هل “السجن” بيئة إصلاحية للنزلاء؟
مضى على سجن حسام “50″ عاما، 20 عاما في مركز إصلاح وتأهيل الرميمين، والإفراج اقترب الذي يصادف العام 2012 .
“قتلت شريكي في العام 1992 جراء خلافات مالية، وحتى اللحظة لا أشعر بأي ندم على قتله”، ويقول حسام الذي اعتبر أن فترة بقائه في مراكز الإصلاح والتأهيل “ما هي إلا عقابا لعائلتي، وأكثر من عقاب لي”.
تنقل حسام في عدة مراكز الإصلاح والتأهيل منذ صدور الحكم بحقه، ويزيد “تنقلت في عدة سجون منها قفقفا وسواقة وبيرين وحاليا في ارميمين، وتتشابه السجون في ظروفها لكني بقيت على ما أنا عليه”.
وحسام الذي تحدث لنا خلال جولتنا ضمن فريق “كرامة” المنفذ من قبل المركز الوطني لحقوق الإنسان وعدة مؤسسات مجتمع مدني، يعتبر أن إدارة السجن “لا توفر له الفرصة لتتم تهيئته للخروج بعد عامين”.
“فقدت وظيفتي حيث كنت تاجرا وأصاب أسرتي الضرر حيث لم يكمل أبنائي دراستهم وانخرطوا مبكرا لسوق العمل لأجل لقمة العيش، وكما أني حاليا لست مؤهلا للعمل في أي مهنة”.
وحال حسام الذي لا يزال يقضي حكمه، لا يختلف كثيرا عن السجين السابق عبد الحميد الشعباني، والذي قضى ست سنوات على خلفية إتجار بالمخدرات، حيث يقول إنه “لم يتعاف بعد من أجواء سجنه”، وهو حاليا عاطل عن العمل.
خرج من السجن في العام 2007 ومنذ ذلك التاريخ وهو يواجه صعوبات التأقلم في مجتمعه، ويضيف “أقضي في أي عمل مدة إما تزيد أو تقل شهر أو شهرين، ثم أعود وأجلس في الدار عاطل عن العمل. كان يمتهن عبد الحميد النجارة لعشر سنوات.
وفي إطار ذلك، تنفذ مديرية الأمن العام برنامج “تهيئة” ويستهدف النزلاء المقبلين على الإفراج عنهم بعد كم من السنوات قضوها داخل مراكز الإصلاح والتأهيل، وتسعى إلى تهيئتهم ودمجهم بمجتمعهم.
ورغم حداثة البرنامج وعدم وصولهم إلى نتائج ملموسة، يبدي رئيس شعبة الإنتاج والخدمات في مديرية مراكز الإصلاح والتأهيل، العقيد وليد الأنصاري، تفاؤلا من نتائج البرنامج، ويقول لعمان نت “هذه فكرة فريدة من نوعها، ومن شأنها الحفاظ على النزيل وتهيئته ليكون عضوا فاعلا في المجتمع عندما يلتحق إلى مجتمعه بعد الإفراج عنه”.
وفلسفة الأمن العام، تأتي في إطار إخراج النزيل المحكوم لسنوات، ويقول الأنصاري “نعم، النزيل معزول ويعيش في بيئة مغلقة سالبة لحريته ومن أجل هذا، نشتغل معه في إطار دمجه بالمجتمع قبيل عودته إلى الحياة وباقي ما تبقى عليه الاشتغال على نفسه”.
ويخرج النزيل من المركز مواجها مجتمعا غريبا عليه حيث تطور الحياة ولم يبق شيئا على ما هو عليه ، فيما يبقى النزيل منعزلاً، وهنا يقول الأنصاري أن هذا البرنامج التأهيلي يأتي لمن هم في مرحلة ما بعد الإفراج بشهرين فقط.
وبرنامج “تهيئة” يطبق في مركزي إصلاح وتأهيل “الموقر” و”أم اللولو” ويرى الأنصاري أن الاختيار يأتي لكونهما “حديثي النشأة ونموذجين من حيث المعايير الدولي، وتتبع فيهما مجموعة من السياسات والبرامج الإصلاحية الهادفة إلى إصلاح النزلاء بالمعنى الحقيقي”.
