يتيمات دور الرعاية بعد سن 18 لا مكانة لهن في المجتمع
منازل اليتيمات لتجاوز قصور الأنظمة والمجتمع
مركز إصلاح جويدة: لا مانع من إقامة اليتيمة
وزارة التنمية: دار رعاية الجانحات لا اليتيمات
رفعت مديرية الأسرة في وزارة التنمية الاجتماعية مؤخرا وثيقة مشروع تطالب الوزيرة هالة لطوف إجراء تعميم تجربة منازل للفتيات اليتيمات لتمكينهن من العيش لوحدهن دون مؤسسات رعاية بعد بلوغهن سن 18.
منازل لليافعات
وكانت بداية التجربة افتتاح منزلين اثنين، أواخر العام الماضي، يقطن فيهما 10 فتيات، تتلقى كل واحدة منهن تعليمها الثانوي أو الجامعي وبعضهن يعملن. في وقت تحدد أنظمة دور الرعاية والقرى سن 18 لتخريج الفتيات من عندها. ذلك "لقدرتهم على الاعتماد على ذاتهن والعيش في المجتمع"، وفق نص نظام قرية الأطفال SOS التي تستقبل الأيتام لديها.
وتتراوح أعمار الفتيات الموجودات حاليا في المنزلين بين 18 إلى 27 عاما، "خلال تلك الفترة من العمر يتم تدريبهن على مهارات الحياة الأساسية والاستقلالية وتجنب الاستغلال وتأمينهن بالرسوم الجامعية والتربوية إذا توفرت لهن فرصة زواج مناسبة يتم تأهيل فرصة عمل لهن لكي تعملن لتؤمن الواحدة نفسها"، يقول مدير مديرية الأسرة في وزارة التنمية الاجتماعية محمد شبانة.
يرى شبانة أن فكرة البرنامج المطبقة في المنزلين "ناجحة" ويتمنى أن يجدوا أماكن أخرى، حيث سيتم تخصيص منزل لكل أربع فتيات على حساب مشروع إسكان الفقراء. "نريد أن تشُعر تلك الفتيات بشيء يملكنه وقد يخصص لهن بيت على حساب مشاريع الفقراء ويكون لهن وسائل آمنة للعيش وأعضاء لا يقلوا عن باقي أفراد المجتمع".
عن المنزلين الحاليين التابعين لوزارة التنمية الاجتماعية، يتحفظ شبانة عن تحديد موقعهما، ويقول أنهما منزلين سكنيين لا يأخذان الطابع المؤسسي، حيث يتلقين الدعم الاقتصادي من قبل الوزارة إضافة إلى زيارات أسبوعية تقوم بها مشرفات اجتماعيات ونفسيات. ويؤكد شبانة أن إدارة المنزل ذاتية من قبل الفتيات، كما ويترك لهن حرية الحياة ضمن القيم المجتمعية بإشراف مباشر من الوزارة.
فتيات ضحايا الأنظمة والمجتمع
المجتمع الأردني لا يزال مجتمعا محافظا لا يقبل أن تعيش الفتاة وحدها وتعمل وتمارس حياتها طبيعيا دون أحد يساندها كما يحصل في الغرب، تقول المحامية العشي، وتضيف أن ثمة عقبات تواجه الفتيات، كما أن أنظمة القرى ودور رعاية الفتيات تطبق تعليمات غربية لا تتناسب والمجتمعات العربية فيما يتعلق بإخراجهن من الدور بعد سن 18.
تشير العشي إلى عدة فتيات كانت شخصيا شاهد عيان على معاناتهن من الضغوطات الاجتماعية المتمثلة بالنظرة السلبية والتضييق المستمرة وعدم إيجاد المكان الملائم لهن، بل أنها في واحدة من الحالات اضطرت إلى إيواءها في منزلها مدة شهرين إلى أن وجدت مكانا آخر تعيشه به.
