نابشو النفايات في الزرقاء..مهنة يتسابق عليها تجار وسماسرة

الرابط المختصر

15 شاب لا يتجاوز عمر الواحد فيهم 25 عاماً، يجمعهم الفقر وتشتتهم الظروف، وعنوانهم الحالي..مكب النفايات جنوب شرق الزرقاء.نبش النفايات
"الكثير من الشباب عملوا في المكب، وأزعمهم وأكثرهم صمودا لم يبق سوى شهر واحد". لذلك فالخمسة عشر العاملون الآن في المكب ما هم إلا "جبل المحامل".

"أي شيء يخرج معنا نلمه: بلاستيك، ألمنيوم، نحاس، حيث نجمعها ونبيعها، والمتعهد يتولى أمر البيع"، وعلي 18 عاما يأخذ يوميا أجرة تصل إلى 8 دنانير، ويبدأ عمله من الساعة السادسة صباحا حتى الرابعة عصرا.

إلا أن أجرته غير ثابتة، فهي تعتمد "على ما أجده يوميا بين أكوام النفايات"، أما أحمد 20 عاما يعمل في المكب منذ أربعة سنوات، ولم يتعرض لأي تلوث أو إصابة عمل، رغم الأدوات الطبية المتناثرة من حولنا، يقول بصلابة "هذه رزقتنا اليومية".

لا يوجد تعب أو معاناة في عملكم؟ نسأله
"لا، عملنا متعب كأي عمل آخر فيه تعب".

نابشو النفايات والربح اليومي
ويعمل 15 شابا في مهنة قد يصطلح على تسميتها بـ"نابش النفايات" حيث يدير عملهم متعهد، ويعمل على أخذ ما يجدونه قيماً، ويقوم ببيعه عبر سماسرة وتجار، جانيا أرباحا كبيرة، وفي آخر كل شهر "وإن أحبوا الشباب" يقبضوا أجورهم أو بشكل يومي.

والشاب أحمد يقول إن سلامتهم الصحية تعتمد على القدر، ويقلل من المخاطر التي قد يتعرضون لها، "من يريد العمل، فليرتدي الكفوف، فلا أحد يمنعه، ولا مشكلة لدينا حول ذلك، لكن لا أحد يريد لبسها"، ويضحك ومن معه من الشباب الذين تجمهروا.

ضريبة على النفايات
نبش النفايات ليست مهنة يمكنك العمل بها بسهولة، فهي أصبحت ساحة يدخل فيها رجال يتاجرون بأكوام النفايات عبر طرح عطاء ويدخل في مزاد علني، ومن يفز به يقوم بتجيش شباب عاطلون عن العمل ليعملوا على لم وفرز النفايات الصلبة ووضعها في أكياس، ويكون هنا على المتعهد بضمان سنوي يصل إلى 31 ألف دينار يدفعها لإدارة المكب لتسمح لهم بالنبش، ومع إعطاءه رواتب للشباب.

أما ما يمكن فعله بالمواد الصلبة، فهي تباع لتجار يقومون بدورهم بالاتجار بها، وهنا يعاد تدويرها مرة أخرى للاستعمال.

والمكب يقع على مساحة أرض تقدر بـ100 دونم، مجاورة لمدينة الزرقاء، في منطقة تعرف بحي المصانع قرب جسر الكلية، جنوب شرق الزرقاء، حيث تعمل البلدية على إنشاء محطة تحويلية، بمدة زمنية تستغرق سنة واحدة كي تجهز "ويكون العمل فيها آليا".

وتطوير المكب إلى محطة تحويلية يأتي في إطار إغلاق المكب القائم بين الزرقاء وعمان، بمبلغ قدره القائمون بربع مليون دينار أردني، ومع آليات وشاحنات تصل تكلفتها بربع مليون دينار أخرى، ومع تزفيت الطريق الواصل إليها بربع مليون..ليكون المجموع مليون دينار أردني.

وأرض المكب ما هي إلا هدية مقدمة من الجيش إلى بلدية الزرقاء، "لأن المحطة القديمة تشكل مكرهة صحية كبيرة في المنطقة، وهذه المحطة ما هي إلا لتلبية حاجة المدينة المتزايدة لضبط مخلفات الاستعمال اليومي" يقول مدير العلاقات العامة والإعلام في بلدية الزرقاء، صادق الحاج. "وأرض المكب تابعة للجيش وهو مشكور بهذه الهدية".

