"كثير من ذوي الإعاقة عندما يرون الإبرة يصيبهم تشنج وابني منهم إذا بشوفها في يد الدكتور أو الممرضة أو حتى على التلفزيون بتشنج"، يشرح محمود عبد الله (اسم مستعار) عن ابنه حسن(اسم مستعار) البالغ من العمر 26 سنة، معاناته في قدرته على تلقي العلاج اللازم لابنه بعد السعي خلف حجز موعد عند طبيب اسنان لإجراء عملية في أحد أسنانه.
ويقول محمود أن حسن ولد بإعاقة ذهنية "طيف التوحد" ترافقها تشجنات متكررة نتيجة الشحنات الزائدة في الدماغ، وهذا ما يؤثر عليه بشكل واضح عند شعوره بالخوف أو العصبية الشديدة ليصاب بنوبة من الهلع والتشنج العصبي وهذا ما يتسبب باستحالة علاجه.
محمود شرح ما عاشه ابنه حسن من آلام وتكسر في الأسنان نتيجة قلة العناية فيهم من خلال المحافظة على نظافتهم، لتصاب بالتسوس الشديد والالتهاب المتكرر في اللثة، فما كان منه الا الحل الأخير المتبقي وهو الرضوخ للأمر الواقع بعد عجز الكادر الطبي عن التعامل وفهم حالته المرضية بعد تصرف أحد الطبيبات مخرجه الابرة أمامه ما تسبب بموجة من الغضب والهلع الشديد ومن ثم نوبة من التشنج الناتجة عن ذلك والنتيجة النهائية عدم حصوله على علاج لأسنانه تحت البنج العام لخسارته التجربة الوحيدة الممكنة لذلك ولفقده الثقة الكلية بالأطباء.
ما تزال عملية التواصل مع ذوي الإعاقة على اختلاف أنواع الإعاقات تشكل حاجزا كبيرا أمام فهمهم وطريقة إيصال المعلومة لهم وحتى وصولها منهم، ويعاني ذوي الإعاقة الذهنية على وجه التحديد من معضلة أكبر دون الإعاقات الأخرى وذلك لاختلاف طرق وسرعة الإدراك لديهم ما يجعل علاجهم أمر يحتاج لتخصصية عالية وحرفية كبيرة.
يشكل الأشخاص ذو الإعاقة في المملكة ما نسبته 11.2% من عدد السكان وفقا للتعداد العام للسكان والمساكن لعام 2015 الذي قامت به دائرة الإحصاءات العامة، وقد استثنى من التعداد ما هم دون خمسة سنوات من الأطفال. في حين تبلغ نسبة الأشخاص ذوي الإعاقة الذهنية بحسب التقديرات العالمية من 2-3% من النسبة الإجمالية للأشخاص ذوي الإعاقة.
"البنج العام" من ثم الخلع
علي محمد (اسم مستعار) البالغ 30 سنة أحد الأشخاص ذوي الاعاقة الذهنية الشديدة اضطر أهله لاصطحابه لمستشفى بسمة الحكومي بعد إصابة لثته بالتهابات متكررة إضافة إلى الأعصاب أسفل طواحينه، وللصدفة وفي إحدى مراجعات وسؤال والداه المتكرر عن إمكانية إجراء علاج لأسنانه في الصحة تحت التخدير العام لخوف ابنهم الشديد من الأطباء والإبر وصوت الأجهزة، وبعد الفحص لأسنانه فقد تبين حاجته لعلاج الأسنان التي لم يصل فيها الالتهاب الى العصب أما الأسنان التي تحتاج لأكثر من جلسة فقد تم خلعها "لعدم القدرة على القيام بالتخدير العام لأكثر من مرة وعدم توفر الأدوات الخاصة بسحب العصب وعلاجه" بحسب ما قاله الطبيب الجراح المعالج آنذاك لوالده، وبالتالي فقد علي محمد أسنانه الأساسية فقط لعدم توفر أدوات سحب العصب!
يشتكي أهل علي الآن من أن أسنان ابنهم بحاله من الخراب خاصة لعدم قدرتهم على إقناعه بتنظيف أسنانه بشكل يومي ودوري وهذا ما يجعل أسنانه معرضة للتلوث بشكل كبير اضافة الى أن غذائه ليس كافيا لحماية أسنانه وإعطائه بنية صحية قوية، ومع خلع الطواحين الأساسية والتي يرتكز عليها في عملية الطعام يواجه صعوبة حتى في الأكل.
ويخشى والدا علي من سقوط بقية أسنان ابنهم الباقية وذلك نتيجة توسع المساحة بين الأسنان بعد خلع الطواحين التي تمسك الفك وتحكم الأسنان بشكل كلي.
