أطفال يفتقدون بيئة آمنة في مدارس حكومية مستأجرة

أطفال يفتقدون بيئة آمنة في مدارس حكومية مستأجرة

*36% من مدارس المملكة مستأجرة وغير ملائمة لبيئة المدرسة

*تكلفة "المستأجرة"  في تصاعد والوزارة تعد بمباني خاصة حتى 2017

*إربد تتصدر المحافظات في عدد المدارس المستأجرة والعقبة أقلها

*ما يزيد عن مليون دينار نفقات اضافية بدل الايجار بين اعوام 2012 – 2017

 

 

 

يجُبر خالد الحمايدة أحد طلاب مدرسة خولة بنت الأزور في لواء القصر في محافظة الكرك على السير لأكثر من 100 متر خارج أسوار مدرسته للوصول إلى دورة المياه الواقعة خارج مبناها.

 

 

ورغم وجود دورة مياه داخل المدرسة إلا أنها مقتصرة على استخدام المعلمين والإداريين فقط، ليواجه خالد وهو في الصف السادس ابتدائي إلى جانب أقرانه إشكالية أخرى تتمثل في افتقار دورة المياه إلى النظافة اليومية اللازمة.

 

 

حتى أن دورة المياه الخاصة بالطلاب شيدت على نفقة أهالي المنطقة وعلى أرض خاص لاحدهم، ذلك بعد أن ضاق بهم الحال من عدم إتاحة الدورة الوحيدة لابنائهم. هذا الحال ليس غريبا كما يقول والد خالد طالما أن مبنى المدرسة كان بالأساس لاستخدام تجاري وليس وفق معايير البناء المدرسي الملزمة به وزارة التربية التعليم.

 

 

إذا كان واقع الطلاب في مدرسة خولة لا يمثل حالة عامة في جميع مدارس التربية والتعليم المستأجرة فإن أكثر من 100 طالب في المرحلة الابتدائية في مدرسة جعفر الواقعة باحدى ضواحي محافظة إربد لا يختلف كثيرا، وهم الذين يدرسون في مبنى مستأجر كان بالأساس منزلا سكنيا بمساحة لا تزيد عن 300 متر مربع، تحتوي على أربع غرف صفية فقط.

 

 

طلاب المدرسة يفتقدون إلى المساحة اللازمة المحددة وفق أنظمة التعليم الصديقة للبيئة المدرسية، من حيث صغر المساحة وضيق المرافق.

 

 

مدارس مستأجرة في ارتفاع

 

 

تصل نسبة استئجار وزارة التربية والتعليم للمباني المدرسية 36 % من مجمل المدارس الحكومية في مختلف محافظات المملكة وعددها 6359 مدرسة متنوعة بين الأساسية والثانوية وفق إحصائيات الوزارة لسنة 2014.

 

inf1

 

وفق رصد معد التقرير حول تكلفة المدارس المستأجرة من حصة ميزانية الوزارة، فإن محافظة إربد حصلت على أعلى نسبة لعدد المدارس المستأجرة بـ 42 %، تليها العاصمة عمان بنسبة 41 %، بينما تساوت محافظات الزرقاء، جرش، عجلون والمفرق بنسبة 36 %، بالإضافة لتساوي محافظتيّ معان ومادبا بنسبة 27 % .

 

inf2

 

وتقاربت نسب المدارس المستأجرة في محافظات الكرك والطفيلة والبلقاء بـ 31 %، وجاءت أدنى نسبة للمدارس المستأجرة في محافظة العقبة بنسبة 10 %.

 

 

تنص المادة السادسة من قانون التربية والتعليم رقم (3) لسنة 1994 وتعديلاته من أعمال الوزارة على ضرورة "توفير الأبنية الصالحة للتعليم للمؤسسات التعليمية الحكومية وتوزيعها توزيعاً ينسجم مع السياسة التعليمية". كذلك المادة 42 "تنفق حصيلتها على توفير الأبنية المدرسية وصيانتها وعلى سائر الأمور المتعلقة بتحقيق أهداف العملية التربوية" لتبدو النصوص نظريا على الورق.

