نحو مقاربة جديدة للتحول الديمقراطي والتحديث السياسي
لا يعقل أن تصطدم رؤية الدولة الأردنية في تحديث منظومتها السياسية والاقتصادية والإدارية بالبيروقراطية المتكلسة للحكومات ومؤسساتها المترهلة، ومراكز القوى وجماعات الشد العكسي الاجتماعية والاقتصادية.
وفي المعلومات المتسربة من مصادر مقربة أن هناك استياء كبيرا لدى مطبخ القرار من عجز الحكومة وأذرعها التنفيذية من تحقيق تقدم ملموس على منظومة وخطة التحديث الاقتصادي تحديدا، لأن الحكومة لم تقدم لغاية تاريخه مؤشرات قياس KPIs دقيقة وواقعية.
وأيضا أن الخطة الاقتصادية تم بناءها على قاعدة If & If وفي مثال صارخ وواضح لتقاعس الحكومة، فقد كان في الخطة التنفيذية لأحد المحاور أن تخصص الحكومة موازنة محددة لهذا العام لتحقيق إنجاز وتقدم ملموس وعلامات انجاز مرحلية Milestones للأسف لم يتم تخصيص سوى 25 % من المبلغ.
هذا في الموضوع الاقتصادي.
أما في التحديث السياسي فكانت هناك مخرجات هامة وذات علامة فارقة عدا قانوني الانتخاب والأحزاب الهامين، مخرجات لجنة تمكين الشباب الفاعلة، فاعتمدت منهجية علمية واستراتيجية بمرتكزات وقيم ومجالات وفئات عمرية وأهداف وبرامج وتوصيات وافكار قابلة للتطبيق، ومنها فئة طلاب الجامعات الذين يبلغ عددهم حوالي 300 ألف طالب في الجامعات الأردنية الرسمية عدا الجامعات الخاصة، وهم فئة جديرة بالتمكين والتوعية والتوجيه نحو التربية المدنية والمشاركة السياسية، وهناك جهود على الأرض وبرامج حقيقية وبتنسيق عالٍ بين بعض مؤسسات الدولة ومؤسسات المجتمع المدني الفاعلة والمعنية بمخرجات هذا المحور.
فهؤلاء هم نخبة المستقبل القريب وقادته.
وفي السنوات الاخيرة التقى جلالة الملك وولي عهده دوما مع الطلاب في جامعاتهم ويحرصون على محاورتهم، لإدراكهم أهمية هذا الجيل، وتمكينه سياسيا، بدلا من النزاعات والنزعات الجهوية والمناطقية والعنصرية التي عانت منها الجامعات الرسمية طوال عقدين.
كما التقى جلالة الملك وولي عهده في لقاءات منفصلة ومتكررة مع رؤساء الجامعات وعمداء شؤون الطلبة فيها.
لكن في نفس الوقت منظومة التحديث السياسي ما زالت تخضع للكثير من العوامل الضاغطة والكابحة وتأثيرات مختلفة ومتنوعة، ومقاربات أمنية، تعاكس وتعارض رؤية واستراتيجية الدولة بممارسات لبعض مراكز القوى، التي أرسلت رسائل عكسية وسلبية ومتناقضة للمجتمع ولمطبخ القرار، تفقد الثقة والأمل باستعادتها، بالمنظومة كلها وتجهز على ما تبقى من مصداقية "السيستم" وتسيء للنظام.
ومثال ذلك إعادة بعض الحرس القديم بثوب سياسي جديد، على مبدأ: خياركم في الجاهلية، خياركم في الإسلام.
وتفريخ العديد من الأحزاب على عكس المراد من قانوني الأحزاب والانتخاب بوجود تيارات سياسية واضحة الرؤى والفكر والتوجه، تمثلها أحزاب محدودة تتنافس فيما بينها.
ودخل المال السياسي اللعبة من شراء الذمم والأبواق والمنصات الإعلامية، مما يسيء للتجربة كاملة ولا تفرز النخب السياسية والفكرية بعدالة.
لكن لا زال الأمل موجودا ومعقودا نظرا للجدية الحقيقية لمطبخ القرار لإزالة التشوهات وإعادة ضبط المدخلات من جديد
وبعد عام على إطلاق منظومة التحديث السياسية، يجب على مطبخ القرار إعادة تقييم التجربة ووضع مؤشرات قياس KPIs جديدة ومحدثة وحقيقية وواقعية تأخذ بعين الاعتبار مسار التجربة ومدخلاتها المشوهة والخاطئة،
وفي الوقت نفسه على الدولة ومطبخ القرار أن يفكر جديا بوضع حدود منظمة لتدخل مراكز القوى، وتعيد ترتيب وهيكلتها، حتى لا تربك خطط الدولة وبرامجها، وحتى لا ترسل رسائل عكسية ومتناقضة للمجتمع، وايضا يجب أن تعمل على توعيتها وإدماجها في اولويات الدولة ورؤيتها لعملية الإصلاح السياسي والاقتصادي والاداري، لانتقال سلس وآمن للوصول إلى ديمقراطية حقيقية كاملة وأنموذجا لدولة حديثة ومتقدمة.