كبيرات السن في مواجهة كورونا: عزلة اجتماعية وتحديات يومية

الرابط المختصر

خلال جائحة كورونا، عانت كبيرات السن من تحديات فريدة وصعبة أثرت على حياتهن اليومية وصحتهن النفسية والجسدية بشكل عميق ظروف العزلة، الخوف من العدوى، وصعوبات الوصول للخدمات الأساسية كشفت عن التفاوتات في الرعاية المقدمة لهن، وسلطت الضوء على أهمية توفير دعم أكبر لهذه الفئة العمرية في اوقات الازمات خاصة وان اغلب افراد هذه الفئه يعيشون في المدن الكبرى في الاردن بحسب تقرير دائره الاحصاءات العامه الاخير الصادر تزامنا مع اليوم العالمي لكبار السن حيث يشير الى تركز نسبة المسنين في محافظة العاصمة بنسبة 47.6%، من اجمالى المسنيين في المملكه بينما محافظة إربد تأتي في المرتبة , إحدى كبيرات السن، السيدة حسنية البالغة من العمر 69 عامًا، تروي تجربتها قائلة: "تجربتي خلال جائحة كورونا كانت صعبة شعرت بالخوف في البداية من الفيروس،حيث كنت وحيدة في المنزل بعد أن تزوج أبنائي، وهذا جعلني أشعر بالوحدة كنت أواجه صعوبة في الحصول على الطعام والأشياء الأساسية، لأنني كنت أحرص على عدم الخروج كثيرًا " تشير هذه التجربه هنا جوانب التحدي الرئيسي الذي واجهته حسنية، والذي امتد إلى صعوبة التأقلم مع الحياة اليومية بشكلها الجديد، حيث كان يتعين عليها الاعتماد على الآخرين مع تجنبهم في ذات الوقت، في محاولة لتحقيق التوازن بين الحاجة للمواد الأساسية والخوف من الإصابة.

 

أثّر التباعد الاجتماعي، الذي فرضته الجائحة، على نفسيات كبيرات السن بشكل ملحوظ حسنية تعترف بأن العيش وحدها زاد من ثقل العزلة على صحتها النفسية، فتقول: "العيش وحدي كان له تأثير على نفسيتي أحيانًا كنت أستمتع بالهدوء، لكنني شعرت بالوحدة كثيرًا كنت أفتقد وجود أبنائي حولي حاولت أن أملأ وقتي بالقراءة والعناية بالحديقة، لكن الوحدة كانت صعبة" هذه الكلمات تشير بوضوح إلى التحديات النفسية التي واجهتها، حيث إن الاستقلالية التي طالما اعتبرتها نعمة، تحولت خلال الأزمة إلى عبء ثقيل في محاولة للتخفيف من وطأة الوحدة، لجأت حسنية إلى أنشطة مثل القراءة والعناية بحديقتها، لكنها لم تستطع تعويض غياب أبنائها أو الأصدقاء، ما يبرز الحاجة إلى وجود حلول مبتكرة لدعم الصحة النفسية لكبيرات السن في الأزمات المستقبلية.

 

إحدى الطرق التي اتبعتها حسنية للتغلب على العزلة كانت التواصل مع الأصدقاء والأقارب عبر الهاتف وتضيف قائلة: "نعم ، كنت أستخدم الهاتف للتحدث مع أبنائي وأصدقائي المكالمات معهم كانت تخفف شعوري بالوحدة كما كنت أشارك في مجموعات على الإنترنت مع جيراني رغم أن الحديث عبر الهاتف لم يكن كافياً، إلا أنه كان يساعدني كثيرًا" هذه التجربة تؤكد أن التكنولوجيا قد لعبت دورًا هامًا في التخفيف من عزلة كبيرات السن خلال فترة العزل، لكنها كانت حلاً مؤقتًا وغير كافٍ، إذ يبقى للتواصل المباشر أثره الفريد في تعزيز العلاقات الإنسانية ودعم الصحة النفسية.

 

بالمقابل، أظهرت جائحة كورونا مدى حاجة كبيرات السن إلى توفير رعاية صحية فعالة وآمنة في المنزل، وقد كانت حسنية من اللواتي تأثرن بهذا الجانب بشكل كبير، حيث تقول: "عندي السكري وضغط الدم، وكنت بحاجة مستمرة لمتابعة صحتي في العيادة، لكن فجأة صار الخروج مخاطرة كبيرة، كل شيء صار يخيفني الخوف من الذهاب إلى المستشفى زاد عليّ أضعافًا، لأن زيارة واحدة قد تكون كفيلة بتعريض حياتي للخطر" هذه الكلمات تجسد خوف كبيرات السن من الانتقال إلى المستشفيات أو العيادات لمتابعة حالتهم الصحية، ما جعلهم أكثر عرضة للضغوط النفسية بسبب الشعور بالإهمال الطبي والخوف من تدهور حالتهم مثل هذه المواقف تؤكد ضرورة التفكير في حلول أكثر مرونة في المستقبل، كتوفير خدمات الرعاية الصحية عن بُعد لهذه الفئة.

