من يستعد للزلزال؟

من يستعد للزلزال؟
الرابط المختصر

يبدي خبراء جيولوجيا تخوفهم من الإمكانيات الوطنية المتاحة لمواجهة الزلازل فيما لو وقعت؛ فتواضع التاريخ الزلزالي للمنطقة لا يشفع "من عدم الاكتراث".والأمر الأكثر كارثة وفق عدد منهم يبدأ من "جهل المواطن" وعدم إدراكه حول الأسس والكيفية التي سيتعامل معها حال وقوع الزلزال، وما يتعداه خطورة هو البناء غير المتوافق ومعايير السلامة العامة والوقائية من الهزات على اختلاف درجاتها.

المنسق الوطني لمشروع (بناء قدرات وطنية لتقليل أثر الخطر الزلزالي لمدينة عمان) سعود القرعان، لا يجد "ثقافة" عند المواطن "في كيفية التخفيف من  مخاطر التعامل مع المخاطر الطبيعية" بالتالي فغياب هذا يعزز من حجم الكارثة والمشكلة تتعداه لتصل إلى "غياب تلك الثقافة عند صناع القرار"..
 
مشروع (بناء قدرات وطنية لتقليل أثر الخطر الزلزالي لمدينة عمان) انطلق بتاريخ 1-4-2007 لأجل تطوير هيكلية لسياسة تقليل الخطر، وإدراج هذه السياسة في عملية إدارة وتطوير المدينة، وتطوير الكوادر العاملة في إدارة المخاطر من أفراد ومؤسسات وزيادة الوعي والتشاركية للتقليل من مخاطر الكوارث. 
 
"نريد أن نعرف قيمة الخطر الذي قد نعاني منه لأجل التخفيف من حجمه حال وقوعه" على ما يقوله القرعان.
 
"عند بداية المشروع دعونا جميع المؤسسات المعنية بإدارة الكوارث في الأردن؛ من بينها الأمن العام وزارات الأشغال العامة والصحة والجيش والمركز الوطني لإدارة الأزمات، نتكلم عن 22 جهة رسمية، هم أعضاء في اللجنة الاستشارية للمشروع، وينطبق الحال مع هيئات أخرى غير رسمية مثل الهيئة الخيرية الهاشمية، والهلال الأحمر الأردني والمنظمات غير الربحية"..كل ذلك لأجل خلق وفق القرعان "لأجل خلق وعي لدى المؤسسات لدينا وضرورة الابتعاد عن المناطق التي قد يحدث بها نشاط زلزالي وعدم تشيد المدارس والمؤسسات الخدمية فيها"..هنا يكمن المشروع مع المؤسسات الحكومية في كيفية "البناء" في الأماكن الأقل خطورة.
 
وتصل ميزانية المشروع إلى 600 ألف دولار؛ 200 ألف منها مقدمة من الحكومة الأردنية وباقي المبلغ على شكل منحة خارجية جاءت بإشراف من الأمم المتحدة والوكالة الدولية للإنماء. ينتهي المشروع مطلع عام 2009.
 
بموجب قانون "البناء الوطني الأردني" أصبح التدقيق الفني على التصاميم والمخططات الهندسية وفق كودات البناء الوطني "إجباريا" ومن ضمنها كودة المقاومة للزلازل.
 
كودات..
مجلس البناء الوطني، يعتبر "رقيبا" على المنشآت وعليها أن تراعي شروط البناء وتطبيق كودات البناء وتحديدا تلك المتعلقة بخطر الزلازل..وتأسس المجلس عام 1993 ويترأسه وزير الأشغال العامة وفي عضويته كل من نقابتي المهندسين والمقاولين. وما التزام "المهندسين" بتطبيق الكودة، سوى للتخفيف من وطأة المخاطر.
 
يقول مساعد المدير العام لإدارة مساحة الجيولوجيا في سلطة المصادر الطبيعية، درويش جاسر، ان على نقابة المهندسين أن تبادر وأن تكون على قدر من المسؤولية من حيث ضمان تطبيق كودة الزلازل. 
 
وتهدف "كودة البناء" التقليل من أخطار الزلازل وحماية المنشآت والتصميم الاحترازي لكافة المنشآت والأبنية في الأردن، "يجب أن يكون هناك خطة متدرجة للبناء، حسب الارتفاع التصميم المواد وكذلك المنطقة التي يقع فيها ونوعية الأرض".
 
