48ألف طفل عامل و 1000 مساء إليه خلال العام الحالي في الأردن

الرابط المختصر

"إن الأطفال أبرياء وضعفاء ويعتمدون على غيرهم، وهم أيضاً محبون للاستطلاع، نشطاء مفعمون بالأمل، فمن حقهم علينا أن نوفر لهم وسائل للتمتع بأوقاتهم في جو من المرح والسلام، إلا أن واقع الطفولة مختلف كل الاختلاف بالنسبة لكثير من الأطفال" هذه مقتطفات من الفقرة الأولى من الإعلان العالمي لبقاء الطفل وحمايته ونمائه الذي أقر بنيويورك في 30 أيلول 1990.والواقع في الأردن ليس ببعيد عن الوضع العالمي بالنسبة للمشاكل التي تهدد الطفولة وتنتهكها، فأنا لم افهم ما قالته لي صديقة بشكل كامل...وهي فتاة تبلغ من العمر 27 عاماً وتعيش قصة حب جميلة لكنها ترفض بإصرار رغبة صديقها بالزواج وإنشاء أسرة، وبررت لي ذلك بأنها لا تستطيع إنجاب طفل في هذه اللحظة أو حتى لاحقاً من هول ما تشاهده من مظاهر الإساءة للأطفال ليس محلياً فحسب ولكن في مختلف بقاع الدنيا، .وهي لا تستطيع احتمال حرمان طفلها من حقوقه الأساسية التي يجب أن تتوافرله ، فويلات الحروب والمجاعات وآثارها السلبية على الأطفال تشكل محفزاً كبيراً لقلقها على أطفالها في المستقبل كما أن هناك أربع أطفال يتم الإساءة لهم من كل ألف طفل في العالم" شرحت لي بانفعال.

ما زلت أعتقد أن صديقتي تبالغ قليلاً فأنا أم وأفهم أنني أنا وشريكي نتحكم بما يحصل عليه طفلي وبما يمكن أن يتعرض له من صعوبات قدر الإمكان، ولكن لم استطع أن أمنع نفسي من التفكير بما قالته لي عندما عرفت أن هناك 1000طفل تمت الإساءة لهم خلال العام 2004 حتى الآن في الأردن" رقم مرعب لمشكلة يتمنى كل من يسمع بها أو يقرأ رقماً في إحصائية ما تتعلق بها أن لا تكون ظاهرة في بلده او حتى مشكلة بسيطة يعاني منها .

فقد تبين هنا في الأردن الذي يبلغ عدد سكانه 5 ملايين وحسب دراسة استرجاعية لحالات الإساءة للإطفال التي تم معاينتها خلال عام 1998 بعيادة الطب الشرعي لدى وحدة حماية الأسرة، أنه تم معاينة 437 حالة خلال ذلك العام، علما بأنه في عام 1999 تم معاينة 522 حالة، و613 حالة عام 2000.

هذا النمو التصاعدي بنسبة الأطفال المساء إليهم في الأردن لا يعد مؤشراً سلبياً برأي الدكتور مؤمن الحديدي رئيس المركز الوطني للطب الشرعي الذي يرى " أن هذه الأرقام هي دليل على أن المجتمع الأردني مجتمع فاعل ويستجيب للمؤثرات والتطور وليس مجتمع خامل ومنغلق على نفسه، فالزيادة تعكس زيادة الوعي بتشخيص حالات الإساءة والتبليغ عنها، أكثر من إعطائها دليل عن زيادة حقيقية في هذه الظاهرة".

ويجب الانتباه حسب الدكتور الحديدي إلى أن الحالات التي تشاهد من قبل الأطباء، المعلمين، والعاملين الاجتماعيين، لا زالت ضمن الرقم المظلم، ولا تحول في أغلبها لوحدة حماية الأسرة، وهنا نحن بحاجة لزيادة وعي المهنيين، بأهمية التعرف والتبليغ عن حالات الإساءة المشتبهة والكيدية".

ويقول الدكتور الحديدي حسب خبرته" إن أنواع الإساءة تنحصر في الإساءة الجنسية، والجسدية، والإهمال ، والإساءة العاطفية و لا يوجد سبب واحد مباشر لحدوث الإساءة، وليس لها علاقة بالمستوى الاقتصادي الاجتماعي أو بالدين أو بالعرق، ولكن حدوثها يرتبط بعوامل خطورة متشابكة متعلقة بالوالدين والمحيط والطفل نفسه، كل بنسب مختلفة".