 

لا غرف صفية للمعلمين

 

 

إذا كانت بيئة المدرسة غير مناسبة للطلبة فذات الحال يواجهه المعلمون أيضا. ترصد نقابة المعلمين الأردنيين ما نسبته 90% من المدارس المستأجرة "لا تحتوي على غرف خاصة بالمعلمين بالإضافة لعدم توفر البيئة التعليمية الجيدة للطلبة الدارسين فيها من حيث مساحة الغرف الصفية وجودة المرافق الداخلية" الأمر الذي تراه يؤثر أيضا على البيئة المساندة للمعلم.

 

 

تشير النقابة في ردها على أسئلة معد التقرير إلى أن العديد من المدارس المملوكة للوزارة تعاني من ذات إشكاليات المدارس المستأجرة ما يستدعي الوزارة إلى ضرورة مراجعة ما وعدت به سابقا بوقف استئجار المباني لصالح مدارسها.

 

 

بيئة مدرسية صديقة حق للطفل

 

 

مباني المدارس ينبغي أن تحتوي على مساحات كافية لممارسة النشاطات المختلفة التي تعد "من أبسط الحقوق الممنوحة للطفل"، وفق الناطق باسم منظمة يونيسف للطفولة سمير بدران.

 

 

تعمل اليونسيف مع وزارة التربية والتعليم على تطوير المدارس المستاجرة واستبدالها بمدارس مملوكة للوزارة ضمن المواصفات التي تحقق البيئة التعليمية الجيدة للطلبة، يقول بدران.

 

 

في العام 2012 كانت اليونسيف دعمت الأردن بقيمة مالية وصلت إلى (1.6) مليون دولار بهدف تحمل الأعباء الناجمة عن استضافة الطلبة السوريين في مدارس التربية والتعليم متضمنة دعم الرسوم المدرسية وأثمان الكتب المقررة، والمدارس المستأجرة، ودروس التقوية التعويضية، بالإضافة إلى النشاطات الاجتماعية.

 

 

بيئة تعليمية غير مناسبة في المستأجرة

 

 

كان المركز الوطني لحقوق الإنسان، مطلع العام 2012 أصدر تقريرا حول واقع التعليم في الأردن وانتقد واقع البنية التحتية للعديد من مدارس المملكة المستأجرة غير المناسبة للتعليم الذي دفع مدارس بتطبيق نظام الفترتين.

 

 

ووفق المركز فإن هناك نسبة 10% من الطلبة يتلقون تعليمهم في مدارس حكومية مستأجرة وتعاظمت النسبة سبب ما أسماه الهجرات القسرية على الأردن منذ عام 1991 وحتى عام 2012 من الدول المجاورة.

 

 

وأورد تقرير المركز أسباب وزارة التربية والتعليم حول تصاعد استئجار المدارس الحكومية جراء "عدم توافر قطع أراض للبناء عليها خاصة في مناطق الاكتظاظ السكاني" إضافة إلى "قلة الموارد المالية في أحيان أخرى."

 

مواصفات البناء النموذجي

 

 

مؤسسة المواصفات والمقاييس تحدد شروط ينبغي توفرها في بناء المدرسة وفق ضوابط اعتمدتها وزارة الأشغال وهي الجهة المختصة بتطبيق المعايير من توفر مساحة تتناسب وعدد الطلبة بحيث تعطي طلبة المدرسة في المراحل الدراسية المختلفة ما مقداره 5 متر مربع بالمتوسط لكل طالب تشمل الغرفة الصفية والساحة المدرسية المخصصة للنشاطات المختلفة.

 

 

كما تلزم المواصفات على ضرورة وجود مرافق صحية مناسبة وتهوية جيدة داخل جميع الغرف الصفية، عدا عن وجود مساحات فارغة في محيط المدرسة، وتكون بعيدة قدر الإمكان عن الاكتظاظ السكاني والضوضاء، وهذا ما كانت تفتقر له عدة مدارس مستأجرة قام معد التقرير بزيارتها في 3 محافظات مختلفة وهي: عمان، اربد والطفيلة.