تخفيف خطر الحوادث يكمن عن طريق تطبيق الكودات المناسبة في البناء..وتنبيه الناس وإخلاءهم كي لا تكون هناك من خسائر بشرية..وفق ما يقوله نجيب أبو كركي أستاذ علم الزلازل الجيوفيزياء في الجامعة الأردنية. فيما عبد الله عبيدات، نائب نقيب المهندسين يقول إن النقابة تشدد على إلزامية إنشاء أي مبنى من حيث "التصميم، الإشراف والتنفيذ" وتطبيق كودة البناء المقاومة للزلازل هي "أساس لا نتجاوز عنه" ومن خلال لجنة الكودات التابعة لمجلس البناء الوطني تعمل النقابة على إلزام المكاتب الهندسية بالتقيد بها".
 
ويكمن الإشراف الهندسي عن طريق "الاستحقاق الكامل لجميع المبالغ المطلوبة..والتي لابد من استيفاء ما هو مطلوب وشهادة المطابقة وإذن الأشغال يعطى لمن يطابق بشهادة مختوم من قبل النقابة".والحديث لعبيدات.
 
تشكيلات..
الدفاع المدني، هو الجهاز المخول بحكم القانون التعامل المباشر مع الظروف الطارئة والكوارث، وهنا يتشكل المجلس الأعلى للدفاع المدني، المشكل من: وزير الداخلية وجهاز الأمن العام ونائب رئيس جهاز الدفاع المدني وممثلين عن كل وزارات المعنية بالإضافة إلى ممثلين عن القطاع الخاص.
 
ويعتبر نقيب الجيولوجيين الأردنيين، خالد الشوابكة، أن الأردن "غير مؤهل" عند وقوع الكوارث، "لا يوجد لدينا خطة متكاملة عند وقوع الكوارث". مطالبا بتشكيل لجنة متخصصة مكونة من نقابتي "الجيولوجيين" و"المهندسين" ووزارة الداخلية لدراسة أوضاع المساكن "ولإيجاد آلية تطوير المباني القديمة من خلال ترميمها وتحديد المناطق التي قد تشهد نشاطا زلزاليا ولا نكتفي فقط بالدراسة"، لكن الحكومة برأيه "لا تتخذ الموضوع على محمل الجد".
 
الشوابكة يعتبر عدم وجودهم في لجنة الطوارئ المشكلة من قبل وزارة الداخلية يؤسس لعلاقة "غير جدية"..هل يجب أن نتحرك إلا عند وقوع الكارثة هل نحن مهيأين كمؤسسات ومجتمع!!
 
بالمقابل، يستعرض المقدم مروان بدر، مدير دائرة الأزمات في جهاز الدفاع المدني، المراحل التي يقومون بها ضمن الخطة الوطنية الشاملة الصادرة عن المجلس الأعلى للدفاع المدني، "المرحلة الأولى ما قبل وقوع الكارثة وهي الاستعداد، الثانية أثناء وقوع الكارثة وتسمى مرحلة الاستجابة، والثالثة ما بعد الكارثة وهي مرحلة إعادة البناء".
 
الدفاع المدني شكل ثلاث مجموعات أطلق عليها "إنقاذ وإسناد" مزودة بالمعدات المناسبة للتعامل مع كل الحالات، بالإضافة إلى طرح الدفاع المدني "خدمة الإسعاف المتنقل" العام الماضي.
 
لكن نقيب الجيولوجيين غير متفائل،"علينا ان لا نغمض أعيننا عن تاريخ منطقة البحر الميت وغور الأردن". بالتالي فالجهود يجب أن تكون أكثر من مؤسسات "تدرس وتشكل لجان فحسب".
 
"المهندسين" اصطدمت مع "البلديات" فالأخيرة وفق نائب النقيب المهندسين تتجاوز تطبيق الكودات وتخالف القوانين التي تلزم النقابة بها المنشآت.."بدعوى أنها لا ترى داعي لإلزامية ما تدعّيه النقابة..وتقوم بترخيص مباني للمواطنين بعدم الممانعة، متجاوزين شروط الكودات وبدون مخططات هندسية حسب الأصول".
 
ردا على تقوم به "البلديات" فقد قامت نقابة المهندسين بتوجيه إنذارات عدلية للبلديات المخالفة إلا أن الحاصل "إصرار" من قبل بعض البلديات وتحديدا بلدية الزرقاء على تجاوز القوانين "بحجة مساعدة الفقراء".
 
