مواهب غير مرئية: وصول الشباب من ذوي الإعاقة إلى الفنون مقيد

الرابط المختصر

إبراهيم شوباش، 24 عامًا، يعيش في العاصمة الأردنية عمان، ويمتلك موهبة العزف الموسيقي منذ الطفولة. فقد القدرة على البصر كليًا عام 2015، وحاول تطوير موهبته سمعيًا منذ أن كان طفلًا في المدرسة، مستمتعًا في الحصص الموسيقية التي تدرب فيها على حفظ الألحان وعزفها، إلى أن احترف العزف الموسيقي على آلة الأكورديون.

 

بدأ شوباش بشغف، بالمشاركة في المراكز والمسارح الثقافية في الأردن، كانت أولى مشاركاته في المركز الثقافي الملكي في العاصمة الأردنية عمان، والأخرى في مهرجان جرش الثقافي، يصف لنا شوباش المشهد بالقول: نحن كأشخاص من ذوي الإعاقة البصرية، لا نستطيع الحركة على المسرح ولا داخل المبنى، بسبب المعالم المبهمة، وعلينا أن نستعين بأشخاص مبصرين للتجول داخل المبنى، والقيام بالأداء الموسيقي.

 

تكشف لنا هذه القصة عن مدى تهيئة المراكز والمسارح الثقافية في الأردن لذوي الإعاقة، وإمكانية الوصول إليها للمشاركة في الفعاليات والنشاطات الثقافية، وعن الحقوق الثقافية القانونية لذوي الإعاقة.

 

يقول شوباش: إن من أساسيات الشخص الذي لديه إعاقة بصرية، أن يتحرك وحده دون مساعدة أشخاص آخرين، وأن التهيئة بالمراكز والمسارح الثقافية ليست بالمستوى المطلوب لذوي الإعاقة. "المبنى ما يكون فيه عوائق في منتصف طريق المار، الجدران يكون مكتوب عليها بلغة بريل، السهم هذا وين ممكن يوديك، أبواب الغرف شو مكتوب على الباب نفسه، كبسات الأسانسير يكونوا محفورين بريل، عشان الكفيف يقدر يقرأ وين يروح" يقول شوباش.

 

 ضعف الوصول، حاجز أمام تطوير الموهبة

 

الحال ليس بشكل أفضل لدى أحمد أبو ريان، 33 عامًا، من ذوي الإعاقة الحركية، وصانع محتوى، يسكن في محافظة الزرقاء، يقول: "بدك تنزل المدرج كامل يمكن 500 درجة، وبس توصل تحت، والخشبة تبعت المسرح اللي عليها العرض ما بتقدر تطلع عليها، بدك كمان يحملوك، تكسرت وتبهدلت.".

 

يتبع أبو ريان شغفه في صناعة المحتوى، ويعمل على تطوير موهبته الفنية على نحو مستمر، من خلال المشاركة في التدريبات والأنشطة في المراكز والمسارح الثقافية. تقدم أبو ريان بداية عام 2024 لدورة تدريبية مجانية في المجال الفني والمسرحي، في احد مسارح العاصمة الأردنية عمان، اجتاز أبو ريان المرحلتين الأولى والثانية، وتأهل، وتأهل للمرحلة الثالثة التي كانت في مقر المسرح، وهي عبارة عن تقديم أداء مسرحي فوق الستيج، لكن وقتها كانت المفاجأة، في عدم تهيئة المكان لذوي الإعاقة كما يقول أبو ريان: "ما قدرت أطلع على الرصيف، الرامبة مسكر عليها بالسيارات، لما جيت أطلع أول باب من بره عليه درج، ومن جوا ما في طريق غير مهيأ، أخذوني من بوابة الطوارئ، لما دخلت اكتشفت أني أنا في المسرح من فوق بدي أنزل المسرح كامل، وبس توصل تحت ما في خشبة يعني بدك يحملوك كمان درجة."

 

كانت هذه الدورة التدريبية غير المدفوعة، حاجزًا أمام تطوير موهبة أبو ريان الفنية في الأداء المسرحي، بسبب عدم تهيئة المسرح لذوي الإعاقة الحركية، يقول أبو ريان: "بدي اروح ادفع 1500 دينار ثمن دورة في مكان آخر، يكون مهيأ لذوي الإعاقة."

 

قانون خارج التطبيق

 

المادة 38 من قانون حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة رقم 20 لسنة 2017، تنص على أن "على وزارة الثقافة الأردنية بالتنسيق مع المجلس الأعلى لذوي الإعاقة، وخلال 5 سنوات من تاريخ نفاذ هذا القانون، القيام بتطبيق إمكانية الوصول إلى المراكز والمسارح والفعاليات الثقافية، لذوي الإعاقة والمشاركة بها، والاستفادة منها. "

 

بحسب المحامية المختصة في حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة، الدكتورة تقى المجالي، فإن هذه المادة القانونية تتعلق بشكل أساسي بالحقوق الثقافية لذوي الإعاقة، كحق من حقوق الإنسان، وهناك مجموعة من المسؤوليات الملقاة على عاتق وزارة الثقافة، فيما يتعلق بتطبيق إمكانية وصول ذوي الإعاقة إلى المراكز والمسارح والمشاركة في كافة الفعاليات والنشاطات الثقافية.

