ندوة لتقديم كتاب "غُسان قلبي" للراحل صلاح حزين

ندوة لتقديم كتاب "غُسان قلبي" للراحل صلاح حزين
الرابط المختصر

يقيم  مركز أوغاريت الثقافي في رام الله، بالتعاون مع دار الشروق يوم الثلاثاء ندوة لتقديم كتاب الأديب الفلسطينيّ الراحل صلاح حزين (غُسانُ قلبي) الذي يزاوج فيه بين الحديث عن مأساته في إصابة ولده، ومأساته الشخصية في المرض الذي أنهى حياته.



فمنذ أصيب غسّان حزيّن في حادث سيارة، تزامن مع العدوان الإسرائيلي على لبنان، صارت مهمة والده أن يكون معه: أن يراقب حالته الصحية، وأن يرصد أدقّ التغيرات التي تطرأ عليها، أو يخيل إليه أنها تطرأ، وأن يتابع هذه الحالة مع كلّ مصدر يصل إليه، طبيبا أو صاحب تجربة أو كتابا أو خبرا، علّه يجد ما يمنح قلبه شيئا من أمل. لكن الصدمة تتضاعف، حين يعرف الأب ذاته أنه مصاب بمرض خبيث، ويصبح همه أن ينتظر يقظة ابنه، في الوقت الذي ينتظر فيه رحيله شخصيا.


الكاتب الذي يستطيع أن يقف موقف المراقب لحالة ابنه وحالته التي لم يستطع بعض المقربين منه أن يحتملها، لا يكون كاتبا عاديا، والأداء الذي يصدر عنه، لا يكون عاديا، وهذا ما يمكن أن يثبته الكتاب الذي كان آخر ما خطّته يد المثقف الكبير، الذي تجاوز كل الاحتمالات، وسجل سيرة لكلّ ما كان يجري حوله، بوعي كبير لما يجري، ومن دون إحساس بالضعف، في مقاومة الألم الذي لا يطاق بمصاب الابن، والعدم الذي يتسلل إلى الذات نفسها، فيكاد يشعر الأب المريض بالذنب، لأنه يتخلى عن العناية بولده.


كيف استطاع صلاح حزين أن يسجل واقعه ومشاعره كلّها في هذا الظرف بالذات، وأن ينشر، قبل رحيله، جزءا من هذا النص الفريد، الذي لم يستطع أن يستكمله، إلى المدى الذي أراده، وإن كان القارئ سيجده كاملا، روائيّ الصيغة إلى حدّ كبير.


جاءت مقدّمة الكتاب بقلم الكاتبة الفلسطينية المعروفة حزامة حبايب، التي عايشت حالة الابن منذ لحظة إصابته، وعايشت ألم الأب والأم وكلّ المقربين، واستمرّت معايشتها لمرض الأب حتى لحظة الفراق الأليمة.


لكن المقدمة، على أهميتها، تبقى من دون صدق النصّ الذي كتبه صاحبه المصاب من ناحيتين، أو أكثر، وتبقى دون سيرة الكاتب، الذي يمكن اعتباره واحدا من أوسع الكتاب الفلسطينيين ثقافة، ومن أكثرهم عمقا واتساع اهتمام، ومن أقربهم إلى من عرفوه صاحب مواقف يمكن أن يحتذى بها.


يقول الكاتب  فاروق وادي عن "غُسان قلبي" هذا النصّ الذي يفيض أسى وحسرة، تتراجع روح الدعابة التي ميّزت كتابات صلاح، ليروي بقلبٍ ينفطر حزناً ولوعة، أحداث غيبوبة مُعلنه بات يعانيها ابنه "غسّان"، الصحافي الذي بدا واعداً، لكنه غاب عن الوعي منذ ثلاث سنوات، إثر حادث سير تعرّض له في غور الأردن، عندما كان برفقة المخرج السينمائي ميشيل خليفي، الذي نجا من الحادث بأعجوبة.


"غير أن القدر لم يكتف بتلك الضربة القاسية التي أصابت صلاح في صميم الروح، ولكنه أعقبها بضربة أخرى في الجسد، عندما اكتشف السرطان هشاشة خفيّة كان يخفيها صلاح عن أحبائه، وانكساراً كبيراً في القلب الشجاع، فتمكّن المرض الخبيث من القولون، وأعقبها بضربة أخرى في الرئتين، ليرحل صلاح على إثرها تاركاً غسّان في سريره.. غائباً عن إدراك حقيقة أن والده قد رحل إلى أبديته، بعد أن كتب في نصّ غسّان: "في الخامس من شهر أيار أدخلت أنا المستشفى، وفي السادس منه، أي بعد سبعة أشهر بالتمام على حادث غسّان] شُخِّصت بأنني مصاب بسرطان القولون. ووجدت نفسي أسير انتظارين: انتظار يقظة غسان، وانتظار موتي".