الأمان في مركز الإصلاح
في مركز إصلاح وتأهيل جويدة، حيث قسم النساء، كانت الفتاة عُريب 19 خير مثال تستشهد به الناشطة العشي، لتدلل على ما أصبحت عليه تلك الفتاة من "ضحية أنظمة ومجتمع" لا يرحمان الفتاة اليتيمة على حد سواء.
عريب تخرجت من قرى الأطفال SOS قبل عام واحد، أي بعد بلوغها سن 18، وهو السن الذي فيه يتم تخريج الفتاة بعد بلوغها سن 18 في أنظمة القرية الواقعة في منطقة طبربور.
توجهنا إلى قسم النساء في جويدة، وزرنا عريب التي كانت حينها تقلب صفحات كتاب داخل المكتبة المخصصة للنزيلات دون أي اكتراث من حولها. حاولنا الحديث معها لكنها كانت مقلة في الكلام ولا يستهويها الحديث عن تجربتها.
"أستطيع الآن الخروج من القسم لو شئت"، قالت عريب بداية وكأنها أرادت أن تثير تساؤلات، ثم أردفت دون أي مقدمات "أنا يتيمة وقد تخرجت من قرية الأطفال SOS منذ سنة ولم أجد مكانا يأويني غير جويدة وأنا مرتاحة هنا".
بقيت عريب مقيمة في مركز الإصلاح بعد تنسيب من الحاكم الإداري الذي تعرف على حالتها وارتأى إبقاءها في المركز، ونزولا عند رغبتها أيضا. "بعد بلغوي سن 18 أصبح وجودي في قرية الأطفال غير مستحب رغم أني حاولت البقاء أصررت البقاء ما اضطرني إلى تحطيم زجاج المنزل الذي كنت فيه لأبقى عندهم لكن دون جدوى أبلغوا عني الشرطة لكي يبعدوني، وأنا حاليا هنا في جويدة أفضل لي من هناك".
"عريب كانت سيئة الحظ في أن تصل لقناعة أن المركز الإصلاحي مكانا آمنا للعيش داخل أسواره"، تقول الناشطة إنعام العشي.
أما شبانة يرى أن قسم النساء في جويدة مؤهل لاستقبال الفتيات بصورة تتوافق والمعايير التي تطبقها وزارة التنمية الاجتماعية لكن البقاء في المركز الإصلاحي ليس حلاً للفتيات وفي حالة الفتاة عريب تحديداً.
جمعية قرى الأطفال الأردنية هي جمعية محلية خاصة تأسست في العام 1983 ترعى الأطفال الأردنيين الأيتام والمحرومين منذ لحظة دخولهم القرى وانطلاقهم إلى بيوت الشباب والشابات في سن الثامن عشر.
وترى إدارة الجمعية أن "بيوت الشباب والشابات" التي تقيمها لليافعين لديها هي الخطوة الأولى لهم في العالم الخارجي وهذا ما حصل مع عريب.
"من خلال بيت الشباب يتحمل الفتية مسؤوليات جديدة، ويطبقون القيم المكتسبة التي تسلحوا بها طيلة فترة إقامتهم في القرى. فهم يطورون أنفسهم من خلال العلم والمهارات التي تعلموها ليصبحوا مسئولين قادرين على اتخاذ القرارات الصائبة، ويحافظوا على صحتهم وسلامة مجتمعهم"، وفق نشرة جمعية قرى الأطفال.
ما بعد بيوت الشباب
ويبلغ عدد الشباب والشابات الذين تخرجوا منذ عام 1996 وحتى عام 2008، 93. منهم من انتقل إلى حياة الاستقلالية، ومنهم من عمل في مهن مختلفة منها: النجارة، الفندقية والمبيعات، السكرتارية، الصيدلة والتمريض، إضافة إلى 16 شابة تزوجن وأسسن عائلتهن المستقلة.