أما مجد الهنداوي 24 سنة والتي ولدت أيضا بإعاقة ذهنية" متلازمة داون" عانى أهلها من إقناع الأطباء في العلاج في عيادات الأسنان كون مجد متفهمة جدا وقادرة على التعامل وفهم كل المعطيات، اشتكت والدة هند من تحويل الاطباء المتكرر لعلاج أسنانها تحت البنج العام رغم عدم الحاجة لذلك ف مجد أجرت قبل ذلك عمليات للقلب والبنج العام قد يعرضها للخطر في حال تكراره في كل مرة خاصة وأن أسنانها بحاجة "شوط من العلاج"، وهذا ما دفع بوالدتها للبحث عن طبيب قادر على التعامل مع حالتها آخذا بعين الاعتبار العلاجات التي تأخذها والتعامل معها حسب ووفق الحاجة.
إلمام والدة مجد بحالتها ومحاولاتها المتكررة للوصول لطبيب قادر على التعامل مع حالة ابنتها غير المستعصية أنقذ اسنان مجد من الخلع ومن خضوعها لعملية لا تحتاجها تحت البنج العام وعلى العكس تماما، استطاعت مجد أن تركب تقويم للأسنان وتراجع بشكل دوري عند طبيب أسنان متخصص.
المادة (24) منحت من قانون الأشخاص ذوي الإعاقة 20 لسنة 2017 حق الحصول على تأمين صحي للأشخاص ذوي الإعاقة، ما يكفل حقهم في تلقي الخدمات الصحية والتأهيلية والحصول على المطاعيم والعلاجات بجميع أنواعها.
بين التأكيد والنفي!
كشف تقرير صدر عن منظمة الصحة العالمية والذي تم نشره مؤخرا عن ازدياد عدد حالات الإصابة بأمراض تسوس الاسنان وامراض اللثة والانسجة الداعمة وفقدان الاسنان على الصعيد العالمي بشكل لافت، وأكثر الفئات السكانية معاناة من عبء أمراض الفم والاسنان وحالاته هم الأشخاص ذوي الدخل المنخفض، بالإضافة الى انتشارها لدى الأشخاص ذوي الإعاقة، وكبار السن الذين يعيشون بمفردهم أو في دور الرعاية، وفي المجتمعات المحلية النائية.
"3% معالجتهم بالعيادة من ذوي الإعاقة الشديدة والمتوسطة وذوي الإعاقة البسيطة نستطيع معالجتهم بالعيادة ولكن وفق إجراءات محددة" يقول طبيب الأسنان محمد زلوم، وأن إجراء خلع الأسنان "للأسف" هو الخيار الأكثر توفرا ويتم لظروف خاصة تتعلق بمدة البنج مقارنة بعدد الأسنان التي تحتاج للعلاج، وأيضا عند التهاب العصب الذي يحتاج عدة جلسات لعلاجها وهذا الأمر الذي يعتبر مستحيل في حالة التخدير، إذ لا يمكن عمل أكتر من عملية تحت تأثير البنج العام خلال فترات متقاربة، وبالتالي خلع السن ككل وعلاج ما يمكن علاجه من حشوة وإزالة التسوس.
ولفت إلى أن أغلب الأشخاص من ذوي الإعاقة لديهم مشاكل من تآكل الأسنان ويستحيل أن يتم تركيب أو زراعة أسنان لذوي الإعاقة، وذلك للكلف العالية واستحالة التحكم بذوي الإعاقة إضافة إلى سهولة كسرها خاصة في حال الشد عليهم، وبالتالي لا خيار أمام ذوي الإعاقات الذهنية الشديدة سوا التأقلم مع هذا الأمر والتحول للأكل المهروس مع الزمن.
في حين نفى استشاري طب الفم والأسنان لذوي الإعاقة يزن حسونة إجراء الخلع كأول خيار وإنما العلاج ضمن سلسلة علاجية، فالخلع مخالف للضوابط لأنه من المفروض التعامل مع السن لعلاجه وليس خلعه بدون معاينة لوجود مجموعة من الضوابط الطبية التي يجب على الطبيب التعامل معها قبل اتخاذ أي قرار طبي.
وأشار إلى أن ذوي الإعاقة يحتاجون فقط بيئة معينة وأجهزة خاصة ومعاملة محددة تضمن لهم العلاج بشكل سلس، عدا ذلك من الحالات المستعصية والتي تتطلب وقت من العمل والألم يتم تحويلها للبنج العام بعد استشارات ودراسة كافة التداعيات والمخاطر المحتملة على المريض، على أن يتم العلاج الكامل لها ولا يكون خيار الخلع إلا الخيار الأخير حين تنفد كل الحلول ولا يكون العلاج إلا به.