وإحساساً بمدى خطورة هذه المشكلة فقد شكلت مديرة الأمن العام في الأردن مكتب حماية الأسرة لمتابعة القضايا التي ترد إلى الإدارة اجتماعياً وذلك بتقديم النصح والإرشاد والقيام بزيارات منزلية لأسر الضحايا ودراسة وضعها والعمل على معرفة أسباب وقوع الاعتداء ومحاولة أزالتها ولضمان عدم تكرار وقوع مثل هذا الاعتداء مرة أخرى، ويتم من خلال هذا المكتب الاحتفاظ بالأطفال بإحدى دور الرعاية التابعة للوزارة والذين تقتضي طبيعة قضاياهم مثل هذا الأجراء، و يتابعها طبيب نفسي من وزارة الصحة.

ونأمل جميعاً كما يقول الدكتور الحديدي أن نصل إلى وضع ملائم يليق بالطفل محلياً وعربياً "فمن غير الممكن أن نتحدث عن مستقبل عربي إذا كان هناك طفل واحد يتعرض للعنف دون تدخل حقيقي منا، بحيث نكون كجهات رسمية ومؤسسات مجتمع مدني وقطاع خاص منظومة لحماية الطفل لتكون صديقة له، فالمهم بالنهاية ليس الأرقام وإنما مقدار العمل الحقيقي لحمايتهم".

وبرزت ايضاً صورة مرعبة أخرى للإساءة للأطفال في الأردن ترتبط بشكل مباشر بالمستوى الاقتصادي المتردي الذي كانت إحدى أهم نتائجة السلبية انتهاك حق الطفل بالنماء والتعلم، واستبدلت الملاعب والمدارس -مكان تفريغ الطاقات واكتساب المهارات والخبرات الحياتية المشرقة- بالمصانع والورش التي قتلت أي مظهر من مظاهر الطفولة لدية وأعتباره أداة وآلة رخيصة وسهلة التحكم بها إرضاءً لجشع بعض البشر، فهناك 48 ألف طفل عامل في الأردن استناداً إلى دراسة قامت بها وحدة عمل الأطفال في وزارة العمل وبالتعاون مع وزارة التربية والتعليم ، هذا ليس الخبر السيء حتى الآن، فالعدد مرشح إلى الزيادة حسب المعطيات المتوفرة المسببة لهذه الظاهرة، ولا ننسى أن الأرقام الرسمية على المستوى العربي بمجملة لا تتمتع بمصداقية عالية.

تقول مديرة وحدة عمل الأطفال السيدة نهاية دبدوب" أنه إذا استمرت الظروف التي تدفع نحو عمالة الأطفال فان العدد سيزداد إلى 53 ألف طفل حتى عام 2005، وأغلب الإناث يعملن في مشاغل الخياطة والأعمال المنزلية, و ظهرت مهنة جديدة لهن هي حفر الكوسا والقرع والباذنجان وتعقيب الخضروات، وبالنسبة للذكور فإن أبرز الأعمال التي يعملون فيها الميكانيك والورش في فك و تركيب إطارات السيارات والنجارة والمطاعم, وبيع الحلويات على الطرقات، كل ذلك مقابل ثمن زهيد يذهب بالنهاية إلى الذين يستغلونهم من البالغين.

وتحمّل دبدوب مسؤولية تسرب هولاء الأطفال من المدارس واستخدامهم في هذه الأعمال الشاقة لبعض المعلمين والمعلمات الذين ينتهجون اسلوب غير تربوي في التعامل مع الطلبة كالضرب والعقاب المهين أمام زملاءهم، رغم منعه على رسمياً من قبل وزارة التعليم.

كما يقع جزء متساو من المسؤلية على الجو الأسري السيئ وتقول دبدوب ” حسب الدراسة أن التسرب المدرسي يوازي حجم عمالة الأطفال و أكثر المدارس التي تسجل نسبة كبيرة في التسرب هي المدارس المتواجدة في الأماكن الفقيرة وغير متوفر فيها الشروط الدنيا لمتابعة تعليم الطالب ولا يوجد فيها مرشد تربوي مؤهل قادر على ضبط التجاوزات التي تحصل في المدارس من قبل الطلبة والهيئة التدريسية والأهالي على السواء".

