"الاتجار بالبشر": ضحايا كثر لجريمة شروط إثباتها صعبة

"الاتجار بالبشر": ضحايا كثر لجريمة شروط إثباتها صعبة

 

خرج الأردن من مجلس حقوق الإنسان في اكتوبر عام  2013 محملا بـ126 توصية ، 4 منها كانت متعلقة بشبهة "الاتجار بالبشر" وضرورة تحصين الضحايا، خلال الاستعراض الدولي الشامل المعروف اختصارا "UPR".

 

 

بمرور أقل من عامين على إعلان الأردن التزامه بمكافحة تلك الجريمة العابرة للوطنية، يكون استحق وفاءه بتطبيق فعلي لقانون "منع الاتجار بالبشر لسنة 2009" وإحالة متورطين للقضاء وإنصاف الضحايا وتعويضهم.

 

 

يواجه الضحايا ومن معهم من النشطاء عبء اثبات وقوع جريمة الإتجار بالبشر ومن ثم التكييف القضائي لها، حيث يكون التكييف كجريمة مستقلة " قصد الايذاء" " جريمة جنسية " بعيدا عن الاتجار لتسقط كثير من القضايا امام نزع صفة الاتجار عنها ليغادروا ضحايا الاردن دون انصافهم

 

ضحايا عابرون للجنسيات

 

 

من أوائل القضايا التي تم تكيفها "الإتجار بالبشر" كانت لصالح المصري ربيع البلتاجي، عمل في مخبز بظروف عمل قاسية، ولم يلبث إلى أن قدم شكوى عبر مركز تمكين للدعم القانوني، لكنه ترك الأردن دون عودة قبل إنصافه.. 3333

 

قضية ربيع واحدة من 3 قضايا تم تكييفها "اتجار" من أصل 34 إخبار أرسلها "تمكين" إلى وحدة مكافحة الاتجار بالبشر التابعة للامن العام خلال العام 2015.

بحجة مرضها وقعت ضحية 

 

لم تكن تعلم  "ميلا"  انها عادت لبلدها كما خرجت منه، بل حملت معها تجربة قاسية مرت بها  في الأردن.

 

قدمت من الفلبين للعمل عام  2010 كعاملة منزل لكنها أصبحت ضحية اتجار بالبشر، فصاحب العمل أعادها إلى مكتب الاستقدام وحجز تذكرة سفر لها بعد إصابتها بمرض السل واستصدار تقرير طبي بذلك، لتقع بعدها فريسة لأحد موظفي المكتب مجبرا إياها العمل في منزله لثلاثة أشهر دون أجر.

 

عامٌ كاملٌ ميلا تعمل دون تصريح عمل أو إذن إقامة، لتجد نفسها في نهاية المطاف متقدمة بشكوى رسمية بدعم من إحدى المنظمات المحلية، لتكيف قضيتها "اتجار بالبشر" ومازالت القضية منظورة أمام القضاء.

 

نسيمة، بنغلاديشية  الجنسية، كانت أوفر حظا من ميلا بقليل في كونها عملت لدى اصحاب عمل استقدموها، لكنها استلمت رواتب بأقل من المتفق عليه في عقد العمل،إضافة  إلى عمل يبدأ من السادسة صباحا حتى العاشرة ليلا دون أي يوم اجازة طيلة مدة عملها وحجز جواز سفرها.

 

 

أحد افراد العائلة التي تعمل عندها لم يكف عن ضربها لتجد نفسها متوجهة فيما بعد لتقديم شكوى ولتدخل بعده في فصول قضائية ولتجد قضيتها مسار التكييف القضائي نحو "إيذاء ومخالفة قانون العمل".

 

 

كلا الحالتين، كانتا خارج الإطار العام فضحايا الاتجار بالبشر من العمالة الأسيوية يواجهون صعوبة في وصولهم إلى القضاء او تقديم الشكاوى او طلب المساعدة القانونية بسبب خوفهم من الشخص الذي يمارس الاتجار وصعوبة الوصول للمساعدة او للقضاء نتيجة عدم حرية الحركة والتنقل وعدم معرفتهم بالقوانين الوطنية، تقول لونا صباح المديرة التنفيذية لمركز عدالة  .

 

 

ويؤكد المقدم امين وريكات قائد وحدة مكافحة الاتجار بالبشر ان اهم العقبات التي تواجههم كوحدة هي الوصول الى ضحايا الاتجار بالبشر بسبب قلة الوعي بمفهوم الاتجار بالبشر والتعامل معهم فضلا عن الحاجة الى الترجمة النوعية المتخصصة.