"حتى النفايات عليها ضريبة" يقول أحمد ساخرا من هذا الحال. حيث يعمل 24 ساعة، أما محمد عدوي 24 عاماً يبرر ساعات عمله الطويلة بالقول: "لأني أبيت في مكان العمل، فهناك براكّية صغيرة أنام فيها". وما حاجة محمد للنوم إلا "لحراسة البضاعة التي نجدها، ولأختصر معاناة المواصلات".

الطريق إلى المكب غير سهلة فلا توجد مواصلات النقل العام، وتعتمد على تنقلات ذاتية، ومحمد القاطن في الرصيفة يجد إقامته في المكب "بالمريحة". ويقول مضيفا "نحتاج إلى ثلاثة عمال. إذا كنتم تعرفون شبابا عاطلون عن العمل ولا يقرفون من الزبالة فلتأتوا بهم".

عبود 19 عاما، عمل خبازا لمدة سنتين، لم يجد في الخبز قوتا له، لذلك فإن "النفايات، عمل أجني من ورائه دنانير ما كنت يوما أحلم بها".

ولا يفصح عبود أمام الجميع عن ماهية عمله، مختصرا جوابه "تاجر خردة". حيث يقطن كحال عدد من الشباب في مدينة الرصيفة المتاخمة للزرقاء والبعيدة عن المكب "حوالي ساعة إلا ربع". يقول: "نتفق مع باص صغير يأتي بنا للمكب يوميا".

ورغم ملاحظتنا بوجود سيدة تعمل معهم إلا أنها لم تلبث إلى أن اختفت عن الأعين، ولدى سؤالنا الشباب عن وجود فتيات يعملن معكم، نفوا الأمر جملة وتفصيلا!


الأغنياء يزاحمون الفقراء على النفايات
وبالعودة إلى محمد، يقول متباهيا أنه من أكثر الشباب جمعا للمال، "ألحق مبلغ 400 دينار شهرياً، وهذا المبلغ بحياتي لم أحلم بأن أحصل عليه، فالجامعيون في الرصيفة عاطلون عن العمل، وأقول لهم دوما تعالوا معي إلى المكب وارموا شهادتكم الجامعية".

في السابق، كان المتعهد يدفع ثمن تعهده للمكب 15 ألف دينار بالسنة، أما الآن فالحال تغير "النفايات مصدر مهم للرزق وهو ما دل السماسرة والتجار علينا، وهو زاحمنا على لقمة العيش ويهددنا مستقبلا بقطع رزقنا"، ويقول ساخرا.."الأغنياء يزاحمونا نحن الفقراء على النفايات".

وقصة سعيد 20 عاما تتشابه إلى حد كبير مع قصص الشباب، ولكنه يكاد يكون الوحيد بينهم المتعلم، فقد درس تخصص الفندقة في كلية مهنية بالزرقاء لمدة سنة واحدة، يتحدث لنا بسخرية "ماذا أفعل، لا عمل، لا مال، لا طعام، وأهلي يموتون جوعا، والشهادة لم تقدم لي شيئا، رغم أني حاولت مرارا أن أعمل بها، لكني وجدت في النفايات مهنة مثمرة".

وأدوات الشباب في العمل، هي "آلة نبش" وهي عصاة حديد، مبراة في آخرها، حيث يقومون بالاعتماد عليها بنبش الأكياس والبحث عن الخردوات، ثم يأخذ الواحد فيهم قسطا من الراحة، يقوم خلالها بالاغتسال عبر خزان مياه خاص بهم، والاستراحة لمدة لا تزيد عن عشرة دقائق، يتخللها طعام بسيط وهو ما جمعته أمهاتهم أو ما قد يجده بعضهم بين أكوام النفايات من معلبات ومن ثم الجلوس تحت مظلة خيشة برتقالية اللون مهترئة -يبدو أنها كانت من بين النفايات- ..هذا حالهم اليومي.

النفايات إدمان
وقبل مغادرتنا مكان عملهم، نفض أحد الشباب الغبار والصمت عنه، وقال: "سأقول لكم قصة واقعية، وهي أن فتاة كانت تعمل في النفايات وقد تزوجت وسافرت مع زوجها خارج البلاد، وبعد حين تغيرت أحوالها ومرضت جداً، ولم تتعاف إلا بعد عودتها إلى مكب النفايات" ثم علق البقية فيما بينهم "من يعتد على العمل في النفايات يصبح مدمنا" وذهبوا ضاحكين بعد ذلك لاستئناف عملهم.