ثمة سلسلة برامج إرشادية نفسية واجتماعية ودينية، تطبق ضمن البرنامج، ومنها محاضرات مختلفة لتوعية النزيل بالنواحي الاقتصادية مثلا في كيفية الحصول على القروض والتعامل مع الدوائر الحكومية.
ويطبق البرنامج في مركزين حاليا، ويأتي على سبيل التجربة ولمعرفة النتائج، واجدا الأنصاري أن الوضع الحالي يدلل على التأثير الإيجابي وفي سؤالنا عن المؤشرات يقول من خلال تعاملهم مع بضعه عشرات من النزلاء.
رئيس مرصد الإنسان والبيئة، الناشط الحقوقي طالب السقاف، يرى أن تطبيق الجانب الإصلاحي والتأهيلي في المراكز ما هي إلا “حدود دنية”، ويقول أن نظام العدالة الجنائية مترابط.
فالإصلاح والتأهيل لا يسنده التخطيط لمدة تنفيذ العقوبة وإنما ينبغي مرافقته بدائل للعقوبات السالبة للحريات، ويوضح السقاف: “مثلا لو كان هناك شرطا في قضاء النزيل لسجنه عشرون عاما، فكان حريا بمديرية الأمن العام أن تُقصر من المدة والمطبق بها الإصلاح والتأهيل، ويكمل المتبقي من محكوميته في مجتمعه تحت نظام الرقابة الاجتماعية فبالتالي يكون للسجن معنى”.
ويخلو نظام العقوبات من أي حوافر، على ما يرى السقاف، ويصل في قناعته إلى “فترة قضاء العقوبة بصرف النظر عن الإصلاح والتأهيل ما هي إلا حل لفترة العقوبة الطويلة ليس أكثر”.
وهذا الواقع، وفق السقاف، “تفقد النزيل أدوات التواصل الصحي مع أسرته وأرباب العمل، وكما تفقده فرصة تطوير مهارته في المهنة التي كان يملكها”.
أبسط ما يلمح إليه السقاف هو تأمين خدمة الانترنت إلى النزيل المقبل على الإفراج ليتمكن من التواصل مع فرص العمل المتوفرة والمهارات المطلوبة، ويعتبر أنها أساسية بالمقارنة مع ما يراه الأمن العام بغير الضرورية. “غايات إعادة دمج النزيل بمجتمعه لكي يكون عضوا فاعلا في المجتمع لا أن يكون نزيلا متلقيا لخدمات المركز الإصلاحي”.
وفي غياب فلسفة الإصلاح والتأهيل، والخطة العامة والخاصة بكل نزيل على حدة، “يبقى النزيل غير فاعل في المركز بل وقد يحمل في نفسه التصرفات الجرمية التي دخل بسببها إلى السجن”.
ويسجل الناشط الحقوقي تقصيرا لدى الجهات ذات العلاقة من القضاء ومديرية الأمن العام، ويقول: “لا يوجد تخطيط تنفيذي مصاحب للعقوبات من قبل القضاء أو مديرية الأمن العام، فما يطبق حاليا هو شكلي ليس أكثر”.
وكان الأمن العام أطلق في أيلول الماضي برنامج “تهوين” عكس برنامج “تهيئة” يطبق على النزلاء حديثي السجن، ويكمن من خلال تدريبهم وإعطائهم محاضرات إرشادية ودينية ويتم عزلهم عن باقي النزلاء كي لا يتأثروا بالبيئة الجرمية لبعض النزلاء. وقد أطلق البرنامج بداية في مركز إصلاح وتأهيل البلقاء وتم تعميمه في باقي مراكز الإصلاح والتأهيل بعد تنفيذه بشهرين.
رغم ريادة البرامج المطبقة إلا أن “الأمن العام” يفتقد إلى الدراسات الإحصائية والاجتماعية للنزلاء المستفيدين من هذا البرامج، ورغم حداثة تطبيقها، لكنها ووفق اتصالنا بالمعنيين، لا تملك المؤشرات الحقيقة المدللة على جدوى البرامج من عدمها.