هل تنتزع السلطة الرابعة حقوقها في الاردن؟
بدء تنفيذ قانون حق الحصول على المعلومات في الاردن يوفر فرصة ذهبية للإعلاميين لرفع شأن مهنتهم, وتوسيع هوامش الحريات وكشف مواطن الخلل في مفاصل الدولة والمجتمع, بالاستناد إلى حقائق ومعلومات تساعد على دحض الاشاعات المتناسلة وتوضيح الصورة الكلية.
بعد عام على نشر القانون بالجريدة الرسمية, سيطلق مجلس المعلومات برئاسة وزير الثقافة قريبا, حملة توعية إعلامية وطنية, تؤذن ببدء تطبيقه بما يوفر بيئة محفزة لما تسمى بالصحافة الاستقصائية - هذا النوع من العمل الذي يجب ان يخرج من إطار الترف النخبوي الصحافي ويتحول إلى بحث دؤوب ومعمق وجزء من العمل الإعلامي اليومي.
فغالبية الصحافيين ما زالوا محاصرين بناطقين رسميين لا يتفهمون حاجاتهم وحقهم في الوصول إلى المعلومة, بل يتحول بعضهم إلى حراس للمسؤولين و"سجّاني" معلومات, لأنهم يعتقدون أنهم يعرفون المصلحة العامة ويخشون عليها اكثر من المسؤول نفسه. مع مرور الوقت تضخم دور البطانة الحاجبة لأن الوزير لا يريد أن "يوجع راسه", فأصبحوا مثل المثل الشعبي "كاثوليكيون أكثر من بابا الفاتيكان". وبذلك يستمر مسلسل حجب ابسط المعلومات عن أي صحافي الا اذا كان "مدعوما" أو "مقربا" من اصحاب القرار - ما يعني الدخول في عمليات مساومة لا تنتهي وتمويه للتغطية, على المصادر بما يحمل ذلك من تشويش للرأي العام وتغييب للحقائق.
للأسف أضحت العلاقات الشخصية بين الصحافي والمسؤول البديل لوجود قانون حق الحصول على المعلومات في غالبية الدول العربية, كذلك باتت نوعا من استمرار الرقابة المباشرة وغير المباشرة وممارسة التعتيم الإخباري بدلا من مساعدة الجمهور على فهم القضية مثار البحث لكي يشارك في تحقيق الشفافية والعدالة والحاكمية الرشيدة من خلال حث المجتمع وممثليه في البرلمان على اجتثاث المظالم.
يقول مأمون التلهوني, نائب رئيس مجلس المعلومات إلى جانب منصبه مدير عام المكتبة الوطنية, إن الوزارات والمؤسسات أنهت فهرسة المعطيات وإعداد نماذج طلب الحصول على المعلومات ضمن مهلة زمنية محددة, بعدها يستطيع مقدم الطلب رفع دعوى قضائية ضد من يتكتم على الوثائق. كذلك اقر مجلس الوزراء قائمة تسعير الطلبات. وقرر إعفاء مقدمي الطلب من أي رسوم اذا كان عدد الأوراق المطلوبة أقل من عشرة مقابل استيفاء مبالغ رمزية لتحضير بيانات مطولة تحتاج لبحث معمق.
ورشة العمل الأولى ستعقد قريبا بالتعاون مع المجلس الأعلى للإعلام لتوعية العاملين في الصحف والإذاعة والتلفاز والمواقع الالكترونية. بعدها سيخضع مزودو المعلومات, بمن فيهم الوزراء والمسؤولون والناطقون الرسميون, لدورات مماثلة, يتبعهم مسؤولون في القطاعات غير الرسمية والخاصة.
يؤكد التلهوني, في مقابلة مع »العرب اليوم«, أن القانون "سيضمن أكبر قدر من الشفافية سيكون لها أيجابيات كثيرة تماشيا مع التوجهات الملكية", ما "سيقطع الطريق على الأقاويل غير المدعمة بالوثائق والحقائق".
لكن ثمّة مطبات على الطريق. في مقدمتها قائمة ممنوعات ضمن القانون, الذي يصفه الصحافيون بإنه صيغ بعقلية عرفية, تصعب الحصول على المعلومات فضلا عن طول مدة الانتظار وارتباط المجلس بالحكومة. وفي خلفية المشهد الإعلامي المحلي 24 قانونا ونظام تعليمات تضيّق العمل الصحافي, بما فيها قانون حماية وثائق واسرار الدولة (1971) والعقوبات وبيروقراطية المطبخ الرسمي, واعتبارات اصحاب النفوذ وعلاقاتهم بمالكي وسائل الإعلام والتداخل الأمني مع الاعلامي. يضاف إلى ذلك تقصير المؤسسات الاعلامية نفسها في الإنفاق على تدريب وتطوير قدرات العاملين لديها وفشلها في توفير أجواء رفاه اقتصادي للإعلاميين المبدعين وغياب تفعيل مواثيق الشرف.