ومن التحديات التي تواجه قطاع الإنشاء وفق كودات الزلازل، هو ارتفاع تكاليف تطبيقها بسبب تعاظم أسعار المحروقات الأمر الذي يزيد من وطأة التكاليف على المستثمرين؛ فالمبنى الواحد ضمن شروط الكودة يحتاج إلى أضعافا مضاعفة من الجدران والحديد.
 
"علينا أن نحد من زيادة البناء في مناطق عمان الشرقية" هذا ما يراه عبيدات مناسبا للتخفيف من حجم المباني التي تشييد في شرق عمان المصنف ضمن المناطق المتاخمة لحفرة الانهدام، لكن "علينا أن نشجع المواطنين على عدم زيادة ارتفاعات المباني فيها..خاصة في ظل ارتفاع الأسعار والتكلفة الكبيرة في حال البناء..هي مرحلة صعبة ولا يتحمل المواطن الأعباء لنفسها".
 
لا منأى عن الزلازل
القرعان، يسرد ما حصل عام 1927 وما سجله التاريخ من زلزال مدمر وقع في الأردن وفلسطين وذهب ضحيته 500 مواطن "كانت قوته 6,2 حينها كان عدد سكان آنذاك 20 ألف نسمة، حاليا 2 ونصف المليون بالتالي هنا لو عقدنا المقارنة، بالتالي يكون عدد الضحايا أضعافا مضاعفة، "نظرا لضيق المنطقة، فالزلزال سيأتي على مناطق أخرى، ولأن مصدر الخطورة الزلزالية سببها صدع التحويل الأردني الممتد من جنوب خليج العقبة حتى الحدود الشمالية في سوريا، عند التقاء جبال اوروس في تركيا، هذا يدلل على إمكانية وقوع الزلازل".
 
"بإمكاننا أن نتغلب على الكوارث الطبيعية وعبر التخفيف من وطأتها، لكن إذ ما تحدثنا عن زلزال كبير فهو سيدمر الاقتصاد ومن هنا علينا أن نكون على قدر وحجم الكارثة"..بذلك يعتبر سعود القرعان أن المشروع جزء من ما قد يكون "طرفا مخففا" على الحكومة حال وقوع الزلزال.
 
ويعتقد القرعان أن الشواهد المجاورة للأردن تدلل على وقوع كوارث محققة للمنطقة العربية "كالإعصار الذي حدث في عُمان بداية عام 2007 ، وقدرت خسارة الاقتصاد العماني بعشرة مليار دولار وهذا مبلغ كبير جدا ولا يحتمله الاقتصاد الأردني لو حصل عندنا، وفيما لو كان لعُمان نفس المشروع لكانت خسائرهم أقل".
 
عند وقوع الكوارث جراء الزلازل المدمرة لابد من التحرك السريع، وفي أثناء وقوعها في مدن إيرانية وتركية قبل عدة سنوات، استدعى نقابة المهندسين الأردنيين إلى "اتخاذ جملة الإجراءات" خارجة عن صمتها داعية إلى ضرورة، تطبيق كودات البناء الخاص ومن بينها كودة الزلازل بوصفها المسؤول عن تدقيق المشاريع الهندسية للقطاع الخاص"..وفق ما قاله نائب النقيب عبدالله عبيدات.
 
أين شرق عمان!
وتتمركز الكثافة السكانية في الأردن بالعاصمة عمان وتمتد باتجاه الشمال، وهذه البقعة تقع بمحاذاة مصدر "الخطورة الأردني" الذي هو الصدع التحويلي والمعروف بمنطقة غور الأردن.. يشير سعود القرعان إلى أن "طبيعة البناء في الأردن" متينة بفضل الاسمنت المسلح وطبيعة الأرض الصخرية بينما في مناطق عمان الشرقية فنوع البناء لا يتواءم مع الكودات بالإضافة إلى الكثافة السكانية مرتفعة وهنا تكون الكارثة. 
 
قبل فترة شعر سكان مناطق في الزرقاء بهزة قوية دامت خمس ثوان قام على إثرها هرع العديد من المواطنين بالخروج من مبانيهم..
 
والزرقاء تشكل مصدر خوف آخر لدى المختصين"لأنها منطقة كثافة سكانية عالية وطبيعة البناء غير متينة"..كما يقول القرعان والحكومة تقوم الآن بتشييد مدينة الملك عبدالله خادم الحرمين الشريفين وستأوي قرابة 370 ألف نسمة "عليها من الآن مراعاة كودات الزلازل وشروط السلامة العامة".
 
