بوصف ذو ملامح طفولية تصف رنيم هياجنة ذات العشرة أعوام ما تعرفه عن ذوي الإعاقة "هم الأشخاص الذين لا يرون أو لا يتكلمون أو غير قادرين على المشي"، وبرأيها أنّ السخرية منهم "حرام" وأن مساعدتهم في الحياة العامة واجب عليها أن تقوم فيه.
وعن سؤالها حول دور المدرسة في تقديم التوعية اللازمة لها بكيفية التعامل مع ذوي الإعاقة، تؤكد "المدرسة ما كانت توّعينا على اشي وكان في بنت بمدرستنا بالصف السابع ما بتقدر تمشي وبتضل على كرسي متحرك ووالدها كان يجيبها عالمدرسة وكل البنات يضحكو عليها"، موضحة "بحياتي ما سخرت من أي شخص من ذوي الإعاقة لإنه إنسان متلي متله وممكن أنا أكون مكانه"، هكذا عبرت رنيم عن حرصها بعدم القيام بالسخرية من أي شخص في مدرستها أو حتى في الحي الذي تقطنه من الأشخاص من ذوي الإعاقة.
يوضح محمد المحمود "15 عام"، أن المدرسة لم تقم بتوعيته بما يخص ذوي الإعاقة وحقوقهم وما يجب عليه القيام فيه من أجل دمجهم في المجتمع أو حتى كيفية التعامل معهم "كنت أشفق عليهم وأحاول أساعدهم بس ما كنت أعرف كيف لازم أحكي معهم أو أحاول أتقرب لهم".
معلماتنا بتعاملوا مع ذوي الإعاقة بشفقة
ويضيف "كنت أتدرب بنادي تعليم للرسم وكان معنا شخص من ذوي الإعاقة البصرية الأستاذ بس كان قادر يفهم عليه من وقتها بدأت أتعلم كيف لازم أحكي أو أتصرف مع الأشخاص من ذوي الإعاقة بكل احترام مو مثل المدرسة دايماً كان الأستاذ يتعامل مع شخص مقعد بشفقة".
وينوه المحمود أن قضايا ذوي الإعاقة وأهمية تقديرهم وعدم السخرية منهم قضية مهمة غير مُسلط الضوء عليها، إلا أن الفئة التي تعاني منها كبيرة، وأن والده ووالدته لم يبادروا بتوعيته منذ الصغر إلا إنه اكتسب تجربة حسن التعامل مع ذوي الإعاقة من البيئة الخارجية.
وعن سؤال ابنة الثانية عشر منّة فادي حول من هم الأشخاص من ذوي الإعاقة، تقول "هو من لا يرى أولا يمشي أو لا يستطيع التكلم"، وتذكر قصة لأحد الفتيات من "صعوبات التعلم" "كان معنا بنت بالمدرسة ما بتعرف تحكي منيح وقتها كل الصف كان يحكي أكيد والدتها ما علّمتها تحكي وحتى المدرسة والمعلمات ما كانوا بهتموا كيف لازم نحكي معها أو نتعامل معها كانوا يعاملوها إنها غير عنا ويشفقوا عليها فقط".
السخرية من الأشخاص من ذوي الإعاقة وعدم الدراية بكيفية التعامل معهم، ثقافة منتشرة بين الطلبة في المدارس، البعض يعزو هذه الظاهرة لقلة اهتمام البيئة المدرسية بتنشئة جيل يعي المفاهيم الحقوقية والعيش المشترك مع ذوي الإعاقة، والبعض الآخر يرى أن الأسرة والبيئة المحيطة أظهروا ذوي الإعاقة في موضع الضعف والشفقة في المجتمع كجماعة أثنية وجودهم في المجتمع قليل.
ووفقاً للإحصائية التي قدمها المجلس الأعلى لحقوق الأشخاص ذوي الإعاقة في نهاية 2019، تعدّى عدد الأشخاص ذوي الإعاقة في سن التعليم 400 ألفا، أي ما نسبته 5% من عدد الطلاب.
إنت معاق ..كيف بتلعب كرة قدم؟
غدير عبّادي والدة أحد الأطفال من ذوي الإعاقة الحركية الخفيفة تضيف أن الكثير من الناس تستهجن فكرة أن يقوم ابنها بلعب كرة القدم "بحكوله إنت معاق كيف بتلعب كرة قدم؟"، لكنها تعتبر أنها خط الدفاع الأول عنه وعن بناء شخصيته.
وتلفت إلى أنها تقم بالرد على من يتجرأ بالنظر إلى ابنها بطريقة سخرية أو استهزاء، وإذا كان شخص صغير تحاول توعيته "بالحسنى" حتى يتمكن من التعامل مع ابنها بطريقة لا تؤذي كليهما، موضحة "بحكيلهم للأطفال مو إنت بتقرر إذا هو كامل أو لأ"، وأنها تحاول زرع مفاهيم القوى والشجاعة بداخله.
بحسب قانون حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة رقم "20" الصادر عام 2017، تنص المادة (ح) على "ضمان حقوق الأطفال ذوي الإعاقة وتطوير قدراتهم وتنمية مهاراتهم وتعزيز دمجهم ومشاركتهم في المجتمع".
والدة سيف من ذوي الإعاقة العقلية "اضطراب توحد"، تؤكد أن المحيطون فيها يستهجنون عدم دخول إبنها للمدرسة ويثيرهم الفضول عن السؤال "لماذا لم يدخل ابنك المدرسة"؟، وأن سيف كثيراً ما يتعرض لمواقف مجتمعية محرجة قد لا يدرك سوءها، إلا أن والدته تتصدى لها.
