هل يتم صياغة اتفاقيات حقوق الإنسان من منظور توافق عالمي مشترك ؟
سؤال مشروع يطرحه البعض بل وربما الكثيرون، بالطبع سيكون خط الدفاع الأول بالقول إن أي توافق أو أي مشروع فكري أو قانوني لن يكون مثاليا في توافقيته، فحتى البرلمانات المنتخبة والممثلة لشعوبها بطريقة نزيهة لا يوجد توافق تام على مخرجاتها وقراراتها، بل هي تكون بحكم الأغلبية، وكذا الأمر يمكن القول عن القانون الدولي لحقوق الإنسان أنه ليس مثاليا في توافقيته المطلوبة ما بين الدول. ولكن عن من تصدر هذه الإتفاقيات الدولية لحقوق الإنسان وكيف يتم ذلك؟ فأحب ان أوضح ما يلي:
اولا: يحق لأي دولة عضو في الأمم المتحدة ان تقدم مقترحا لوضع اتفاقية معينة تعالج مسائل تتعلق بحقوق الإنسان. وتلك الاتفاقيات قدمت اقتراحها من دول مختلفة.
ثانيا: يبحث مجلس حقوق الإنسان ( المكون من 47 دولة من مختلف مناطق وأقاليم العالم، ولا يوجد به مقاعد دائمة ولا فيتو، والذي حل مكان لجنة حقوق الإنسان) أهمية الفكرة، ويطرح الموضوع للجنة تعمل على إعداد الدراسات اللازمة، ويتاح لجميع حكومات دول العالم المختلفة، بل ومنظمات المجتمع المدني والأكاديميين والفقهاء أن يدلوا بدلوهم ويقدموا دراساتهم حيال الموضوع، بالطبع هنالك تباين لجهود الدول والمجتمعات، فالدول التي لديها مجتمع مدني لديه خبرة واسعة في مجال رصد وتقييم أوضاع حقوق الإنسان أو جامعات مرموقة لديها العديد من الأكاديميين والدراسات، اقول من المتوقع أن يكون لديهم آراء نوعية يمكن ان يقدموها، مع تأكيد أنه لا يوجد ما يمنع دول العالم وجامعاتها المختلفة ان تقدم مساهمتها ايضا ، وهي تقدم بالفعل مع مساهمة أكبر لتلك الدول ذات المجتمع المدني الأقوى، فكيف يراد لمجتمع مدني عربي او من دول العالم الثالث أن يقدم شيئا نوعيا ودولة تقمعهم وغير قادرين على الوصول الى تقييم فعلي لحقوق الإنسان في مجتمعاتهم، بل في دول لا يوجد بها اصلا مؤسسات مجتمع مدني أو هي مؤسسات تابعة للحكومات على شكل مجتمع مدني.
ثالثا وتستغرق عملية البحث والنقاش عدة سنوات او عقود، ثم ترفع الى مجلس حقوق الإنسان الذي يقرها كمسودة، ثم ترفع إلى الجمعية العامة للأمم المتحدة التي يوجد بها جميع الدول الأعضاء وعددهم 193 عضوا ولا يملك أي منهم حق الفيتو، جميع الدول لها مقاعد دائمة وقوة تصويتية متساوية، ويعتمد القرار من قبل الجمعية العامة، وتطرح على كل دولة على حدة للمصادقة عليها وفق إجراءاتها الدستورية الوطنية، و الإتفاقية تنص بداخلها على حد أدنى من المصادقات قد تصل الى 20 او 30 او 40 مصادقة حتى يمكن وصفها بأنها دولية بالفعل.
رابعا: يحق لأي دولة عند مصادقتها أن تتحفظ على مواد ترى انها غير قادرة على تنفيذها او لها فهمها الخاص شريطة أن لا يكون التحفظ على مادة جوهرية بالاتفاقية.
خامسا: كان لجهود العديد من الدول في العالم الثالث والعربي فرصا لتطوير بعض الاتفاقيات مثل اتفاقية حقوق الطفل و بروتوكول اتفاقية اللاجئين 1967 وتوسيع تعريف اللاجئ، وايضا اتفاقية الأشخاص ذوي الإعاقة وغيرها.
سادسا: إن ظن البعض ان الغرب عموما والولايات المتحدة الأمريكية خصوصا هي من تفرض او تصيغ الإتفاقيات الدولية لحقوق الإنسان، فأحب أن أوضح ان الدول الأوروبية ربما هي الدول الأكثر مصادقة على الاتفاقيات، ولكن الولايات المتحدة الأمريكية ليست مصادقة على اتفاقيات دولية رئيسية مثل اتفاقية حقوق الطفل ( وهي الدولة الوحيدة في العالم غير المصادقة عليها)، اتفاقية القضاء على كافة أشكال التمييز ضد المرأة (سيداو)، والعهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، وبروتوكول إلغاء عقوبة الإعدام.
إذن لا يمكن القول ان هنالك توافق عالمي مطلق في مجال حقوق الإنسان ومثالي، ولكن اعتقد ان اتفاقيات حقوق الإنسان هي الأكثر توافقا بين دول العالم منذ تاريخ الدول، وبالطبع هذا لا يمنع من العمل على تطوير آليات التوافق هذه والاقتراب من الشكل المثالي ما امكن.