 

أرقام قضايا الاتجار بالبشر

 

 

حسب التقرير الاول للجنة الوطنية لمنع الاتجار بالبشر فإن اعداد القضايا التحقيقية للاتجار بالبشر من عام 2009 الى عام 2013 وصل إلى (26) قضية في عام 2010 و(28) قضية في عام 2011 و(12) قضية عام 2012 و(17) قضية عام 2013. 2222222

29) قضية بيع كلى و(2) أطفال و(38) عاملات منازل عمل جبري و(18) عمال عمل جبري و(5) استغلال جنسي.

1111111

في حين ان الارقام الصادرة عن وحدة الاتجار بالبشر تبين تعاملهم مع (14) قضية اتجار عام 2009 و(28) قضية عام 2010 و(20) قضية عام 2011 و(8)قضايا عام 2012 و(27) قضية عام 2013 و(58) قضية عام 2014 و(13) قضية حتى تاريخ 30/6/2015 صنفت قضايا الاتجار بالبشر  حسب نوع الجرم لعام 2014 بـــــ (10) استغلال جنسي و(5) نزع اعضاء و(34) عمالة منزلية و(9) عمال

 

لونا صباح ترى بأن الأرقام المعلنة أقل بكثير من التي أعلنته اللجنة الوطنية لمنع الاتجار بالبشر، "وتقول هي أكبر من ذلك فيما لو طبقنا مفهوم الاتجار بالبشر بتعريفه العالمي"..

 

تعامل مركز تمكين للدعم القانوني مع قرابة 71 إخبار وثّقها خلال أعوام( 2013، 2014، 2015) فيها قرابة 178 ضحية "لشبهة الاتجار بالبشر".

 

مديرة المركز، ليندا كلش، ترى ان غالبية الاخبارات تنسجم وظروف الاتجار البشر، "رغم ارتفاع اعداد القضايا المعلن عنها رسميا ومقارنة مع الأعوام السابقه إلا أنها قليلة جدا أمام الحالات التي تقع".

 

كيف تُكيف القضايا؟

 

 

رصدت معدة التقرير الخطوات التي يتبعها السلك القضائي في قضايا "التكييف" وما يجري فيها سند البنود قانون منع الاتجار بالبشر لسنة 2009 فبعد أخذ الموافقات المطلوبة لغايات التصريح الإعلامي، تحدث  مساعد النائب العام رامي صلاح لنا عن كيفية إدخال البيانات الأولية للقضايا المتعلقة بهذا الانتهاك على نظام الحوسبة في المحاكم "يكون وفقاً لما يأتي به  التصنيف الأولي من وحدة مكافحة الاتجار بالبشر، الأمر الذي قد يتغير عند مباشرة المدعي العام التحقيق وإصدار التكييف القانوني للجرائم المرتكبة".

 

 

سماع الضحية وشهود الحق العام بمعزل عن الجاني أو اي ظروف خارجية واحضار الخبراء ومنظمين الضبوطات والتقارير الفنية (تقارير المختبر الجنائي او تقارير الطب الشرعي)  واستجواب المشتكى عليه ومواجهته بالادلة لتحديد طبيعة الجرم المرتكب ومدى توفر اركان جريمة الاتجار بالبشر المتمثلة بـ النقل والايواء والاستقبال، والاستقطاب والوسائل المستخدمة لارتكاب تلك الأفعال و الغرض والهدف منها.

 

 

الاسس التي يتبعها المدعي العام لتكييف الجريمة انها اتجار بالبشر او جريمة مستقلة يقول صلاح.

 

 

اشكالية التكييف

 

 

محمود وحسنين وسلامة قدموا للأردن من مصر  ضحايا للاتجار بالبشر وفقا لما يراه مركز تمكين. استقدمهم صاحب مزرعة بموجب عقود عمل زراعية وتم افهامهم انها شكلية لغايات استخراج التصاريح وتم استيفاء مبلغ 5000 جنيه من كل منهم أي ما يعادل بالأردني 500 دينار. ليواجهوا فيما بعد ظروف عمل قسرية بدءاً من عمل تفوق ساعاته بعشرين، وتحت أشعة الشمس، وتهديد وإساءة مستمرة من قبل أصحاب المزرعة.

 

 

يذكر تقرير قانوني مفصل حولهم، أنه تم "احتجاز تصاريحهم وجوازات سفرهم ورفض إعطاءهم أجورهم وعندما طالب العمال بالأجور والأوراق الثبوتية قام صاحب العمل بطردهم من المزرعة، وتم تحريك الشكوى إلى أن كيفت أخيرا "إتجار بالبشر" ومازالت القضية منظورة.

 

غياب القصد الجرمي يسقط "التهمة" 

 

 

حالات كثيرة لعمالة مهاجرة مشابهة بذات مُلابسات القضية لم تكيف كاتجار بالبشر لعدم وجود أدلة كافية أو لصعوبة جمعها  كالانتهاكات التي تكون داخل المنزل وصعوبة إثباتها بالشهود، وهذا ما تقرأه ليندا كلش في وثائق حالات يتابعها المركز.