وأكد أن ذوي الإعاقة يعانون من معيقات عديدة تحيل قدرتهم للحصول على العلاج جراء عدم توفر الموائمة الملائمة داخل المرافق الصحية كما لا يوجد منظومة متكاملة لإدماجهم في المجتمع.
الدكتور جاك سركيس استشاري الاضطرابات العصبية والتوحد يجب على الأطباء أن يكونوا مثقفين في مجال الاضطرابات العصبية والتوحد وما يندرج تحت الإعاقات الذهنية، وعلى وعي كامل في خصائصهم وسماتهم واحتياجاتهم وكيفية التعامل معهم، فهذا الأمر أصبح يؤرق العالم كله.
وتابع يجب أن يكون هناك شرط لتخرج الأطباء والممرضين وأي شخص في المهن التي تتعامل مع ذوي الإعاقة الذهنية أن يتقدم لامتحان ومن ثم يكون على قدرة جيدة على التعامل مع الاضطرابات العصبية وفهم سلوكياتها.
تنص المادة (23) من قانون الأشخاص ذوي الإعاقة 20 لسنة 2017 على إلزامية وزارة الصحة والمؤسسة العامة للغذاء والدواء والجهات المختصة بالتنسيق مع المجلس الأعلى لذوي الإعاقة في ضمان حق وصول ذوي الإعاقة للخدمات والمستشفيات والمراكز الطبية التابعة للوزارة، والعمل على تأهيل الكوادر الطبية والفنية في المستشفيات والمراكز الطبية على أساليب التواصل والتعامل مع ذوي الإعاقة لضمان استيفائهم الحقوق العلاجية والطبية كاملة.
الجهات المعنية
الناطق الإعلامي باسم المجلس الأعلى رأفت الزيتاوي لفت إلى أن المشكلة الأساسية تقع على قلة التخصصية في التعامل مع ذوي الإعاقة ويعود ذلك للصورة النمطية وانعدام رغبة الأطباء في التوجه لهذا الجانب، على عكس أنه جانب مطلوب لشحة الشديد فهناك الكثير من ذوي الإعاقة ممن يحتاج فقط لطبيب يستطيع التعامل معه وفق البروتوكولات العلاجية الصحيحة التي تتماشى مع نوع الإعاقة وتهيئة البيئة المناسبة.
وأشار إلى أن المجلس على تعاون مع وزارة الصحة لتهيئة كافة المرافق الصحية وليست فقط الخاصة بعلاجات الأسنان وإنما ككل، حتى تتوائم مع طبيعة العلاج اللازم تقديمه لذوي الإعاقة بأسلس الطرق وأسهلها وتخفيف الألم عليهم.
فيما قال الدكتور زكريا البدور رئيس قسم اختصاص طب الأسنان في وزارة الصحة أن المراكز الصحية الأولية لا يتوفر فيها أطباء اسنان متخصصين وانما عامين وبالتالي تقوم هذه المراكز بإجراء عمليات التحويل للمراكز الشاملة والتي يتوفر فيها طبيب أسنان متخصص في طب أسنان الأطفال للتعامل مع ذوي الاعاقة.
وأضاف أن خدمة الرعاية الصحية وعلاج الأسنان متوفرة في المستشفيات الحكومية إذ يحاول الاطباء التعامل مع ذوي الاعاقة ممن يستطيع أن يقدم العلاج له ومن لا يستطيع خصوصا من الاعاقات الذهنية فيتم تحويله لعلاجه تحت البنج العام.
ونفى البدور أن أول العلاج هو الخلع مع إمكانية علاج الأسنان كلها حتى التهاب العصب تحت التخدير العام إذ أن طبيب التخدير هو القادر والمتحكم في كمية "البنج" ومدته وبالتالي إمكانية علاج الأسنان ببساطة، محملا الطبيب الذي يقوم بالخلع دون تقديم العلاج اللازم المسؤولية الكاملة.
وختم أن الخلع لا يعتمد على ما إذا كان الشخص ذوي اعاقة أو لا وإنما على طبيعة الحالة الطبية كحالة مرضية فقط.
ويبقى السؤال هنا، على ماذا يعتمد مصير الأسنان والعلاجات لذوي الإعاقة، هل لقلة التخصصية أم لنوعية الإعاقة أم انعدام الرقابة والمسؤولية تجاه الصحة الفموية لهم؟ وتهيئة المرافق ورفدها بالكادر المؤهل لتخفيف ألمهم وجعل حياتهم وحياة ذويهم أقل صعوبة ومعاناة نتيجة التقصير الواضح في حقوقهم.