المناسبة في التوقيت المناسب.
إعلان جمعية الأطباء العالمية بقرارها في اسبانيا عام 1992 والمعدل في سانتياغو عام 2005، طالب القطاع الطبي في كل الدول المشتركة بمواجهة الأخطاء الطبية، وملخص هذا القرار ما يلي:
1. تدريب الأطباء بالمعرفة والمهارة واخلاقيات العلاجات والجراحات الطبية الحديثة.
2. برامج توعية لعموم المجتمع حول الأمور الصحية والتفرقة ما بين المضاعفات والاخطاء الطبية.
3. التوعية حول الأخطاء الطبية في برامج كليات الطب والتدريب التخصصي.
4. وضع ادلة إجراءات وبروتكولات معيارية على المستوى الوطني.
5. توفير الموارد البشرية والمالية والفنية لمقدمي الخدمات الطبية.
6. توفير الحماية القانونية للأطباء بما في ذلك توفير المحامين.
7. وضع قانون المسؤولية الطبية موضع التشريع والتنفيذ.
8. فتح المجال لشركات التأمين على أخطاء الأطباء والوصول لمرحلة أن يكون إلزاميا.
9. تدريب المحامين والقضاة في مجال الأخطاء الطبية".
ويوضح الجهشان أن الأخطاء الطبية وما يتبعها من مسؤولية وضرر بالمرضى وبالصحة العامة للمجتمع تعني تمييزا وانخفاضا بجودة الخدمات المقدمة للمرضى وعدم التزام بالأخلاق الطبية المهنية، والتي تشكل انتهاكا للحق بالصحة، وفي حال نتج عن الخطأ الطبي وفاة، فإنها تتجاوز كونها انتهاكا بالحق بالصحة، لتصبح انتهاكا للحق بالحياة.
يشار إلى أن الأردن موقع على كافة الاتفاقيات الدولية المتعلقة بالحق بالصحة، وعضو فاعل في منظمة الصحة العالمية، وهو ملزم بواجب الحفاظ على الحق بالصحة، ومواجهة الأخطاء الطبية وما يليها من مسؤولية وضرر وانتهاك لحق الإنسان بالصحة ولحقه بالحياة.
هذا التقرير أعُد ضمن مشروع “إنسان”