غسان الابن.. والصدمة الكبرى

و من بعض نصوص الكتاب التي يصف بها الراحل تلقيه لخبر إصابة ابنه غسان بحادث سير يقول  أذكر الوقت بالضبط، ولكن الساعة كانت تجاوزت بقليل السادسة والنصف من مساء يوم الثالث عشر من تموز (يوليو) 2006، حين تلقيت مكالمة هاتفية من إحدى زميلات ابني غسان في محطة "عمّان نت" الإذاعية التي يعمل فيها. كان الصوت متقطعا ومرتبكا:
- عمو، غسان... أصيب في حادث سيارة"


يتابع الراحل حزين في كتابه "لم أفقد أعصابي، وبقيت متماسكا إلى حد ما، أواصل الاستفسار عن الحادث. أين؟ كيف؟ ماذا حدث لغسان؟ أين هو الآن؟ وكأنني كنت متأهبا لسماع مثل هذا الخبر منذ زمن طويل، كانت أسئلتي ذات طابع عملي. أريد أن أعرف ماذا علي أن أفعل. ولكن داخلي لم يكن صافيا. كان هناك هاتف داخلي يقتحم هدوئي المنضبط ظاهريا، وينبئني بأن ذاك لم يكن واحدا من تلك الحوادث العادية التي تحدث كل يوم في بلد نسبة حوادث السيارات فيه بين الأعلى في العالم عدا عن أنها حوادث قاتلة.

كان الهاتف الداخلي صدى للهاتف الحقيقي الذي جاءني بالنبأ. لم أكن من محبي الهاتف يوما. ليس انطلاقا من أنه جهاز ينقل الأخبار المشؤومة، فهو ينقل الأخبار المفرحة والبهيجة أيضا، بل لأنني لم أشعر يوما بحاجة ماسة إليه. وأذكر أنني لم أجر في حياتي مكالمة هاتفية واحدة قبل دخولي الجامعة، وأنه لم يكن لي في جامعة دمشق حيث درست الأدب الإنجليزي، سوى صديق واحد يملك هاتفا، وأنني حين انتقلت للعمل في الكويت، البلد المعروف بتوافر خدماته بيسر، ربما كنت آخر من امتلك هاتفا من أصدقائي.


لم تكن علاقتي بالهاتف عموما علاقة وثيقة. فبعكس من كنت أسميهم محترفي المكالمات الهاتفية الذين لا يكاد الهاتف يفارق آذانهم، كان الهاتف بالنسبة لي جهازا عمليا لا يجوز استخدامه في كل وقت وحين؛ للشأن المهم وغير المهم، للحديث الجدي والثرثرة الفارغة، للنقاش الجاد وللنميمة. وحين انتشر جهاز الهاتف النقال كنت من أواخر من استخدمه من أصدقائي وزملائي رغم حاجتي إليه بحكم عملي صحفيا. ومع ذلك، لم أستخدم الهاتف بإفراط، ولا أزال حتى اليوم، أستخدمه في أضيق الحدود؛ لترتيب المواعيد وتثبيتها، لتحديد أماكنها وتنسيق طرق الوصول إليها، للاستفسار عن أمر ما أو لتلقي خبر مهم، قد يكون مفرحا وباعثا على السعادة، وقد يكون خطيرا أومفجعا.


في إطار هذه الحدود غير الصارمة التي حكمت علاقتي بالهاتف جاءني خبر غسان.

ويمضي حزين في سرد ما حدث مع غسان " كان يقود سيارته الخاصة، ومعه ميشيل خليفي، المخرج السينمائي الفلسطيني، في منطقة بعيدة عن عمان، هي منطقة الشونة الجنوبية في غور الأردن. أصيبت السيارة إصابة بالغة. عرفت فيما بعد أنها دمرت تماما. نقل الاثنان إلى المستشفى الحكومي هناك، ولكن ضيق إمكانات المستشفى المتواضعة لم تكن كافية للتعامل مع حادث كبير مثل ذاك، فنقلا، بناء على طلب صديق لميشيل كان قد عرف بالحادث قبلي، إلى مستشفى كبير في عمان.

يخت " قلت لزوجتي التي كانت تستمع للحوار وهي تحاول التماسك مستعينة بالجدار الذي استندت إليه موجهة نظرات ذاهلة إلى كل شيء حولها. انبساط الجدار ونعومته جعلتا حركة يديها اللتين وضعتهما خلف ظهرها عبثية فقد بدت وكأنها تتحسس الجدار برفق نعومة وربما تهدهده حينا، وبدت حينا آخر وكأنها تحاول مسح النقطة التي ترتكز عليها من الجدار لمزيد من التأكد من نظافته التي تحرص عليها كل يوم، أو أنها تحاول أن تجد على سطح الجدار الأملس شيئا بارزا تمسك به حتى لا تسقط على الأرض. حاولت أنا غير المطمئن أصلا أن أطمئنها. لا أدري كم نجحت، لكن الأمر لم يشغلني كثيرا فقد تركتها وهي تواصل حركتها العبثية التي بدأت تزداد اضطرابا، وبدأت هي تزداد شحوبا، غير أنها لم تذرف دمعة واحدة. كانت في حالة صدمة، والدموع هي آخر ما يجدي في حالة الصدمة. بدا الأمر أكبر من ذرف أي كمية من الدمع".

والكاتب من مواليد عين كارم ـ القدس، التي كتب عنها نصا نشره له محمود درويش في فصلية "الكرمل"، وأبرز ما قام به من عمل ثقافي كان في مجلة العربي الكويتية التي عمل فيها لسنوات، إضافة إلى عديد من الدراسات التي نشر بعضها في الدوريات، أو شارك فيها في المؤتمرات، حول مختلف القضايا الثقافية والسياسية، وخصوصا ما يتعلّق منها بالصهيونية، والأدب الذي يستند إليها.