 

 

مساعد النائب العام رامي صلاح يوضح أنه ليس كل حجز لجواز السفر او عدم إعطاء الإجازة الأسبوعية او عدم السماح بالخروج من المنزل هو اتجار بالبشر لعدم توفر القصد الجرمي بقصد الاستغلال او التهديد، فيحين تعد هذه الافعال جنح ومخالفات وفقا لقوانين اخرى كما انه ليس كل عنف جنسي جريمة اتجار بالبشر.

 

 

"هناك خلط وصعوبة في التمييز بين جرائم الاتجار بالبشر وجرائم أخرى مشابهه ومتداخلة مع بعضها حيث أن أساس الاستقطاب أو نقلا وإيواء ضحايا الاتجار بالبشر يكمن في (القصد الجرمي) بقصد الاستغلال للعمل بالسخرة أو قسراً أو الاسترقاق والاستعباد أو نزع الأعضاء أو أعمال الدعارة او في أي شكل من أشكال الاستغلال الجنسي وهذا ما نبحث عنه كمدعيين عامين عند التحقيق في قضايا الاتجار بالبشر"، يقول صلاح

 

 

تقرير مؤشر العبودية الثاني الصادر من مؤسسة Walkfree الأسترالية عام 2014  يشير إلى وجود نحو 31 ألف شخص في الأردن يعانون من العبودية الحديثة، تشمل الإتجار بالبشر، والزواج القسري، بيع الأطفال واستغلالهم، محتلا  المرتبة 57 من بين 167 دولة شملها التقرير.

 

عقبات التكييف

 

 

يوضح صلاح أن أكثر العقبات التي تواجه التحقيق في قضايا الاتجار بالبشر ه يرفض الضحايا الإبلاغ عن الانتهاكات أو سفرها قبل مباشرة إجراءات التحقيق أو المحاكمة وخوف الضحايا من تقديم شكوى لتورطها بارتكاب بعض الجرائم او خوفها من صاحب العمل فضلا عن عدم وجود أدلة كافية تثبت ان الانتهاك هو اتجار بالبشر وغالبا ما يكون جريمة مستقلة .

 

 

طول المدة الزمنية خلال فترة التحقيق في المركز الامني والمدعي العام واحالتها للمحكمة يؤدي الى الضغط على الضحية للتنازل عن حقوقها وتسفيرها مما يؤثر على التكييف، تبين كلش.

 

 

فيما تضيف لونا صبّاح أن عدم المعرفة والرغبة في تطبيق قانون منع الاتجار بالبشر يضاف إلى أسباب عدم تكييف القضايا.

 

 

تابع مركز تمكين حالة تم تحويلها  للمحكمةأخذت مدةسنةوأربعةاشهر تحقيق. يعتقد المركز أن طول إجراءات التقاضي يؤثر على الضحايا الذين قد يغادرون البلاد أو يسفرون دون إنصافهم.

 

 

 

تمكين، كان قد دعا إلى ضرورة اتخاذ "صفة الاستعجال" في ذلك النوع من القضايا وإيجاد وسيلة لحماية الضحية خلال فترة المحاكمة بدءا من المركز الامني والتحقيق لدى المدعي العام وإرسالها للمحاكمة وإيجاد مصدر مالي لها.

 

 

قصور قانون منع الاتجار بالبشر

 

 

يعرف قانون منع الاتجار بالبشر رقم 9 لعام 2009 جرائم الاتجار بالبشر بأنها استقطاب أشخاص أو نقلهم أو إيوائهم أو استقبالهم بغرض استغلالهم عن طريق التهديد بالقوة أو استعمالها أو غير ذلك من أشكال القسر أو الاختطاف أو الاحتيال أو الخداع أو استغلال السلطة أو استغلال حالة ضعف (...).

 

 

 

وتعني كلمة الاستغلال بالقانون بأنها استغلال الأشخاص في العمل بالسخرة أو العمل قسرا أو الاسترقاق أو الاستعباد أو نزع الأعضاء أو في الدعارة أو أي شكل من أشكال الاستغلال الجنسي، وهنا تقول كلش أن القانون تم نقله حرفيا من البروتوكول الاختياري الذي يوضع كارشاد فضلا ان القانون لا يسعف المدعي العام في التكييف خاصة في تعريف مفهوم الاتجار بالبشر الذي اعتبرته فضفاضاً ومطاطاً .

 

 

الواقع العملي لتطبيق القانون اثبت النقص والغموض في احكامه التي تحول دون فاعليته خاصة في تعريف مفهوم الاتجار بالبشر والاستغلال تقول صّباح.