 

وقالت حول أهمية تطبيق المادة المذكورة، سواءً بلغة الإشارة للأشخاص ذوي الإعاقة السمعية، أو بطريقة بريل للأشخاص ذوي الإعاقة البصرية، أو بصورة مبسطة للإعاقة الذهنية، وإلى ضرورة التهيئة كونها داعمة لذوي الإعاقة، وعلى المجلس الأعلى أن يعمل على تعزيز التواصل والتنسيق مع الجهات الحكومية والخاصة، على حد سواء، حتى تقوم بدورها الفعال في تهيئة الأماكن الثقافية بشكل ميسر، وتعزيز اندماجهم في المسارح والمراكز والأنشطة الثقافية.

 

"طبعًا التحديات، عندما نتحدث عن التهيئة البيئية، فنحن نقصد بذلك أن الأماكن والمراكز الثقافية والمسارح، هي غير مهيئة حتى يدخل الأشخاص ذوي الإعاقة إليها، سواء كانت إعاقة حركية مثلًا ما في رامبات، سواء كانت إعاقة بصرية ما في دعم أرضية أو أضواء خافتة، أو مثلًا درجة ملونة، يعني لا يوجد تهيئة بيئية في أغلب الأماكن الثقافية كما في أغلب المباني أيضًا التي تقدم خدمات للجمهور" تقول المجالي.

 

 يقتصر دور المجلس الأعلى في تطبيق القانون المادة 38، على الرقابة والتنسيق ورسم السياسات مع وزارة الثقافة الأردنية، لغاية تهيئة الوصول إلى المراكز والمسارح الثقافية. الناطق الإعلامي للمجلس الأعلى لذوي الإعاقة الأستاذ رأفت الزيتاوي، يقول حول نسبة الإنجاز في تطبيق القانون إنها ما زالت في البداية، رغم مرور فترة زمنية ما يقارب خمس سنوات من صدور القانون.

 

"في عام 2020 أطلقت الخطة العشرية لتصويب أوضاع المباني والمرافق العامة، التي يجب أن تكون مهيئة خلال عشر سنوات، ومن ضمنها مسارح في دور السينما، ونحن نعمل على تهيئة بعضها، لكن للآن غير كافية لدمج الأشخاص ذوي الإعاقة، بطريقة مكتملة" يقول الزيتاوي.

 

وفق ما أشارت آخر إحصائيات من قبل دائرة الإحصاءات العامة، عام 2015 أن 11.2 من سكان الأردن، مما يعني 1,200,000 شخص لديهم نوع من الإعاقة..

 

 نسبة إنجاز خجولة، بعد خمس سنوات

 

كما أشار القانون أن وزارة الثقافة الأردنية، الجهة المسؤولة عن تنفيذ المادة 38 من قانون حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة، يقول الدكتور سالم الدهام مدير الدراسات والأبحاث في وزارة الثقافة الأردنية: قمنا بتهيئة جميع المراكز والمسارح الفنية في عدة محافظات منها الزرقاء وإربد والكرك وعجلون، من حيث توفير المداخل الخاصة لذوي الإعاقة.

 

لا يوجد لدى وزارة الثقافة الأردنية نسبة توضح حجم الإنجاز في تطبيق القانون، وأن ذلك يحتاج إلى دراسة لمعرفة وتقييم الأثر لكل النشاطات التي تقوم بها وزارة الثقافة، كما يقول الدهام.

 

وأشار الدهام، حول عدد المراكز والمسارح الثقافية، التي عملت وزارة الثقافة على تهيئتها لذوي الإعاقة، منها داخل العاصمة الأردنية عمان (مسرح أسامة المشيني/ المركز الثقافي الملكي/ مركز الثقافي أمانة عمان/ مسرح الجامعة الأردنية).

 

ومن المراكز التي أنشئت في المحافظات الأخرى (مركز إربد الثقافي/ مركز الحسن الثقافي الكرك)، ومن المراكز التي قيد العمل عليها (مركز الملك عبدالله في الزرقاء/ ومركز الأميرة سلمى) والمراكز الأخرى يجري العمل عليها ضمن خطة عملية لكل المحافظات. وفق ما يقول الدهام..

 

يشير الرسم البياني إلى المسارح الرسمية الموجودة في الأردن التابعة إلى وزارة الثقافة وعدد الفعاليات خلال 2021-2023، ما يقارب 16-18 فعالية في كل عام.

 

 

 

 

توجهنا بسؤال إلى وزارة الثقافة، عن الميزانية المرصودة التي خصصت خلال خمس سنوات من تفعيل القانون، يقول الدهام إن الموازنة العامة ترصد مبالغ للفعاليات والنشاطات والبرامج الثقافية، ولا تحدد برامج أو مبالغ مخصصة لذوي الإعاقة. لكن الوزارة تخصص جزءًا من هذه البرامج بما يحقق ويلبي احتياجات فئة ذوي الإعاقة في المجتمع.

 

يبلغ عدد المسارح الرسمية والخاصة الموجودة في العاصمة الأردنية والمحافظات الأخرى ما يقارب 21 مسرحًا، وما يزال شوباش وأحمد أبو ريان وكل شخص من ذوي الإعاقة في الأردن، المهتمين بالمجال الثقافي والفني، يأملون أن تكثف الجهود الحكومية، حول تطبيق المادة 38، في تهيئة المراكز والمسارح، وتعزيز الحقوق الثقافية لهم.

 

هذا التقرير أنتج بالشراكة مع المجلس الأعلى لحقوق الأشخاص ذوي الإعاقة

 

أضف تعليقك