الحنين.. وموسم الهجرة للوطن

الحنين.. وموسم الهجرة للوطن

تقلب نجاة صلاحات الخمسينية، هاتفها النقال بين يديها، كأنه طفلها المدلل، فهو الوسيلة الوحيدة للتواصل مع أبنائها في الخارج، الذين طواهم غياب الغربة لسنوات عديدة، ولا يفتئون يكررون على أسماعها، تقول نجاة، ذات العبارات "مهما طالت سنين الغربة، تظل مؤقتة، ولا بد من العودة إلى حضن الوطن والأهل يوماً ما للاستمتاع بالحياة".

 

نجاة  التي رسم الزمن ندوبا على وجنتيها، وترك أثره على صحتها ليست الأم الوحيدة في الأردن، التي تقضم اللحظات بعيدة عن أبنائها المغتربين خارج الديار، ملتزمة الرضا والاستسلام لوسائل التواصل المتوفرة للاطمئنان عليهم، وخلق ما يمكن من إحساس بأجواء الألفة والتواصل، التي تصفها نجاة في حديثها لـ"عمان نت" بـ"المملة المفزعة".

 

 

ولعل غازي عبد الرحمن، الذي لا يزال هو الآخر، ينتظر شقيقه الغائب منذ عشر سنوات في الولايات المتحدة الأمريكية، يتفق مع نجاة إلى حد كبير، ويضيف أن كل العبارات التي يتفوه بها الشباب المغتربون، ما هي إلا "إبر مخدرة".

 

 

الكثير من الشباب الأردني، يقول غازي، في حديثه لـ"عمان نت"، يظل يؤجل العودة إلى مسقط الرأس، حتى ولو لقضاء أيام معدودات بين الأهل، يحرم نفسه من ملذات الحياة، ليوفر "الدولارات" التي يجمعها، ثم تنقضي السنون، وهو مستمر في بخله على نفسه، على أمل التمتع مستقبلاً في ربوع الوطن.

 

 

تشير أرقام وزارة الخارجية وشؤون المغتربين الأردنية، أن أكثر من 800 ألف أردني، مغتربون خارج الوطن في كل إنحاء العالم، وتشكل فئة الشباب منهم ما نسبته 60%، وفق ما أكدته الناطق الرسمي باسم الوزارة صباح الرافعي.

 

 

وعلى الرغم من صعوبة حصر أرقام تتعلق بأعداد الشباب الأردنيين المغتربين، ممن فضلوا قضاء إجازة عيد الأضحى مثلا مع ذويهم، إلا أن الرافعي تكشف في تصريح خاص بـ"عمان نت"، أن عدد الأردنيين المقيمين في الخارج، ودخلوا المملكة عبر المنافذ الجوية والبحرية والبرية حتى نهاية شهر أيلول من العام الجاري، بلغ أكثر من 650 ألفا.

 

 

نائب رئيس الوزراء الأسبق محمد الحلايقة أشار خلال حديثه لـ"عمان نت"، إلى أن البحث عن فرص عمل أفضل لتحسين الحياة المعيشية، إضافة إلى ارتفاع معدل البطالة في الأردن والتي تجاوزت 14% وتدني مستوى الأجور، يعد من أبرز الأسباب التي تقف خلف هجرة الشباب الأردني إلى الخارج.

التكلفة المادية العالية، التي يتكبدها المغترب الأردني عند عودته إلى ارض الوطن، تغدو رخيصة جدا بالمقارنة مع قضاء الإجازة بين الأهل والأصحاب، بحسب تعبير المغترب طارق الحاج العائد حديثا من استراليا.

 

 

ويبين الحاج لـ"عمان نت"، وهو شاب في الثلاثينات من العمر، أن الشوق والحنين فقط، هو ما يدفع المغترب للقدوم إلى الأردن، لمشاركة الأقارب الإجازة، وما يشاع من أن الحكومة تشجع على عودة المغتربين لقضاء الإجازات في المملكة، من خلال البرامج السياحية الداخلية التي أعدتها مؤخرا، أمر، يشير الحاج، مناف للواقع تماما.

 

 

ويلمح طارق الحاج هنا، إلى ما أعلنته وزارة السياحة والآثار الأردنية، من إنهاء استعداداتها، لاستقبال الزوار الأردنيين والسائحين العرب والأجانب.

 

 

مدير السياحة الداخلية في الوزارة لؤي أيوب يؤكد في حديث خاص لـ"عمان نت"، أن ما أطلق عليه برنامج "الأردن أحلى"، تضمن فعاليات ونشاطات ترفيهية وتثقيفية في متناول الزائر الأردني قبل العربي والأجنبي.

 

 

وكما أن هذه البرامج السياحية، التي تهدف لتنشيط قطاع السياحة الأردنية وتحديدا الداخلية المحلية، لم تكن السبب الأساس لعودة المغتربين الأردنيين إلى ارض الوطن، أيضا لم تلق اهتماما كبيرا لدى شريحة واسعة من الشباب الأردني في الداخل.

 

 

الخبير الاقتصادي حسام عايش رأى في حديثه لـ"عمان نت"، أن أصحاب المرافق السياحية في الأردن، وتحديدا الفنادق، لا يلقون بالا للسائح الأردني، بل إن اهتمامهم موجه نحو السائح الأجنبي، لذلك انعدام الثقة تتجذر ما بين الشباب وأصحاب الحل والعقد في الشأن السياحي، وعليه، فإن معظمهم يلتزمون بيوتهم، وفي أحسن الظروف يلوذون بالمقاهي الشعبية.

 

 

الظروف الاقتصادية الصعبة، التي صنعتها الحرب في الإقليم، وصنعتها الأزمات السياسية المتلاحقة، تجعل أيام الإجازات بالنسبة للشاب الأردني أياما بدون قيمة ومعنى، أو على الأقل، عبئا آخر يضاف إلى هموم الشباب، وفق تعبير احد النشطاء الشباب.

 

 

الناشط الشبابي، والذي فضل عدم ذكر اسمه، يتساءل في حديثه لـ"عمان نت"، كيف من الممكن أن يبتهج الشاب الأردني، وعلامات الشيخوخة والهرم تبدو جليه عليه، نتيجة سياسات التهميش الممنهجة، والتي تمارس على فئة كبيرة منهم؟.

 

 

ومع تحليل نتائج معدلات خطوط وعدد جيوب الفقر، سنلمس، يوضح الناشط، حجم الأزمة الاقتصادية التي يعيشها الشباب الأردني، والتي تنعكس على الواقع السياسي والاجتماعي والثقافي للشباب في المملكة، فضلا عن انعدام الرغبة بالفرح، على حد وصفه.

 

 

الشباب في الأردن، أغلبهم ينتمون لأسر فقيرة الحال، ومع عوز هذه الأسر، يبقى الإصرار ملتصقا بها، للاحتفال بالعيد، مع المحافظة على شعائره الدينية والاجتماعية.

أضف تعليقك