بأصابع ثمانية...تخيط أثوابًا كاملة

الرابط المختصر

تتوجه أعين الجميع على البوابة, لا صوت مسموعًا رغم وجود مئات الأشخاص, يرتفع صوت الموسيقى تدريجيًا, تفتح البوابات, يشتد التحديق.

بقماش أبيض ناصع ومطرز بالورد وعروق الأشجار, وبخرزات تلمع في عيني الناظر إليها, تدخل سلمى مرتدية ثوب زفافها, ممسكة باقة الورد بيمينها, ويد فارس الأحلام بيسارها  إلى صالة الزفاف الصاخبة.



كغيرها من الفتيات, بحثت سلمى طويلًا عن ثوب  يشبهها في هذا اليوم الذي قد لا يتكرر, وجابت لأيام عديدة  متاجر عدة داخل العاصمة عمان لتجد واحدًا يلبي حاجتها.



قبل أيام, وداخل هذا المتجر المنشود, تجلس الأربعينية أميرة كربوج خلف آلة التطريز منذ الصباح, وترسم لوحتها بالخرز بأصابعها الثمانية على ثوب زفاف سلمى في زاوية متجر مارسيلا دي كالا- Marcela De Cala مع مجموعة من الخياطات والمطرزات, بعد أن أرسله الخياط علاء الغانم مع مجموعة من الأثواب المفرغة من الزينة.

 

اميرة

 

يبيع منزل تصميم الأثواب الإسباني مارسيلا دي كالا أثوابًا حصرية في جميع فروعه المتواجدة في أنحاء العالم, ليجوب صنيع كربوج دول العالم شرقًا وغربًا, من الشمال إلى الجنوب.

 

اميرة

 

 

كأم نشيطة لولدين وفتاة, تستيقظ أميرة في الصباح الباكر, لتعد الفطور لأبنائها وتذهب بهم إلى المدرسة, وتتوجه بعدها إلى العمل في متجر الفساتين الذي يقع في منطقة الصويفية غرب العاصمة الأردنية عمّان, لتعود مساءً لتتم أعمال الطبخ والتنظيف في المنزل. فتكرر أميرة هذا الروتين منذ سنتين من أصل سبع سنين, بعد خروجها من حلب في عام 2012 وتوجهها إلى الأردن بسبب الحرب في سوريا.

اميرة

 

شاء القدر بأن تلتقي أميرة بالمطرزة هبة الراعي -التي ستصبح زميلتها في العمل خلال الأيام القادمة- في إحدى الورشات, لتقوم هبة بذكر أميرة عند مشرفتها في العمل بعد معرفتها عن خلفيتها في الخياطة في حلب, والتي امتدت ل25 وعامًا.



بعد نجاح كربوج في المقابلة واختبار الخياطة وبدئها بالعمل في اليوم التالي مباشرة في متجر مارسيلا, كان إنتاجها السريع بالرغم من التصاق أصابعها يثير دهشة زميلاتها في العمل, فتقول الراعي: "عملها متقن ومبدعة! وعندها قدرة على إنجاز المهام بأسرع وقت وجهد".

 

 

اميرة

 

 

بنسبة 10-40%, يلعب عامل الوراثة دورًا في ولادة الأطفال بحالة التصاق الأصابع التي تصيب طفلًا واحدًا من بين ما يقارب 3000 طفل, فعند تشكل الجنين في رحم الأم, تبدأ يديه بالتشكل كمجداف صغير, وتنقسم في وقت لاحق إلى أصابع منفصلة. ولكن في حال تأخر هذا الانقسام حتى الشهر السادس, يحدث ما يسمى بالتصادق الأصابع  كجزء من متلازمة Apert التي لا ينفصل فيها البنصر عن الإصبع الأوسط ليصبح عدد الأصابع ثمانية عوضًا عن عشرة بحسب مستشفى بوستون للأطفال- .Boston children’s hospital



 

اميرة

 

 

بالرغم من الصعوبة في التحكم في الأشياء الدقيقة نتيجة حالة الالتصاق التي ورثتها عن والدتها, إلا أن أميرة كانت الأسرع بين زميلاتها في العمل, بل وكانت سببًا في تقليص أيام العمل على الثوب الواحد من عشرة أيام إلى يوم واحد, وذلك باقتراحها على ربة العمل تثبيت الخرز والعروق بآلة التطريز عوضًا عن التثبيت اليدوي.

 

اميرة

 

لم تكن مطرزة نجيبة وأم مجتهدة فحسب, بل كانت زميلة مرحة أيضًا, فتروي زميلاتها عنها بأنها كانت خفيفة الظل طيبة, تقاسمهن الطعام اللذيذ التي أعدته في منزلها, وتبادلهن المودة أميرة بقولها: " كان الشغل حلو, زميلاتي لطيفات وصاحبة العمل منيحة".

 

"يمكن من أكثر الصعوبات اللي كانت تواجهها ، كثرة التفكير في عدم تقدير شغلها الفخم وخبرتها السابقة في الشغل, وكانت في تقلب بين إنه تعطي ما لديها من إبداع مقابل إنه يزيد من رابتها التي تستحقه بالفعل، لكن لم يتحقق ذلك." تقول الراعي التي تراقب أميرة لتتعلم من خبرتها عن كثب.



تحزم أميرة أمتعتها متوجهة إلى بلجيكا بحثًا عن أمل جديد, في بلد ترى أن ثقافته لا تلتفت كثيرًا "للبهرجة" وزخرفة الأثواب, متأرجحة بين الخوف من عدم التمكن من استمراها في المهنة التي احترفتها منذ نعومة أظفارها, وبين الأمل بنجاح مشروعها الخاص المبدوء من الصفر.