وبكونها معلمة في أحد المدارس، تبين أن المعلمات غير قادرات على التعامل مع الأطفال من ذوي الإعاقة ولا كيفية احتواء ردود أفعالهم، لذا عملية دمجهم مع غيرهم من أبناء صفوفهم هي عملية صعبة على الكثير من المعلمات، لذا من الطبيعي نشوء جيل لا يعي كيفية التعامل مع الأشخاص من ذوي الإعاقة ولا حتى التعاطي مع قضاياهم.
وتذكر والدة سيف أحد أكثر المواقف المسيئة من قبل المجتمع للأشخاص من ذوي الإعاقة، عندما يسمع الناس أن ابنها مصاب توحد، يبدأون بالدعاء بصوت مرتفع جداً بالشفاء له وترديد عبارات تهدم نفسية الأم والإخوة "الله يجبر عليك ويصبرك"، مؤكد هذه الدعوات قاسية على مسمع الأهل وتحمل معاني شفقة وعطف فقط.
وتواصل حديثها عن أحد المواقف التي تظهر لها عدم دراية المجتمع الكافي بشخصيات الأشخاص من ذوي الإعاقة وكيفية التعامل معهم "بس أكون في المول ممكن ابني سيف يمسك بملابس أي امرأة ظناً منه أنها جدته وعندها أنا أضطر لأن أبرر مطولاً حتى يقتنع الآخرون بازدراء بطبيعة سيف" وترجع ذلك إلى جهل المجتمع بالتعرف إلى شخصيات ذوي الإعاقة والتعاطي معها "يعني إذا الأم ما بتعرف تتعامل مع ابني كيف ولادها في المدرسة رح يتعاملوا؟".
وعن دخول ابنها لمؤسسات تعليمية لصقل مهاراته ودمجه مع أبناء جيله تقول أم سيف "دخلت سيف على كثير من الروضات الدامجة ومع ذلك لم يتمكنوا من التعامل معه أو استيعابه".
وتبعاً لقانون حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة رقم "20"، فإن الفقرة "ب" من المادة "19"، تنص على "توفير الحد الأعلى من البيئة التعليمية الدامجة للطلبة ذوي الإعاقة".
الناس عندها فضول تشوف عن ذوي الإعاقة
على النقيض الآخر والدة لين من ذوي الإعاقة الحركية تشير إلى أن ابنتها تعيش في بيئة تحترم إعاقتها ولا تتعرض لأذى نفسي أو سخرية فيها، إلا أن البعض ينظر إلى ابنتها بنظرة شفقة أو "عطف" أو فضول للتمعن بوضعها.
التربوية بشرى عربيات تستأنف حديثها حول التنمر الذي يتعرض له الكثير من الطلبة من ذوي الإعاقة، بداية رفض الكثير من المؤسسات التعليمية إدخالهم كطلبة لديهم داخل المدارس الخاصة.
ومن جانبها، ترى أن الإعلام المجتمعي عليه دور كبير في رفع مستوى الوعي لدى كثير من الناس سواء أولياء أمور الطلبة أو المعلمين والمعلمات ومدراء المدارس، وأننا نحتاج إلى ثورة تثقيفية تعمل على رفع مستوى المسؤولية الاجتماعية تجاه هذه الفئة الكبيرة من الناس؛ لأنه لا يوجد شخص كامل بنسبة 100%، ولكل إنسان ضعف ونقص في مجال معين.
وتشدد عربيات على أن أحد أهم المؤسسات التي يجب أن تحتوي الطفل والطلبة هي المدارس، وأنها تسمى " حرماً مدرسياً " لأنها تحمي الطلبة من كثير من الأخطار المجتمعية، فيجب أن تكن أيضاً درعاً للأشخاص من ذوي الإعاقة من التنمر وعدم الرعاية.
الشهادات غير كافية لتصبح معلماً
وعن أهمية الشهادات العلمية تؤكد أنها لا تكفي للتعيين أو الترقية في المواقع والمناصب، وأن هناك الكثير من الأشخاص بحاجة إلى تدريب سلوكي كي يستحق مكانته في سلك التربية والتعليم ويستطيع التعامل مع كافة الفئات داخل الغرف الصفية.
الخبير التربوي ذوقان عبيدات يعرّض أهمية التعليم الدامج وهو "تعليم ذوي الإعاقة في نفس المدارس العادية، والصفوف العادية دون أي تمييز في المعاملة أو في العطاء".
ويضيف أن الأردن يعمل على استراتيجية الخطة العشرية التي يجب أن لا يتم فيها تمييز ذوي الإعاقة عن غيرهم، ودمج ذوي الإعاقة وغيرهم في نفس الصفوف، وأن لا يتم تقديم مساعدات أو معاملة خاصة لذوي الإعاقة على أساس العطف أو الشفقة.
ويرى أن فكرة تطبيقي التعليم الدامج ستؤدي إلى تطوير مخرجات التعليم في المجتمع، وتؤدي إلى خرط الطلبة ببعضهم البعض مما يستوجب إيجاد سبل تعايش أفضل فيما بينهم، وسبيلاً أفضل لزيادة التوعية من قبل المعلمين والأهالي والمدراء في المدارس.
نص الفقرة "ه" من المادة "18" في القانون رقم "20" لحقوق الأشخاص ذوي الإعاقة الصادر عام 2017، "وضع خطة وطنية شاملة لدمج الأشخاص ذوي الإعاقة في المؤسسات التعليمية بالتنسيق مع المجلس والجهات ذات العلاقة على أن يبدأ العمل على تنفيذها خلال مدة لا تتجاوز سنة من تاريخ نفاذ أحكام هذا القانون ولا يتجاوز استكمال تنفيذها (10) سنوات".