"لا ينتهي دور الجمعية عند هذه المرحلة"، بحسب أحد الإداريين في القرية الذي فضل عدم ذكر أسمه، "بل تستمر المتابعة هؤلاء الشباب وزيارتهم في بيوتهم المستقلة أو في مواقع عملهم، للاطمئنان على أوضاعهم الاجتماعية والصحية والنفسية. آخذين بعين الاعتبار أن الجمعية تقوم بدور العائلة البديلة لهؤلاء الشباب والشابات".
وفي سؤالنا عن حالة عريب تحديداً؟ يعتبر الإداري أن حالتها فردية لا يمكن تعميمها على باقي من تخرجن من القرية "هي حالياً تفضل البقاء في مركز الإصلاح ولا يمكن إلزامها على الخروج طالما أرادت البقاء".
دار للفتيات المتنازع عليهن
من جانبها، أعلنت وزارة التنمية الاجتماعية بتاريخ 13 آب هذا العام عن تدشينها داراً مخصصة لتربية وتأهيل الفتيات في الأردن، في خطوة اعتبرتها الوزارة حلا لإيواء الفتيات اللواتي بلغن سن الثامن عشر ولا يجد مكانا لهن.
هذه الدار للفتيات البالغات سن الثامنة عشرة ولا يجدن مكانا مناسبا لهن نظرا لظروفهن الاجتماعية وللواتي وقعن في نزاع مع القانون و يحتجن للتأهيل والرعاية بعيدا عن فتيات أخريات محكومات بقضايا جنائية.
استحداث الوزارة هذه الدار جاء تحديدا للجانحات من فئة عمرية من 12 -18 سنة، لرعايتهن وتقديم كافة الخدمات ودمجهن بأسرهن بعد ذلك بشكل طبيعي. تستقبل الدار حاليا 11 فتاة فقط والعدد مرشح للزيادة وفق القائمين على الدار.
فريال مرايات مديرة الدار، ترى أن تأسيس الدار هو خطوة نحو التطبيق الأمثل لمبادئ حقوق الإنسان ولفصل الفتيات تبعا لنوعية القضايا ومدى جديتها وخطورتها على المجتمع. لكن هذه الدار تبقى للفتيات المتنازع عليهن قضائياً وليست متاحة لليتيمات مثل عريب.
بالعودة إلى وزارة التنمية الاجتماعية، حيث ينتقد ضمنيا محمد شبانة أنظمة دور الإيواء والقرى التي تفرض على الفتاة استقلالا بعد سن 18 وهي غير مؤهلة وهذا يعرض الفتاة لمصاعب عدة. ويقول أن ثمة يتيمات تواجهن مشاكل جمة اجتماعيا ونفسيا لاسيما تلك التي قد تتعرض للاستغلال بكافة أشكاله.
لكن هذا الاستغلال الذي يشير إليه شبانة، تراه المحامية العشي، بأنه يعرض بعض الفتيات لانحرافات سلوكية ما يضعف دوافعهن الذاتية بالتالي يصبح المركز الإصلاحي مستقبلهن الوحيد. تتحدث العشي عن تجربة بعض فتيات هن حاليا في مراكز الإصلاح جراء انسياقهن لبعض الأشخاص غرروا بهن وقاموا باستغلالهن في أعمال مخلة بالآداب.
تجربة يتيمة لفتاة يتيمة
مؤسسة نهر الأردن، وفي مشروع "أمان لرعاية الأيتام" قامت قبل عدة شهور بتوظيف فتاة يتيمة في مسعى نحو دمجها بالمجتمع. تقول إحدى العاملات مع الفتاة أنها وزميلاتها في العمل يشركنها في الأنشطة الاجتماعية ويقدمن لها المساعدة في العمل. لكن تبقى تلك الحالة فردية غير معممة في مجتمع لا يتقبل بعض أفراده عمل المرأة أو إقامتها لوحدها فكيف هو الحال بالنسبة لليتيمة.