 

أطلقت الأمم المتحدة، في خضم الجائحة، مبادرات تدعو لاحترام حقوق وكرامة كبار السن، حيث أكّد الأمين العام على أهمية الاستجابة بشكل يحمي حقوقهم ويقلل من الفجوات الاجتماعية كما ذكرت روزا كورنفيلد-مات، خبيرة الأمم المتحدة في حقوق المسنين، قائلة: "نحن بحاجة إلى الوقوف الآن من أجل حقوق كبار السن, حيث يغذي رهاب الشيخوخة المنتشر التحيز ضد كبار السن، والتمييز، وفي نهاية المطاف إنكار حقوقهم " تسلط هذه التصريحات الضوء على المعاناة التي تعرضت لها كبيرات السن أثناء الجائحة، حيث يتسبب التمييز والافتقار إلى الدعم الاجتماعي في زيادة إحساسهم بالعزلة وضعف الاستقلالية لا يقتصر التحيّز على المستوى الفردي فقط، بل يتسع ليشمل السياسات العامة التي يجب أن تتكيف مع متطلبات واحتياجات كبار السن في الأزمات.

 

أشارت دراسة الدكتورة نسرين عبدالله البحري والدكتور زيد محمود الشمالية في الأردن المنشوره في 2022 بعد مسح ميداني شمل عدد من كبيرات السن في مختلف مناطق المملكه إلى أن كبيرات السن قد واجهن اضطرابات نفسية، مثل الإحباط والقلق في اثناء الجائحة ، لكنهن وجدن في الدعم من عائلاتهن والتأمين الصحي المجاني الذي تتمتع به بعضهن مصدر للاطمئنان ولو بشكل جزئي وأوصى الباحثان بضرورة "تعزيز العلاقات الأسرية الدافئة وتقديم برامج إرشادية لتمكين المسنين من مواجهة الأزمات المستقبلية ، إذ تعد هذه الآليات أساساً لتخفيف الضغط النفسي والاجتماعي. 

ومن ضمن النتائج البارزة، كشف الدكتور عبد الفتاح مصطفى في دراسة له عن التأثيرات السلبية المتعددة للحجر الصحي أن "الانسحاب من الحياة الاجتماعية والاعتماد على الآخرين" كان من أبرز معوقات كبار السن حيث يؤدي الاعتماد المتزايد على الآخرين إلى شعورهم بفقدان الاستقلالية والكرامة، ما يزيد من تدهور حالتهم النفسية تجسد هذه النتائج المعضلة التي عاشتها كبيرات السن، حيث أن مشاعر الوحدة والإحباط لم تقتصر على فقدان التواصل الجسدي فقط، بل تضمنت أيضًا الشعور بالانفصال عن المجتمع وفقدان الحرية.

عند الحديث عن الحلول المستقبلية التي تأملها كبيرات السن، عبرت حسنية عن تطلعاتها قائلة: "أتمنى أن ترى الحكومة مزيدًا من الدعم لكبار السن مثلنا، مثل توفير خدمات توصيل للمواد الغذائية إلى المنازل. أريد أيضًا أن تكون هناك أنشطة عبر الإنترنت تساعدنا على البقاء معًا، حتى لو كنا بعيدين الأهم هو أن يكون لدينا رعاية صحية جيدة ودعم عندما نحتاج إليه" هذه الرؤية المستقبلية تعكس رغبة كبيرات السن في الحفاظ على استقلاليتهن، مع تعزيز الاتصال الاجتماعي والدعم الصحي، خاصة في الأوقات التي تتطلب التباعد الاجتماعي إن توفير خدمات توصيل الطعام وتوسيع الأنشطة الرقمية لكبار السن يعتبر جزءاً أساسياً من أي استراتيجية للتعامل مع الأزمات المستقبلية، إذ يعزز من شعورهم بالأمان والرفاه.

 

في النهاية، سلطت أزمة كورونا الضوء على العديد من الثغرات في دعم كبيرات السن وأظهرت مدى تأثير العزلة والخوف على نفسياتهن وصحتهن العامة، كما أكدت تجاربهن وحاجاتهن على ضرورة تطوير استراتيجيات مخصصة لتلبية احتياجات كبار السن، والحرص على حمايتهن من الآثار النفسية والصحية التي قد تؤثر على جودة حياتهن، مثلما بيّنت تجارب حسنية وغيرها ممن عايشوا صعوبات العزلة والخوف من المستقبل.

يأتي هذا التقرير في إطار الشراكة بين شبكة الإعلام المجتمعي- راديو البلد و جمعية معهد تضامن النساء الأردني لمشروع متحدون في مواجهة العنف ضد المرأة والفتيات أثناء وما بعد جائحة كورونا الممول من صندوق الأمم المتحدة الاستئمانيUNTF.