وصفي.. 49 عاماً ولم ينسَ الأردنيون رمزهم

الحوراني الأصيل، والعاشق الوطني الجميل.. وصفي التل، الذي شكل بحياته وحتى في مماته حالة وطنية استثنائية نادرة، وصفي الذي عشق تراب هذا الوطن وضحّى من أجله، الرجل الذي مثل الأردن سياسيا وحتى عسكريا في وقت يعد من أصعب الأوقات في تاريخ الدولة الأردنية، الرجل الذي أفنى حياته في سبيل هذه الأرض الطاهرة، لأنه كان يؤمن أن الأردن يستحق وأن الأردنيين من أحسن العرب وأن هذا الوطن هو حب وعشق وانتماء وليس كيان وظيفي أو دولة طارئة بل هو أكبر من هذا كله.

 

وصفي.. حالة مختلفة



يقول الكاتب والأستاذ في جامعة الزرقاء الدكتور عبد الكريم الزيود إن وصفي التل يشكل كل عام مناسبة لاستذكاره، ليس لأنه رئيس وزراء أردني شكل حكومتين، ولكن لأن وصفي في وجدان الأردنيين يشكل حالة مختلفة، وأصبح رمزا أردنيا خالدا بفعل شخصيته التي أجمع عليها كل الأردنيين حيث كان رئيسا مختلفا من حيث وطنيته الصادقة وتأسيسه لمشروع الدولة الأردنية الذي دفع دمه ثمنا له.

ويرى الزيود أن وصفي امتلك عناصر النهوض بالدولة سياسيا واقتصاديا وتنمويا وكان من المنادين بالاكتفاء الذاتي والرجوع للأرض ومكافحة الفساد، لذا يتوق الأردنيون اليوم لشخصية تشبهه من حيث وطنيته ونظافة يده وجرأته، مضيفا "وصفي يشبه الأردنيين بساطة وقولا وفعلا في ظل تراجع الشخصية الرسمية وانحيازها لطبقة التجار والانتهازيين والضعف في اتخاذ القرار". 



وأوضح أن تعلق الأردنيين بوصفي ينبع من ناحيتين أنه في الأولى كان صاحب مشروع مقاومة للوجود الصهيوني في المنطقة لذا شكل تهديدا لدولة الاحتلال وظهر ذلك جليا من كتاباته ومن تأسيسه لمعسكرات الحسين للشباب التي أرادها مكانا لتوجيه الجيل الجديد فكريا وبدنيا للمعركة القادمة. 

ومن الناحية الأخرى يؤكد الزيود أن وصفي قتل ظلما وتم تحميله مرحلة من أصعب المراحل التي مرت على الأردن ، مضيفا "نحن اليوم بحاجة لإعادة قراءة فكره فهو لم يكن إقليميا وإنما قوميا عربيا مدافعا شرسا عن قضية فلسطين وكان معتزا بأردنيته التي يراها أفضل هوية وتحمل رسالة". 

 

وصفي.. مشروع لم يكتمل



يرى الناشط والمهندس معتز العطين أن الشعوب في ظل التحديات والأزمات والقلق والخوف على أوطانها تستذكر المخلصين الذين عاشوا ليراكموا ثروة وطنية لا ثروات شخصية وأن الشعوب التي لا تستذكر رموزها وتعظم أفعالهم لا شك أنها شعوب خاوية لا تستحق الاحترام.

وأضاف أننا كأردنيين اليوم نستذكر وصفي بصفته رمزا ومشروعا وطنيا لم يكتمل راكم ثروة وطنية في العمل الوطني وعرابا للمشروع الوطني الأردني الذي ينتج وطنيا بسواعد أبنائه إنه وصفي مدرسة سياسية لها منهجها وأيديولوجيتها ووسائلها المنسجمة مع المنطق تشبهنا وتشبه واقعنا وأرضنا وحياتنا كان فلاحا، عسكريا، سياسيا، فقيرا، عروبيا بامتياز. 