عريب لا يراودها أي دافع للخروج من المركز الإصلاحي في الوقت الحالي. تقول إن هذا المكان يتيح لها المجال لتقرأ وتأكل وتنام براحة دون أي خوف. "إذ خرجت من جويدة فلن أجد مكانا أنام فيه وربما أتعرض لحوادث تضر بي خاصة وأني بنت ولا أستطيع العمل ولم أتجاوز بعد التوجيهي وأريد أن أكمل الدراسة حالياً وفي جويدة استطيع أن أدرس".
الأمن: لا مانع من إقامة اليتيمات
رئيسة القسم النسائي في مركز إصلاح وتأهيل جويدة، العقيد فاطمة بدارين، تؤكد أن ثمة نساء مقيمات في جويدة "هن بالأصل يتيمات" ولم تفصح عن أرقامهن، لكنها تشير إلى أن عريب وحدها الآن.
الحاكم الإداري طلب من إدارة المركز النسائي قبل عدة أسابيع بإمكانية خروج عريب من المركز لو شاءت لكنها لم تشأ عريب حتى الآن، وفق العقيد بدارين التي تقول إن عريب تحظى باهتمام خاص من قبلهم.
وتلفت إلى أن مركز الإصلاح وضمن مهمته الإصلاحية المجتمعية يأوي عريب وغيرها من الفتيات اليتيمات أن رغبن بذلك ولا يحملن قيودا أو مشكلات أو يتم التنسيب من قبل الحاكم الإداري لأجل إقامتهن في المركز.
العقيد فاطمة تذكر أن النزيلة الواحدة تكلف إدارة الأمن العام مبلغا يتراوح من 25-30 دينارا شهرياً، وأن عريب واحدة منهن، وترى أن "هذا كله في سبيل الدور الاجتماعي الذي نقوم به في الأمن العام".
عن عدد النزيلات الموقوفات إدارياً في قسم النساء بجويدة: 46 أردنية و63 أجنبية والموقوفات قضائيا 60 أردنية و34 أجنبية، والمحكومات 62 أردنية و16 أجنبية، بمجموع: 281 نزيلة. كما تتنوع جنسية الأجنبيات بين: فلبينيات، اندونيسيات، سيرلانكيات، برازيليتين وأرجنتينية وبروفية واحدة.
أمين عام اللجنة الوطنية لشؤون المرأة أسمى خضر، طالبت سابقا بضرورة تعديل التشريعات الأردنية التي تتعامل مع الأيتام، وتقول: "نحتاج الى تطوير التشريعات وإيجاد الحلول التي تعطي اليتيم واليتيمة المصلحة الفضلى باعتباره غير مسؤول عن ظروفه".
إذا كان هناك قصور في الأنظمة والقوانين المتعلقة بما تقوم به دور الرعاية والجمعيات، فها هو المجلس الوطني لشؤون الأسرة لا يحمل أي خطط أو أفكار تتعلق بواقع الفتيات اليتيمات، على اعتبار أن ثمة جهات متخصصة بواقعهن، بحسب إحدى القانونيات العاملة في المجلس. وتقول: إن واقع تلك الفتيات مثار اهتمام ويستحق الدراسة في المجلس لكن هناك جهات ذات علاقة مباشرة غير المجلس.
وترى الناشطة العشي أن المطلوب هو تشارك وزارة التنمية الاجتماعية ومؤسسات المجتمع المدني والقطاع الخاص في دعم الفتيات اليتيمات وأن يكون لهن أولوية في العمل والدعم وكل مناحي الحياة لا أن يبقى الحل إقامة داخل أسوار السجون.
ملاحظة: ملكية جميع صور التحقيق أخذت من موقع قرية الأطفال SOS
روابط ذات صلة:
موقع قرى الأطفال :SOS http://www.sosjor.org
موقع وزارة التنمية الاجتماعية: http://www.mosd.gov.jo/
موقع إدارة مراكز الإصلاح والتأهيل: http://www.crc.psd.gov.jo/
موقع مؤسسة نهر الأردن: http://www.jordanriver.jo/index_ar.aspx
إستمع الآن











































