هل تستمر الأفراح والمآتم الإلكترونية بالأردن بعد كورونا؟
سجّل الأردن أكثر من 277 ألف إصابة بفيروس "كورونا"، نتج عنها نحو 3600 حالة وفاة، وهو ما جعلها من ضمن أكثر البلدان العربية تأثرا بالفيروس.
ومع بدء انحسار أعداد الإصابات مؤخرا، يطرح الأردنيون سؤالا عن مدى إمكانية عودة فتح أبواب قاعات الأفراح، وعلى الطرف الآخر بيوت العزاء، بعد إغلاقها منذ شهور.
"التباعد" الاجتماعي والجسدي كان هو العنوان الأبرز لتدابير الأردن في التصدي للفيروس، إلا أن ذلك الإجراء لم يكن ليتحقق من دون تطبيق قرارات تحول دون مخالفته، تمثلت بمنع إقامة الأفراح وبيوت العزاء، وما يرافقها من مراسم اعتاد عليها الأردنيون.
وكبديل عما جرت عليه العادة للمجاملة في فرح أو ترح، أصبحت التكنولوجيا وتطبيقاتها طريق الأردنيين للتعبير عن مشاعرهم، وباتت عبارات "تقبل التعازي عبر مواقع التواصل الاجتماعي فقط نظرا للظروف السائدة" و"نظرا للظروف السائدة ندعوكم للالتزام في منازلكم والدعاء للعروسين بالتوفيق والسعادة"، هي الطريق الأنسب؛ لتفادي الحرج لما سببته الجائحة.
تغيير مؤقت
محمد صوالحة، أستاذ علم النفس في جامعة اليرموك (حكومية)، قال للأناضول إن تخلي الأردنيين عن ممارسة عاداتهم في الأفراح والمآتم "مؤقت"، بسبب الجائحة والقرارات الحكومية بشأنها.
وأضاف أنه توجد "سلبيات كثيرة في العادات بشكلها السابق؛ لأنها تسبب إرهاقا اقتصاديا لأصحاب المناسبات وللراغبين في مجاملتهم".
واجتماعيا ونفسيا، وفق صوالحة، "كثير من الأشخاص كانوا يجدون لزاما عليهم تحمل ممارسات سلبية في أماكن التجمع (صالات الأفراح ودواوين العشائر)، كما أن عدم حضور مدعوين للمشاركة في المناسبة كان يتسبب بضغط نفسي وإزعاج لصاحبها".
صوالحة، ورغم تأييده للمظاهر الجديدة مع وجود كورونا، إلا أنه شدد على أن ما كان يجري سابقا هو فرصة للقاء الناس ببعضها.
وزاد بأن "وسائل التواصل الاجتماعي حلت لتكون طريقا للمشاركة في المناسبات"، لكنه استبعد استمرارها بعد زوال كورونا.
وأعرب عن اعتقاده بأنه "سيكون هناك رد فعل عكسي بعد الجائحة، وسيعود الناس إلى ما كانوا عليه بشراهة وحنين جارف، لكن سرعان ما تأخذ الأمور شكلها الطبيعي".
وعن الأثر الذي ستتركه الجائحة على العادات والتقاليد، رأى صوالحة أنها "ستؤدي إلى نوع من التهذيب لبعض الأنماط التي كانت سابقا".
إضعاف للنسيج الاجتماعي
وفق حسين محادين، أستاذ علم الاجتماع في جامعة مؤتة (حكومية)، فإن "الأصل في الأشياء هو أن الإنسان اجتماعي بطبعه، وفكرة الاجتماعية تؤدي أكثر من دور أو مهمة في الوقت نفسه".
وتابع محادين للأناضول أن "إحساس الفرد بالأمان وأنه جزء من الجماعة، وتبادل المشاعر أو الطرق المختلفة للتعبير عنها في المناسبات، تؤشر ضمنا على مكانة الشخص المستضيف في الأفراح والأتراح".
لكنه اعتبر أن "هذه العادات تشكل أيضا تحديا متعدد العناوين، فاقتصاديا تؤدي دورا تكافليا من خلال ما يسمى التهادي أو النقوط (مبلغ مالي غير محدد يُعطى للعريس)، والذي يمثل دينا مدورا يصار إلى سداده في فترات لاحقة".