ويتابع أن استذكار الأردنيين رمزا من رموزهم ليس لشخصه فقط وإنما لمشروعه الوطني الذي يحمله، المشروع المنطلق من تجذير هويتنا الوطنية وتثبيت دعائم اقتصادية وسياسية 

واجتماعية مرجعيتها هذا الوطن وهذا الشعب فقط وعدم رهن هذا الوطن إلى قوة غير وطنية، وأن هذا الاستذكار ما هو إلا نتاج حالة تراكمية من اليأس والشعور بالاغتراب الذي يسود المجتمع في ظل ضعف دور الدولة و حياتهم العامة.

 

سنديانة مشروع الدولة الأردنية



وأضاف العطين أن وصفي يُعتبر سنديانة مشروع الدولة الوطنية، والقطاع العام، ونهضة الريف، والتعليم الجامعي المجّاني، والخدمات الطبية، ودعم السلع والخدمات الموجهة للفقراء، وهو نفسه العدو اللدود للرأسمالية، محبّ الشعب الذي كان له أصدقاء كثر من الفلاّحين والرعاة هو أيضا رمز العداء إلسرائيل في وعي الأردنيين.



ويرى أن وصفي أدرك أهمية الهوية الوطنية الأردنية وأنها لا تقل أهمية عن الهوية الوطنية الفلسطينية لأن ضياع الهويتين لا يخدم إلا إسرائيل والخونة فقط ولأن الهوية الوطنية 

الأردنية والمحافظة عليها يتناقض تناقضا كبيرا مع المشروع الصهيوني في المنطقة وأدواته.



ولفت العطين إلى أن محاولات صهر وتمييع الهوية الوطنية الناتج من هجوم ممنهج قادته مرحلة ما بعد الحداثة، وما أفرزته هذه المرحلة من تفكيك وتشظي وضياع وتفتيت ورهن مؤسسات الدولة أدت إلى زعزعة الثقة بين الشعب والدولة حتى يغدو المواطن غير مؤمن بالدولة ومؤسساتها وهو ما يزيد من حدة الاستذكار وحجمه.



ويتابع »بالإضافة لاشتداد الأزمة الاقتصادية والاجتماعية وسياسات الاقتصاد المفتوح وتفشي الهويات الفرعية التي كانت ما قبل الدولة كالطائفية والمناطقية والإقليمية وانسحاب الدولة من صون مؤسساتها الوطنية التي راكمها الشهداء بدمائهم الزكية فبنوا الوطن والدولة.

 

لماذا يستذكره الأردنيون؟ 



ويكمل العطين حديثه بقوله إن ما يحدث اليوم من استذكار وصفي هو تعبير عن حالة الجفاف الوطني، مما قد يجبر الكثيرين للبحث عن هويته في زوايا المكتبات ومقالات الكتاب وقصاصات التاريخ والذاكرة، ويتابع »نعم إنه استشعار طبيعي وبشري لمشروع يلبي حاجات الناس ويروي الضمير والروح، يبلور الهوية الوطنية باعتبارها أساس المواطنة والانتماء وفهم لوجود الشعب على الأرض في ظل حالات التبعثر والتلاشي والضياع والتيه«.

ويرى أن الاستشعار والبحث هو إفرازات أو تعبيرات تسعى لإيجاد قواعد حقيقة لمشروع قادر أن يجمع الأردن والأردنيين بتقديم رؤية حقيقة لإدارة الدولة بعيدا عن أشكال ونماذج الارتهان السياسي والاقتصادي.

واعتبر العطين أن كل هذا الاستذكار لم يأتِ من فراغ بقدر ما هو ترجمه حقيقية وواقعية لحالة وطنية من الوعي المتراكم وخاصة أن الأردنيين يؤمنون أن هذا الوطن ليس كيانا وظيفيا.

 

أضف تعليقك