يوم في حياة عاطل عن العمل

يوم في حياة عاطل عن العمل

موسى وشيرين عاطلان عن العمل طرقا الأبواب كافة سعيا وراء الرزق ولكن أغلقت هذه الأبواب إغلاقا محكما في وجه أحلامهم.

عندما كانا على مقاعد الدراسة راودتهما الأفكار والأحلام عن ما سيفعلانه بعد تخرجهما، وتبخرت هذه الأحلام أمام أول باب عمل أغلق في وجههما.

وتتفاقم معاناتهما مع موقف المجتمع منهما عندما يحملهما مسؤولية تعطلهما عن العمل، بعبارات تتردد دائما على مسامعهما وتجرح مشاعرهما، من مثل "قاعد لا شغلة ولا عملة.. إنت عالة على المجتمع"، وغيرها من العبارات التي لا ترحم.

رافقنا موسى وشيرين في واحد من أيامهما التي أصبحت بالنسبة لهما متشابهة، طويلة لا أحداث فيها.
 
شيرين في العشرينيات من عمرها تخرجت من الجامعة عام 2006 تخصصت في مجال جرافيك ديزاين... بحثت طوال ثمانية شهور عن عمل إلى أن حظيت بعمل لم يدم سوى أشهر معدودة.. طرقت أبواب أخرى لكن لم يحالفها الحظ وعادت تجر خيبتها لتقضي معظم وقتها داخل جدار المنزل.

روتين يومي...
وتسرد شيرين كيف تقضي يومها بلا عمل: "لا افعل الكثير سوى أنني استيقظ بحدود الساعة الثانية ظهرا فحتى لو استيقظت مبكرا لن أجد ما افعله. عند استيقاظي أبدا بمساعدة والدتي في الأعمال المنزلية ومن ثم اقلب صفحات الجريدة بحثا عن إعلان شاغر عمل في نفس تخصصي".
 
وتضيف: "إذ وجدت وظيفة تناسب طبيعة تخصصي أقدم لها على الفور، وبعدها أعود الى حياتي التي أصبحت مقتصرة على التلفاز فأصبحت أتابع كل ما يعرض على الشاشة".
 
ورغم تعطلها عن العمل لشهور لا تتجاوز عدد أصابع اليد إلا ان المحيطين بها يجرحون مشاعرها بنظرة انتقاص منها. "كلاماتهم تمغصني كثيرا مثل "شو يا شيرين درستي أربع سنوات ولم تجدي عمل طيب روحي اشتغلي أي مهنة"، "روحي دوري على عريس أحسنلك" والكثير الكثير من الكلام الجارح. المشكلة ان من حولي لا يتفهم ماذا يعني ان يعمل الواحد في غير تخصصه فيأخذون الأمور بكل سهولة ومسخرة وهذا يشكل نوعا من الإحباط بالنسبة لي، ويعتقدون أن على الفتاه أن تجلس في البيت أفضل لها وخصوصا أن البعض يعارض عملنا".
 
فقدان شيرين لعملها يؤثر بشكل كبير على نفسيتها. "أصعب شيء أنني جربت العمل لفترة وعرفت حلاوته وماذا تعني المسؤولية والحصول على راتب آخر الشهر ولكن حاليا نفسيتي سيئة لكوني لا أعمل وكل من حولي يعمل".
 
التحقت شيرين في دورات تدريبية وفقا لمتطلبات سوق الغرافيك، فهي تعمل كل ما في وسعها أملا بالحصول على الوظيفة وتضيف:" القي باللوم الكبير على الشركات التي تطلب شرط أساسي من شروط التوظيف ان يكون لدى المتقدم خبرة سنتين فكيف سأحصل على الخبرة إذا لم تفتح لي هذه الشركة مجال حتى أتدرب وأنال الخبرة المطلوبة، فضلا عن ذلك أننا نعيش في مجتمع يعتمد في الأغلب على الواسطة الأمر الذي يؤثر على من هو كفء".
 
وعن موقف عائلتها منها، تضحك شيرين وتقول: "عائلتي مبسوطة لعدم حصولي على عمل بحجة ان هذا أفضل لي". وتكمل ضاحكة "يريدون تزويجي".
 
موسى هو الآخر في العشرينيات من عمره حاله مشابه لحال شيرين: نفس "المعاناة".
 
"عالة على المجتمع"
وصف لنا موسى إحساسه كعاطل عن العمل في كلمة واحدة: "طلعت روحي". ويتابع: "يبدأ يومي  بالذهاب الى النادي ولعب البيلياردو والورق. واقضي وقتي في اغلب الأحيان متسمرا أمام شاشة التلفاز، يعني من البيت الى النادي وهكذا لا اكثر، اكسر الروتين بعض الشيء عندما اذهب لأقدم لطلب وظيفة، وكل الأيام أصبحت متشابه بالنسبة لي حتى التواريخ لم اعد أميزها عن بعضها البعض".
 
ويتابع موسى متألما على واقعه: "نظرة المجتمع وخصوصا الأهل نظرة مخزية كوني أنا عالة على الكل والأكثر من ذلك ان أخواني الذين يصغرونني في العمر يعملون، وهنا المأساة في حد ذاتها. فاهرب بشكل يومي من المنزل لحجم الضغط الذي أتعرض له من عائلتي، وهو اكثر من حجم الضغط من الآخرين".
 
موسى يئس من البحث عن الوظيفة بين صفحات الجريدة، حاول مرارا لكنه وجد ان كافة الإعلانات غير صادقة في مضامينها، فيعتمد على العلاقات والمعارف في التقدم لأي وظيفة تتناسب مع مؤهلاته العلمية.
 
حال موسى وشيرين يتشابه مع مئات من أمثالهما الساعين وراء وظيفة توفر لهم الاستقلال المادي والمعنوي. رغم توفر بعض الفرص إلا ان ذلك لا يتناسب مع الكم الهائل من الشباب الخريجين الطامحين نحو مستقبل أفضل.
 
إحصائية...
تشير دائرة الإحصاءات العامة ان معدل البطالة قد انخفض في الربع الرابع من العام الحالي الى 13% مقارنة مع 15.4% للربع الذي سبقه من هذا العام وبذلك بلغ معدل البطالة لعام 2006 حوالي 13.9% منخفضا من 14.8% في عام 2005.
 
قد تبدو هذه النسب صغيرة ولا تعكس مدى حجم المشكلة. وقد تتضح الصورة أكثر إن عرفنا أن قرابة 171 ألف شاب وفتاة يعانون من البطالة كما يعاني موسى وشيرين.

أضف تعليقك