 

 

إقرار الوزارة  والسبب "اللجوء"

 

 

وزارة التربية والتعليم وعلى لسان أمينها العام محمد العكور ترى أن النسبة الكبيرة للمدارس المستأجرة  سببه "الأحوال السياسية التي طرأت على الأردن من خلال التحاق أعداد كبيرة من الطلاب اللاجئين العراقيين والسوريين ما أجبر الوزارة على إيجاد مباني بشكل سريع لاستيعاب هذه الأعداد على الرغم من معرفتنا بعدم ملائمة العديد منها والمواصفات المعتمدة للمدارس الحكومية".

 

 

يرمي رد الوزارة إلى "توقيف مؤقت" للخطة التي أعلنتها عام 2012 باستبدال المدارس المستأجرة بمدارس مملوكة للوزارة ومطابقة للمواصفات والمقاييس من خلال المنح العربية والدولية التي قدمت للحكومة.

 

 

غير أن الناطق باسم نقابة المعلمين أيمن العكور يقلّل من إشكالية "اللجوء" بدليل أن "الوزارة لم تبد أي توجه جدي منذ العام 2012 حيث أعلنت نيتها التخلص من المدارس المستأجرة حتى عام 2017 وهذا بدا واضحا في الموازنة العامة للوزارة والمنشورة على موقعها التي تظهر ارتفاع مخصصات "بدل الاستئجار" من ما يزيد عن 958063 ألف دينار شهريا عام 2012 إلى مليونين و500 ألف خلال عام 2016 ".

 

 

كان وزير التربية والتعليم السابق، محمد ذنبيات قد صرح قبل عام بأن الوزارة "سوف تتخلص من الأبنية المستأجرة خلال السنوات الخمس القادمة بحسب الإمكانيات المتاحة من ما سيمنح الطلبة بيئة تعليمية آمنة و صحية". الوزير أشار آنذاك إلى أن هناك عدة مشاريع خاصة لإنشاء مدارس ونواة أبنية مدرسية وإضافات غرف صفية ورياض أطفال.

 

 

ارتفاع تكلفة "المستأجرة"

 

 

توضح الموازنة العامة المنشورة على موقع وزارة المالية ارتفاعا كبيرا بين ما تدفعه وما ستدفعه وزارة التربية والتعليم كبدل الإيجار الشهري في الاعوام 2014 -2016 عن ما كانت تدفعه في عامي 2012 - 2013 على النحو تصاعدي يظهر الانفوغراف المرفق.

 

inf3

ما يشير إلى عدم وجود نية لدى الوزارة لتخفيض نفقاتها على "بدل الإيجار" حيث تجاوز الارتفاع بين ما دفع في عام 2012 وما سيدفع في عامي 2015 و2016 مبلغ مليون ونصف المليون دينار شهريا.

 

 

مدارس تتفق والبيئة التعليمية

 

مدرسة جعفر واحدة من عشرات المدارس التي تقوم وزارة التربية والتعليم باستئجارها لغايات تعليمية، دون مراعاة للمواصفات والمقاييس التي تشترط توفير بيئة آمنة ومريحة للطلبة. فيما يعُتبر عدم مطابقة المباني لمواصفات ومعايير صديقة للبيئة التعليمية أحد أشكال الانتهاكات التي تقع على الطلبة الأطفال، وفق منظمة اليونيسف التي دعت دول العالم إلى ضرورة تحسين بيئة وجودة التعليم فيها بما يراعي حقوق الطفل سندا للاتفاقية الدولية الخاصة بحقوق الطفل في العام 2013.

 

 

تنظر اللجنة الدولية المعنية بحقوق الطفل الملحقة باتفاقية حقوق الطفل الدولية في أن النموذج الملائم للمدارس ينبغي أن يراعي المصلحة الفضلى له من حيث بيئة تعليمية آمنة وصحية تتسم بالحماية، وتدريب معلمين على الدوام وأن تتوفر لديها موارد كافية وظروف عامة ملائمة للتعلم.

 

*أعُد التقرير بإشراف مباشر من منظمة "صحفيون من أجل حقوق الإنسان" ضمن مشروع "حوار عام حول حقوق الإنسان"  

أضف تعليقك