لكن الاردن أصبح اليوم الدولة العربية الاولى والوحيدة التي تسن قانونا يضمن حق المواطنين كافة في الحصول على المعلومات, بمن فيهم الإعلاميون, على نسق الديمقراطيات الغربية.
وإذا فعّل هذا القانون على نحو إيجابي, تكون المملكة صاحبة الريادة في إقليم يصر غالبية مسؤوليه على ممارسة التعتيم الإعلامي وسجن المعلومات مهما بلغ مستوى عدم أهميتها.
تفعيل القانون الإشكالي, إذن, سيساعد على تقليص فجوة الثقة وبناء الصدقية بين الدولة والمواطنين, بعد أن تعمقت مع شبه انعدام المعلومة من المصادر الرسمية ما يساعد على تكاثر الاشاعات وغياب المحاسبة.
لكن الأهم أنه سيعمل على سحب البساط من تحت أرجل "حزب كارهي حرية الصحافة والرأي والتعبير" واسع النفوذ الذي اطل برأسه بعد العتب الملكي على أداء بعض الصحافيين والإعلاميين على خلفية الجدل المجتمعي حول التحديث وأفكار بيع أصول للخزينة لسد العجز واستقطاب الاستثمار.
أعضاء هذا الحزب- الذي يضم رؤساء وزارات ووزراء سابقين, وغالبية برلمانية, ورموز البيروقراطية التقليدية ووجهاء الحقبة العرفية, وطبقة الكريما السياسية والاقتصادية- استغلوا العتب الملكي الأخير على أداء أقلية من الصحافيين, لشن حملة تحريض غير مسبوقة من أجل تكميم الافواه.
انضم إلى الركب إعلاميون كبار ممن لم يخشوا عواقب انكشاف اقنعتهم الليبرالية, اليسارية, الإسلامية, التقدمية والإصلاحية. هؤلاء أستكملوا مشوار الحزب إياه وطالبوا بالضرب بيد من حديد على ما سموه ب¯ "الانفلاش" أو "الانفلات" الإعلامي محملينه مسؤولية سلسلة اشاعات باتت تؤثر على صورة الأردن الداخلية والخارجية. نزعوا لتوظيف الرسالة الملكية لمصالحهم الخاصة لاسكات الصوت الاصلاحي الديمقراطي, وتحريم النقاش العام في جميع السياسات.
في هذه الأجواء الضبابية الكئيبة, تبقى بارقة أمل لمستقبل إعلامي أفضل للأسباب التالية:
- تدخل الملك مرة اخرى لحسم الحملة "المكارثية" على الصحافة والإعلام من خلال رسالة الكترونية إلى موقع إحدى الصحف حث فيها القراء على الحق في التعبير عن الاختلاف مع السياسات العامة والتعليق بأسماء صريحة من دون خشية من الملاحقة.
- استقبال الملك لنقيب الصحافيين عبد الوهاب الزغيلات وإعلانه إنشاء صندوق ملكي لمهننة الصحافة والنهوض بمستوى الأداء الإعلامي في بلد يأوي زهاء 800 صحافي وصحافية وتنتشر فيه سبع صحف يومية, وعشرات المواقع الالكترونية, الاذاعات والصحف الاسبوعية.
- ما يرشح من معطيات يفيد أيضا بأن مدير عام دائرة المخابرات العامة الفريق محمد الذهبي رفض طلبا بالتضييق على الصحافة على لسان غالبية المشاركين في حفل غداء على شرف الملك عبدالله الثاني في منزل النائب عبد الرؤوف الروابدة عشية خطاب الحسم الملكي. شهد ذلك اللقاء "حفلة تحريض على الصحافة, خاصة المواقع الالكترونية الاخبارية. كان أبطال الحملة رؤساء مجالس ورؤساء وزارات سابقون, ورؤساء لجان في مجلس النواب.
الغالبية طالبت دائرة المخابرات بالضغط على الإعلاميين "لأنها الوحيدة القادرة على تخويف الأردنيين والصحافيين..ووقف هذا الفلتان الإعلامي...".
لكن الفريق الذهبي رفض دعوات غالبية المتحدثين. المفارقة المضحكة-المبكية كانت غلبة التفكير العرفي لدى المدنيين عن الجهاز الأمني. بحسب ما أكدته روايات متطابقة, كان رد مدير المخابرات: "نحن مخابرات دولة ولسنا دولة مخابرات. ولا نسمح لانفسنا بتجاوز دورنا ولا نعمل اي شيء الا ضمن القانون".
أكمل رئيس الوزراء الأسبق طاهر المصري الدفاع اليتيم عن الصحافيين, إذ قال للحضور إن المشكلة ليست في الإعلام لانه لا يخترع المعلومات بل ينشر ما لديه من وقائع. وحصر المصري المشكلة في "عدم الشفافية في سريان المعلومات.." وفي إجراءات أفكار لم تنفذ بعد لبيع أصول وممتلكات للخزينة.
الاسناد الملكي وتفعيل قانون الحصول على المعلومة, يوفران الآن فرصة لإصلاح الخلل في الإعلام. والكرة الآن في ملعب الصحافيين.
*العرب اليوم