ويبدو أن الجهود الحثيثة التي تبذلها حالياً كل من وزارة العمل بالتعاون مع وزارة التربية والتعليم ووزارة التنمية الاجتماعية لتطويق هذه الظاهرة الآخذة بالانتشار لم تحد نهائياً من هذه المشكلة التي تنتهك أبسط حقوق الطفل في الأردن الذي يعاني من الضغوطات الهائلة في سوق العمل و مصاعب وأعباء يواجهها من زملاءه الأكبر منه سنا إضافة إلى الضرب الذي يتعرض له من رب العمل، ولا ننسى خطورة الانحراف المتاحة بسهولة في هذه الأجواء التي تعامل الطفل كبالغ فيصبح عالم الجريمة من ضمن الخيارات السهلة التي يتجه إليها فيقع في شباك الإدمان والبغاء والسرقة وغيرها من السلوكيات الشاذة.

مظاهر البؤس التي يعاني منها الأطفال لا تنحصر في المناطق الفقيرة في الأردن، وإن كانت هي سبب تفريخ مثل هذه المشاكل، فعندما تتوقف سيارتك على إشارة ضوئية في إحدى المناطق الراقية في عمان تصدم بهذا العدد من الأطفال الذين يتجهون نحوك إما متسولين، أو حتى بائعين لأغراض بسيطة بلغة التسول، فقد ظهر مؤخراً اشخاص يديرون شبكات متخصصة للتسول تستخدم الأطفال كأداة تدر دخلاً كبيراً عليهم على الإشارات الضوئية والمساجد والأماكن التجارية المزدحمة خاصة في مواسم الصيف وعطل المدارس ، وهي ظاهرة تحاول وزارة التنمية الإجتماعية جاهدة الحد منها بل والقضاء عليها من خلال أقسام في الوزارة زودت بفريق عمل متخصص يتعاون مع الجهات الأمنية ، بحيث يؤخذ الطفل ويوضع في أماكن تابعة للوزارة لحين معرفة اسباب تسولة ومحاولة القضاء عليها.

ولأن المشهد ليس رومنسياً بالكامل فمن الصعب على الوزارة وحدها ان تحد من هذه الظاهرة لأن الطفل عند الإفراج عنه في حالات كثيرة يعود لنفس السلوك مرة أخرى، لما لهولاء الأشخاص الذين يشغلونه من سيطرة كبيرة عليه خاصة إذا علمنا أنه من الصعوبة بمكان أن يعترف الطفل على من يشغله لاسباب تتعلق بالخوف أو التعلق بهذا الشخص الذي يقدم له مغريات عديدة للاستمرار معه في هذا المجال، أو ضغوط الأهل أنفسهم الذين يستغلون أطفالهم في التسول للحصول على دخل قد يكون هو الوحيد للأسرة.

ويلاحظ أن أغلب المشاكل التي يعاني منها الطفل في الأردن هي بسبب تراجع الوضع الإقتصادي بسبب وقوع الأردن بين منطقتين ساخنتين" العراق وفلسطين" وتوسطه في منطقة شهدت حروباً كثيرة منذ عام 1948 واستقباله عدداً كبيراً من اللاجئين الأمر الذي أوجد مشاكل اجتماعية كبيرة من أهمها تراجع رعاية الطفولة والإهتمام بها وظهور سلوكيات سلبية تمارس ضد الطفل وتصادر حقوقه الأساسية في التعليم والعيش الكريم.

إلا أن ظلامية مشهد وضع الأطفال في الأردن لا يعني أنه لا يوجد هناك وعي حكومي وشعبي للخروج من هذا النفق المظلم فبالإضافة إلى الجهات الرسمية التي توفر للطفل الرعاية الصحية المجانية خلال فترة الطفولة، والتعليم المجاني أيضاً في مراحل التعليم الأولى، والمؤسسات الأمنية التي ذكرناها والتي تتابع حالات الإساءة للطفل وانتهاك حقوقة بالتعاون مع شركاءها، فقد برزت مؤسسات أهلية عديدة وضعت من ضمن أولوياتها الإهتمام بالطفولة، أهمها مؤسسة نهر الأردن التي تترأسها الملكة رانيا العبدالله المعظمة.

وهذه المؤسسة رائدة في مجال حماية الطفل من الإساءة من خلال برنامج حماية الطفل والذي يقدم الحماية والوقاية والتدريب كنشاطات أساسية لمعالجة هذه المشكلة وهو الأول من نوعه في الأردن والعالم العربي، ولهذا واجه الكثير من الصعوبات قبيل إنشائه لحساسية وخصوصية الموضوع المطروح، ويأتي هذا البرنامج تحت مظلة برنامج "أطفال نهر الأردن" الذي يدعو إلى احترام ومساندة الأسر في مهمتهم برعاية الأطفال والذي سبق أن اطلقته المؤسسة عام 1997.