نحن كما نحن.. والزبالة تغيرت
خالد 35 عاما، يعمل في المكب منذ 15 عاما، وسؤالنا له "ماذا تغير عليك منذ 15 سنوات؟" يجيب "نحن كما نحن لم نتغير، والزبالة هي ذاتها، غير أنها ازدادت وأصبحت ممتلئة بالطعام".

متعهد النفايات: رواتب مجزية ولا حماية
والمتعهد جمال عدوي 35 عاماً، يقول: "قبل سؤالنا عن العمل بين الزبالة، سأقول لكم أن العمل فيها مربح للشباب، وأفضل لهم بألف مرة من العمل في مصنع أو مهنة أخرى، ففي هذه المهن لا يزيد راتب الواحد فيهم عن 100 دينار أو أكثر بقليل لكن هنا في المكب فقد يتجاوز الراتب الـ300 دينار، ولا يحتاج الواحد فيهم إلى جهد بدني كبير أو ذهني".

"ضمان المكبات أصبح مرتفعا"، يشكو جمال، "ولا يوجد لدينا بديل عن هذه المهنة".

ونسأل جمال..ماذا ستعملون حال تشغيل المحطة التحويلية والتي سُتحرق النفايات حال وصولها؟.. "حال تشغيل المحقان ستنقطع رزقتنا، وسنكون عاطلين عن العمل هذا هو الحال".


إدارة المحطة: مسؤوليتنا النصح
أحمد الزواهرة، مدير المحطة التحويلية، يقول إن الشباب يعملون في النبش ضمن اتفاق مسبق مع المتعهد، "وما نستطيع عمله لهم، هو أن ننصحهم بأخذ الحيطة والحذر، من الأدوات الطبية، المتناثرة هنا وهناك، وما ألحظه دوما هو أن بعضهم يتناول أغذية فاسدة تكون داخل أكياس، وهذا ما قد يعرضهم إلى أمراض وتلوث كبير".

من يتعرض لأذية ما، يقوم الشباب بنقله إلى أقرب مستوصف وتتم معالجته، ثم يعود إلى عمله كالمعتاد..على حد قول الشاب محمد، نافياً أن يكون أحدهم قد تعرض لحادث ما.

"لا نستطيع أن نكون أوصياء عليهم". يقول الزواهرة وهو يستمع إلى أحاديث الشباب معنا "نحن ننصحهم دوما بتوخي الحذر".

تنتج المحطة 500 طن يوميا
وحال تشغيل المحطة ستقوم بضغط النفايات وترحيلها إلى مكب الغباوي والذي يبعد عن حدود بلدية الزرقاء مسافة لا تقل عن 40 كيلو متراً، وهنا يعلق أحد الشباب العاملين "عندما تعمل المحطة، سنتشرد من جديد، ونعود إلى الشوارع لا عمل لنا ولا لقمة طعما نعيش فيها".

ويقول مدير العطاءات في بلدية الزرقاء م . يوسف كتانة أن "الزرقاء تنتج من 300 – 400 طن نفايات يوميا في الشتاء وما يزيد عن 500 طن يوميا في الصيف، وكانت ترمى في المكب الواقع ما بين الزرقاء وعمان فشكل مكرهة صحية كبيرة إضافة إلى شكاوى كثيرة منه، ثم إن النفايات كانت تنقل مخلوطة إليه، أما الآن فان هذه المحطة تسمح بفرز النفايات ضمن إمكانيات بسيطة ومن ثم تنقل الى مكب الغباوي".

"هذه المحطة وبالإضافة لحل مشكلة نظافة المدينة والتخلص من الفضلات اليومية أوجدت ما يزيد عن 15 فرصة عمل لأبناء المدينة يعملون في فرز النفايات"..والحديث لكتانة.

"وتطرح البلدية وبشكل سنوي عطاء فرز النفايات أمام المتعهدين والشركات الراغبة بقيمة مالية تتجاوز 300 الف دينار، اخذين بعين الاعتبار أن تكلفة نقل الطن الواحد من النفايات تساوي 365 قرش".

وحال تشغيل المحطة التحويلية، سينقطع عيش عشرات الشباب، يعلق كتانة "هم من مسؤولية المتعهد وهذه أرزاق، لا علاقة لنا بهم".

أهالي الزرقاء يأكلون والشباب يبحثون عن قوتهم بين الأكياس السوداء، فلا الروائح الكريهة تثنيهم عن عملهم، ولا الظروف الصعبة تمنعهم من الوقوف أمام عمل دخل حديثا إلى قاموس الشباب في الزرقاء المدينة الأكثر فقرا وكثافة في السكان بين المدن الأردنية.

أضف تعليقك