هـنـاك..مـا يسـتحـق الرسـم

هـنـاك..مـا يسـتحـق الرسـم
الرابط المختصر

في لوحاتهم تقرأ الصخور وتسمع خرير المياه الساخنة المنهمرة من حجارة لونًها التاريخ بألوان الأرجوان والأخضر والأصفر والأحمر وعمرها يتجاوز آلاف السنين، بقيت واقفة أمام الريشة في صورة بهية تجلت مع أشعة الشمس الدافئة.فليس من الصعوبة بمكان أن تمسك الريشة وتنقل الواقع على ورقة بيضاء، لكن الصعوبة كيف تضفي الروح بتلك اللوحة. ومن هذا الجدل دار السجال بين فنان نقل الواقع كما هو بدقة متناهية وبين الذي نقل روح المكان تاركا قارئ الصورة يبحث في خيوط الألوان وعشوائية الخطوط كي يتعرف على جماليتها.

ففي زاوية ما تقف الرسامة تحاول أن تبرز في لوحتها نتوءا في إحدى الصخور، بينما أخرى اتخذت من حجارة متراكمة قرب جدول المياه المنهمرة مكانا لها لتنقل المشهد كما تراه، "هي محاولات لإعطاء المكان حيزا في لوحات الفنانين".

اِعشق المكان قبل أن ترسمه..مقولة حاول الكثير من الفنانين المتواجدين في الملتقى الإعلامي الثقافي الفني الرابع (فن وطبيعة مع الإعلام) أن يقوموا به، على مدى ثلاثة أيام في منتجع حمامات ماعين، وذلك بدعوة من المركز الأردني للإعلام والجمعية الملكية لحماية الطبيعة بدعم من بنك الإسكان للتجارة والتمويل.

الفنان مؤرخ المكان عبر لوحة تستنطق لحظة في مكان ما برسم لا يقف عند حدود الماديات إنما قراءة للروح وعبق المكان، وهناك حيث أخفض منطقة بالأردن والعالم استمر الرسامون يوثقون المكان خدمة لتأريخ تلك المنطقة البعيدة عن دائرة الضوء، وأيضا مساهمة للسياحة.

اللوحات هي تبرع مقدم من كل فنان شارك في هذه الجولة، وقام المركز الأردني للإعلام بتوفير معدات الرسام من ريش ولوحات وألوان لكل فنان، إضافة إلى إقامة في فندق "جنة سبا"، كما رافقهم مجموعة من الإعلاميين والصحفيين راصدين كل رسام في تعامله مع المكان وموثقين كل ما تناول الرسام في لوحته.

مشروع إنساني
جهاد العامري أحد الفنانين المشاركين في المشروع قال: "هذه الجولة التي قمنا بها خدمة للسياحة الأردنية، فعلينا أن نعترف أن هناك الكثير من الأماكن السياحية في الأردن غائبة عن ذاكرة المواطن الأردني أولاً، وهذا ما يمكن أن نسميه المشروع الإنساني".

هذه الجولة لم تكن بالنسبة لجهاد الرسم والتعرف على المكان فحسب إنما أيضاً "لأتعرف على أصدقائي من الفنانين الذين أعرفهم بلوحاتهم فقط، هي أشبه بالبيت الصغير نتناقش ونتجادل مع بعضنا البعض ونستفيد من خبراتنا".

تعرف على المكان عبر الفنان
أما بالنسبة لمحمد العامري فهو يجد بالملتقى بأنه متفرد ومهم بوصفه يعكس الطبيعة الأردنية من خلال العمل الإنساني الجمالي ومن خلال تنوع العمل عبر مجموعة من الرسامين لهم أساليبهم الخاصة، ولهم انطباعاتهم الخاصة عن كل زاوية في المكان.

وتابع.."نتعرف على المكان من خلال تأويل الفنان عبر لوحته، وبالتالي يشكل له دهشة مختلفة تجذبه للتعرف على المكان عبر الزيارات والاحتكاك بالمكان مباشرة".

سحر حمامات ماعين الراقدة بين جبلين على كتف وادي، هي ما يزيد من دهشة الرسامين وكل ذلك يزيده صوت شلالات المياه الحارة المتصاعدة منها البخار والرذاذ المتكسر على الصخور مشكلا رداءا أبيض يلبسه الجبل حلة جميلة يتباهى بها أمام الجبال الأخرى.

نرسم ليرى العالم
أما الصخور فهي كالشمعة التي أذابتها الشعلة. هذه الجبال التي أذابتها حرارة مياه الينابيع مشكلة منظر انصهار بركان تاركا خرائط تتحدث عن تاريخ المكان على مر الزمن، وبرأي محمد العامري "أن هذا المكان بحاجة منا كفنانين أن نقدمه للعالم وهو ما يمكن تسميته بالفعل السياحي الثقافي".

حكايات لا تنتهي لدى كل فنان، ومشهد كل لوحة منهم يجادل الآخر ميزة وجمالاً، والفنان بشارة النجار أحد هؤلاء الفنانون قال وهو ينظر إلى الشلال ويرسم دون توقف "جمال هذا الشلال يوحي لكل الفنان بالإبداع وغايتي هي أن أنقل سحر المكان على اللوحة".

الرسام كمال عريقات يرى في الملتقى فرصة لتعزيز أوصال العلاقة بين الفنان والآخر، كما يجد بالجولة أيضا "فرصة للفنان أن يصل أماكن لا يستطيع وحده أن يصلها وليس لديه الإمكانية أصلاً أن يصلها".

الفنانة رنا الصايغ قالت: "هذا الملتقى يتيح للفنان بأن يتعرف على الأساليب الجديدة من خلال فنانين جدد، كما يتيح لي أن أتعرف على طريقة كل فنان وكيف يتعاطى مع سحر المكان".

بينما قالت الفنانة حنان خليل أن الرسم مع الزملاء الرسامين يتيح لنا الفرصة بالالتقاء مع بعضنا البعض ونتعرف على رسومات بعضنا.

من أصعب الأمور نقل الواقع..وقال الفنان سهيل بقاعين حول ذلك "أنا لا أنسخ، فالواقع أجمل من أن ينسخ، ونحن كفنانين تشكيليين نحاول ولو بجزء بسيط أن نعطي من هذا الكنز الموجود في ماعين، كل على طريقته الخاصة بلوحته، وهنا نفرق بين الفنان والآخر".

تبدأ الحكايات ولا تنتهي عند هذه الرحلة، يغوص كل فنان في حكاية حملتها لوحته والتي سرعان ما ستقف أمام الأعين المترقبة ماذا أراد الفنان ! وكيف وجد المكان !، وهي التي حاولت أن تجمد لحظة من هناك من ماعين ألا يستحق المكان لوحة في حياة فنان.

أضف تعليقك