 

 

مطالبين بضرورة اعادة النظر في قانون منع الاتجار بالبشر و باقي القوانين والتشريعات لتتوائم مع المعايير الدولية والقضاء على العبودية خاصة قانون العمل وقانون العقوبات.

 

 

مفهوم الاتجار بالبشر واسع، فقد تصنف بعض الانتهاكات بتلك الجريمة، والناشطة كلش ترى في ارغام اطفال قصر على التسول شكلا من أشكال الاتجار بهم.

غياب المأوى

 

 

يواجه ضحايا الجريمة غياب  مأوى لهم فرغم إقرار المادة السابعة من قانون منع الاتجار بالبشر على إنشاء أو اعتماد دار لإيواء ضحايا الاتجار بالبشر إلا أنه لم يتم انشاء دار متخصصة حتى ألان. رغم  إصدار نظام دور إيواء المجني عليهم والمتضررين من جرائم الاتجار بالبشر رقم 30  لسنة 2012 .

 

 

ويبين المقدم وريكات ان وحدة مكافحة الاتجار قامت بايواء 122 ضحية  شبهة اتجار بالبشر عام 2014 جميعهم من النساء في اتحاد المراة الاردني ودار الوفاق

 

ثغرات قانونية تحفز على "الاتجار" 

 

 

بعض التشريعات كقانون العمل يحفز على الاتجار بالبشر، على ما تراه ليندا كلش، فمنع العمال من مغادرة البلاد دون موافقة صاحب العمل وحرمان العامل من الانتقال إلى صاحب عمل آخر إلا بموافقة صاحب العمل الأول حتى بعد انتهاء السنة العقدية الأولى يعرضهم للعمل الجبري والاتجار بالبشر.

 

 

الأصل انتهاء العلاقة العقدية في العمل إذا توفي صاحب العمل لكن الممارسة العملية تلزم الحصول على موافقة الورثة لكي تنتقل إلى صاحب عمل آخر مما يكرس الملكية والعبودية تقول كلش.

 

 

يطالب النشطاء في سياق التقرير على ضرورة مصادقة الأردن  على اتفاقية حماية حقوق العمال المهاجرين وأفراد أسرهم وإيجاد تشريع لتحقيق التوازن بين حقوق العامل والتزاماته وحقوق صاحب العمل والتزاماته.

 

الاجتهادات القضائية دور المدعي الحقيقي

 

 

تصف صبّاح الممارسات العملية والتطبيقات القضائية بـ"المتواضعة" ومازالت قاصرة من حيث التكييف والتطبيق واتفاقها مع المعايير الدولية.

 

 

مساعد النائب العام صلاح يرى أن قانون منع الاتجار بالبشر ما زال حديثا، تنعدم فيه السوابق والاجتهادات القضائية التي يسترشد بها في القرارات القضائية.

 

"يجب على  المدعي العام أن يمثل الضحية بشكل حقيقي وفعال امام المحكمة وليس شكليا فغالبا ما نجد المدعي العام المنتدب  في مرحلة المحاكمة ليس له دور ويتغير في عدد من الجلسات ولا يحمل ملف القضية"، وفق كلش التي ترى في دوره أهمية في تقديم البينات والادلة حتى اثناء المحاكمة وايجاد غرف متخصصة للنظر في قضايا الاتجار بالبشر  تحقيق اًلضمانات المحاكمة العادلة، اهمية تكثيف الدورات والبرامج التدريبية للمحامين والقضاة وبناء قدرات منظمة ومستمرة لهم في تطبيق قانون منع الاتجار بالبشر ترى صّباح.

 

 

يطالب صلاح وحدة مكافحة الاتجار بالبشر بضرورة متابعة القضايا التي يتم ارسالها الى المحاكم للاستفادة من تكييف الادعاء العام وقرارات المحاكم في عملية التحقيق الاولية التي يقومون بها عند تصنيف القضايا كاتجار بالبشر، وتكثيف التوعية للعمالة المهاجرة بضرورة الابلاغ عن أي انتهاكات يتعرضون لها.

 

 

في حين يؤكد وريكات وجود ضباط ارتباط لمتابعة القضايا المرسلة من وحدة مكافحة الاتجار بالبشر لدى المدعي العام وحتى صدور قرار قطعي بذلك، مطالباً بغرف تحقيقية خاصة في المحاكم والادعاء العام للاتجار بالبشر.

 

 

يعود أول قانون كان الأردن قد أصدره إلى العام 1929 سمي آذاك "  قانون ابطال الرق" ثم عام 2009 بقانون منع الاتجار بالبشر ومن ثم المصادقة على البروتوكول الإختياري المكمل لإتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الجريمة المنظمة عبر الوطنية للعام 2009.

 

*ينُشر التقرير بدعم من منظمة "صحفيون من أجل حقوق الإنسان" الكندية

أضف تعليقك