كما قامت المؤسسة بإنجاز "الحملة الوطنية للتوعية أجيالنا" للتثقيف بأساليب التربية الصحيحة للأطفال وبناء علاقات عائلية صحية أساسها الحوار والتفهّم لموضوع الإساءة للطفل من ناحية والحماية له من ناحية أخرى على المستوى المحلي وعلى المستوى الإقليمي في المستقبل.

وبهدف الوصول إلى أكبر عدد من المجتمعات المحلية الأردنية و تغطية القرى النائية في جميع أنحاء المملكة والتي لا يمكن لوسائل الإعلام التقليدية أن تصل إليها، استخدمت المؤسسة حملة "باص التوعية" لتنسيق وإعداد برامج واستعرضات ومحاضرات للمجتمعات المحلية هناك للتوعية بحقوق الأطفال وطرق التنشئة الصحيحة.

و من ناحية أخرى وإيماناً بأهمية العناية بالطفل من مراحلة العمرية الأولى فقد تم تشكيل الفريق الوطني لتنمية الطفولة المبكرة في مطلع عام 2000 من أجل الوصول إلى الأطفال الأردنيين من كافة فئات المجتمع بمن فيهم ذوي الاحتياجات والتحديات الخاصة.

يهدف هذا الفريق إلى وضع استراتيجية وطنية لتنمية الطفولة المبكرة تنبثق من الخصائص والحاجات التي تميز الفئات العمرية في هذه المرحلة ، ويضم ممثلين عن الجهات والمؤسسات المختلفة المعنية بشؤون الطفولة المبكرة من القطاعين العام والخاص في الأردن.

واقترح الفريق إقامة مشاريع ريادية قادرة على اختبار جدوى إدخال البرامج الثقافية المتنوعة وتدريب القوى العاملة على تنمية الطفولة المبكرة، من خلال أسلوب يعتمد على الأسرة والمجتمع، مع التأكيد على إيلاء اهتمام فوري للبنية التحتية لمرافق مرحلة التعليم لما قبل المدرسة، وبخاصة في المناطق الفقيرة.

كما تنبهت السلطة التشريعية إلى أهمية القانون في حماية الطفل ورعايته فكان لمجلس النواب دور بارز في الحد من إحدى اهم الانتهاكات التي تمارس بحق الأطفال وتحديداً الإناث وهي الزواج المبكر حيث كانت الفتاة تتزوج في سن الرابعة عشرة أو الخامسة عشرة الأمر الذي يسبب العديد من المشاكل الإجتماعية فتم التصويت على تعديل قانون الأحوال الشخصية في الدورة الاستثنائية للدورة العادية الأولى للعام 2004 ورفع سن الزواج للجنسين إلى الثامنة عشرة.

وصادق الأردن على العديد من الاتفاقيات والمعاهدات الدولية مثل الاعتراف بحقوق الطفل 1990 التي تحمي حقوقه الأساسية في التعليم والصحة وبيئة صحية وحرية الاعتناق والتزام الحكومات برعاية الأطفال و اتفاقية حقوق الطفل الدولية عام 1991 والتي نصت على الحماية القانونية ومراعاة حقوقه الأساسية وعدم استغلاله بكافة الأشكال.

صحيح أن الأرقام والصور تبعث على التشاؤم بواقع الطفل في الأردن، لكن واستناداً إلى مفاهيم أجتماعية راسخة تهتم بالطفل وترعاه فإن الأردنيين يعملون وعلى أعلى المستويات بجهود حثيثة صادقة لأن يصل أطفالهم إلى ما يسعى إليه اصحاب القرار والعاملين في تحسين قطاع الطفولة وكافة أفراد المجتمع، وهم يتوجهون بكل جوارحهم ليتم تجاوز كافة التحديات التي تواجه الطفل الأردني ورفع مستواه الصحي والعلمي وأن يعيش في بيئة صحية سليمة نفسياً وجسدياً وأن تتاح لهم الفرص الملائمة للعب والتعلم والنماء، والقدرة على توجيههم نحو الانسجام والتعاون، ومساعدتهم على النضج من خلال توسيع مداركهم وإكسابهم خبرات جديدة، مما يفتح لهم أفقاً واسعة للإبداع والتعبير عن أنفسهم بشكل صحيح لننشيء من خلالهم جيل شاب رائد مفعم بالأمل وقادر على العمل والسير بمجتمعه إلى الأمام.

نعم ..قد لا نستطيع تحقيق المعجزات لنجعل العالم جنة ملأى بالملائكة لإطفالنا ولكن يجب أن نبذل أقصى جهودنا لنضعهم في أقرب نقطة للوصول إلى بوابتها الذهبية.