هبة نيسان 1-2
الغضب الشعبي العارم الذي انفجر صباح يوم الثلاثاء الثامن عشر من نيسان لم يكن حدثا معزولا عن مقدماته الموضوعية, كما لم يكن حدثا مفاجئا من حيث المبدأ, انما المفاجأة كانت بعمق واتساع التحركات الشعبية التي امتدت الى مختلف المدن والقرى احتجاجا على الاجراءات الحكومية برفع اسعار المحروقات وتحميل الفئات الشعبية آثار ونتائج الازمة الاقتصادية, فالاحتجاج الذي عبّر عنه عدد محدود من السائقين على ارتفاع اسعار المحروقات في مدينة معان كان الشرارة التي الهبت مشاعر الجماهير وفجرت طاقاتها الكامنة سرعان ما تحولت الى حركة جماهيرية واسعة نتيجة حالة الغليان التي تعيشها البلاد, فشكلت هبة نيسان منعطفا تاريخيا, وفتحت آفاقا واسعة لاجراء مراجعة شاملة لمختلف السياسات التي كانت سائدة, فقد جاءت هبة نيسان تعبيرا صادقا عن ارادة الجماهير برفض الخنوع لنتائج الازمة الاقتصادية التي ادت الى انهيار سعر صرف الدينار امام العملات الاجنبية, نتيجة اختفاء احتياطي البلاد من الذهب والعملات الاجنبية, وتباطؤ معدلات النمو الاقتصادي, واغراق البلاد بالمديونية, واتساع دائرة الفقر والبطالة, وارتفاع اسعار مختلف السلع والمواد الاساسية نتيجة انخفاض القيمة الشرائية للدينار بعد فقدانه معظم قيمته, وتراجع متوسط حصة الفرد من الناتج المحلي الاجمالي, نتيجة فشل السياسات الاقتصادية والفساد المالي والاداري.
الظروف والاوضاع الاقتصادية سالفة الذكر كانت سببا كافيا للغضب الشعبي وتحولت الاحتجاجات المحلية في مدينة معان الى هبة شعبية عارمة طالت مختلف المدن والقرى في انحاء البلاد, انخرطت فيها القوى الشعبية والاجتماعية والسياسية وكان للنقابات المهنية والمجالس المحلية في بعض المدن دور هام بالاضافة الى بعض الحركات السياسية وبشكل خاص الحزب الشيوعي الذي كان له حضور ملموس في تحركات الكرك والسلط وعمان وبعض الفعاليات في اربد ومادبا, ونجحت هذه القوى السياسية ومنظمات المجتمع المدني والفئات الشعبية في بلورة مطالب رئيسية تمحورت حول النقاط التالية: 1- الغاء الاتفاق مع صندوق النقد الدولي الذي تضمن تحميل الشعب نتائج الازمة الاقتصادية 2- الغاء الزيادة الجديدة على رفع اسعار المحروقات وباقي المواد الغذائية الاساسية ووقف اية زيادات في المستقبل 3- الغاء الاحكام العرفية واشاعة الحريات العامة ووقف الاضطهاد والقمع 4- عودة الحياة النيابية للبلاد واجراء انتخابات حرة ونزيهة 5- رفع اجور العاملين في القطاعين العام والخاص بما يتناسب مع الانخفاض في القيمة الشرائية للدينار 6- تشكيل لجان في كافة البلاد للدفاع عن لقمة عيش المواطنين والتصدي لحالات الغلاء 7- الدعوة لعقد مؤتمر وطني واسع لمعالجة قضايا البلاد الاقتصادية والاجتماعية وايجاد الحلول الوطنية لها.
كيف واجهت الحكومة المطالب الشعبية آنذاك? رفض المطالب والقيام بحملة اعتقالات واسعة طالت مئات المعتقلين في مختلف المحافظات وكان لمحافظات الجنوب نصيب الاسد من المعتقلين كما كان لاعضاء واصدقاء الحزب الشيوعي معتقلي القوى السياسية بالاضافة الى عدد من الشخصيات السياسية, واستمر الاعتقال حوالي ثلاثة اشهر, كانت كافية لصاحب القرار تحديد خياراته في مواجهة الازمة, هل بمواصلة نهج الارهاب والاعتقال والاحكام العرفية واستمرار السياسات الاقتصادية التي اثبتت فشلها, ام باجراء مراجعة شاملة لهذه السياسات, لم تكن الخيارات ارادية بل محكومة بمجموعة من العوامل والظروف, اهمها مدى استعداد الحلفاء بتقديم دعم مالي كبير لاخراج البلاد من حالة الانهيار الاقتصادي التي وصلت اليه, واضح ان هذا الخيار لم يكتب له النجاح لاخفاق الحكومة بالحصول على اية مساعدات استثنائية لتحقيق ذلك, فانصب التوجه الرسمي نحو المصالحة الداخلية, فأطلق سصراح المعتقلين واعلن عن موعد اجراء انتخابات نيابية كمقدمة موضوعية لبداية مرحلة جديدة.0











