وأردف: "الشيء المضاف هو وجود تأثيرات اجتماعية، وتبادل مصلحي ذي مغزى ثقافي، ويتجلى هذا باستقرار العادات الاجتماعية عبر الأجيال إلى حد أنها أصبحت ملزمة ضمنا لأطراف التفاعل".
واستدرك: "لا ننسى أن الدراسات العلمية تؤكد أن للعادات أعمارا أيضا، فعندما يشعر أطراف التفاعل الاجتماعي، المستضيف والمستضيفون، أن هذه العادات قد ضعفت أو فقدت مبرراتها، يلجأ هؤلاء إلى ابتكار طرق جديدة تحقق ما سبق ذكره، وإن اختلفت آليات التعبير عنه".
وقال محادين إن "التكنولوجيا وكورونا سهلتا على الناس الكثير من العناء، الذي يتمثل في التنقل من مكان إلى آخر داخل المحافظات أو خارجها".
وزاد: "لعل الأهم في هذه التغيرات هو شعور الطرفين أن لهما مصلحة متبادلة في الأخذ بالطرق الجديدة، ولذلك نجد أن هناك فروقا أيضا في سرعة التغير، وفقا لخصوصية الثقافة الفرعية التي ينتمي لها الأفراد والمجاميع، وهي في الأردن أربع ثقافات فرعية: البادية والريف والمدينة والمخيم".
واستطرد: "من هنا يمكن أن نستنج لماذا أهلنا خارج المدن الكبرى ما زالوا متشبثين ومخاطرين أحيانا، بالرغم من وجود كورونا، بممارسة عاداتهم القديمة التي يعتقدون أن جلها ما زال صالحا للعمل به، ويؤدي وظائف متعددة".
واعتبر أن "التكنولوجيا عمقت القيم الفردية في المجتمع الأردني، وبالتالي بدأنا نشهد نوعا من الذبول في هذه العادات بشكل أوضح في المدن".
وعن مدى استمرارية الممارسات التي ترافقت مع الجائحة، أجاب محادين بأنه "لا يمكن الحكم بأنها ستزول أو ستستمر، إلا إذا قيست ضمن خصوصية كل الثقافات الفرعية في الأردن".
ورأى أن "مثل هذه العادات الجديدة تُضعف النسيج الاجتماعي، وتقود الناس إلى الاغتراب".
تقارب افتراضي
رامي الدويري، أستاذ التسويق الإلكتروني والتواصل الاجتماعي في الجامعة الأردنية (حكومية)، اختصر واقع المواطنين في المناسبات الاجتماعية مع كورونا بالقول: "أصبح السلام بـ like وتبادل أطراف الحديث بـ Comment والإفصاح عن المشاعر بـ post".
وأضاف الدويري: "أجبرنا كورونا على التباعد الاجتماعي، وأصبح التقارب الافتراضي هو البديل الأنسب".
وأردف: "لاحظنا في الآونة الأخيرة، على مواقع التواصل الاجتماعي، ازديادا في حالات الوفاة، لكنها في الواقع ليست كذلك، وإنما زادت مشاركة التعازي، فهي البديل عن دور العزاء".
ورجح الدويري زوال الطرق الجديدة مع انتهاء كورونا، إذ شدد على أن "الطبيعة البشرية لا تستغني عن التواصل الجسدي، ولديها قابلية النسيان كغريزة".
لكنه لم يستبعد في الوقت ذاته أن يحل العالم الافتراضي بشكل أكبر بعد نحو 10 سنوات؛ عندما يكون جيل الألفية المرتبط بالتكنولوجيا قد دخل عقده الثالث.
وأثر كورونا خلال 2020، على منظومة الحياة في الأردن، وخاصة الجوانب النفسية والاجتماعية؛ لعدم توفر خبرات للمواطنين في مثل هذه الظروف الاستثنائية، ما أدى إلى تجاذبات بينهم وبين الحكومة.
ورغم تأكيد الحكومة على عدم إقامة مناسبات اجتماعية، ارتكب كثيرون مخالفات وتم توقيفهم.
وانسجاما مع القرارات والتدابير الاحترازية لمواجهة الوباء، تشدد السلطات الأردنية يوميا على منع إقامة التجمعات لأكثر من 20 شخصا.