"جهاز لوحده غير قادر على استيعاب الكوارث"..وفق المقدم مروان بدر، مدير دائرة الأزمات، في جهاز الدفاع المدني.
 
ويوضح م. درويش جاسر، أن "منطقة البحر الأحمر هي مفتوحة على الصدع التحويلي وهذه المنطقة تحدث بها الزلازل وتنتج طاقة وتتحول إلى بلوكات أخرى..والمنطقة الثانية هي وادي عربة، وتتحول الطاقة المتراكمة في منطقة البحر الميت، وبدرجات متفاوتة، كلما اتجهنا إلى المناطق الشمالية تكون الطاقة المخزونة أكثر والتراكمات أكبر، بذلك ينتج زلزال نتيجة تراكمت أكبر".
 
نجيب أبو كركي يوضح أن "الطاقة الزلزالية" متراكمة، بالتالي فلا بد من "تفريغ" تقوم به من فترة إلى أخرى، إلا ان نوع الحركة لا يتصادم في المنطقة العربية. أما الشدة الزلزالية فتترك آثارا مدمرة، ضاربا أبو كركي مثلا.."زلزال أغادير سنة 1960 كانت قوته 5,7 وهذا سبب دمارا كاملا للمدينة، والنتيجة مقتل اثنين فقط، وسبب قلة الخسائر يعود إلى الاحتراز".
 
ويقلل درويش جاسر من الهزات التي تحصل باستمرار، "على المرصد لدينا أكثر من 10 هزات أرضية وهي في تناقص ولا يوجد خوف على المواطن في دولنا".      
 
نقيب المقاولين الأردنيين محمد الطحاينة، يؤكد أن عمل المقاولين ينضوي تحت إشراف المهندسين "المقاول حريص على توفر كودة الزلازل ولقد وقعنا مذكرة تفاهم مع أمانة عمان الكبرى وتشتمل على ضرورة تطبيق معايير الكودات ومنها كودة الزلازل"..
 
الآن، تعمل سلطة المصادر الطبيعية مع أمانة عمان الكبرى على تنفيذ  مشروع، تمويله من الوكالة الدولية للإنماء، لدراسة التقسيمات الجغرافية في المدن الأردنية، "ومن هي المدن التي تتحمل الزلازل حال وقوعه" وسيبدأ المشروع من عمان العاصمة..ويعتبر درويش أن الإشاعات التي تسري بين المواطنين "تزيد من حجم الكارثة".
 
بحسب دراسة أصدرتها اللجنة الوطنية لرصد الزلازل فإن "تعرض المملكة لزلازل بقوة 5.5 ـ 6 ريختر سيكون كافياً لتدمير 10 ملايين متر مربع من الشقق السكنية التي يبنيها القطاع الخاص".
 
ثقافة..
القرعان يعتبر أن جملة من الكوارث العالمية جعلت المواطنين "يفكرون" بالكوارث الطبيعية "بجدية"..قائلا: "زلزال 2004 الذي حصل في اندونيسيا راح ضحيته 200 ألف، دفع الناس للتعرف والبحث في المخاطر الناتجة عن الزلازل، أتمنى أن نخرج عن نظام الفزعة لأنها ليست حلا على الإطلاق".
 
عدم اهتمام المواطنين بكل ما يتعلق بالزلازل ناتج عن اعتدال النشاط الزلزالي في المنطقة العربية "قد" تغري المواطنين على نسيانها والأكثر خطورة "هو نسيان المسؤولين وعدم اهتمامهم" ..هذا ما يقوله نجيب أبو كركي. 
 
لدى الجهات الحكومية "إرادة سياسية" وتمثلت بتشكيل "المجلس الوطني للأمن وإدارة الأزمات" لمساعدة الحكومة في التخطيط لأجل تقليل أثر المخاطر الطبيعية، وتعريف الناس عند حدوث الزلزال على كيفية التصرف وكيف المواطن يبني بيتا مقاوما للزلازل وكيف يعتاد على الاستمرار في الحياة حال حصول الزلازل..ويقول سعود القرعان: "لو نظرنا إلى اليابان سنجد أن الزلزال هو فعل يومي بقوة 5 و6 حسب مقياس ريختر..لكن الشعب الياباني مهيأ للتعامل مع الزلازل، بالتالي هي أكثر دولة قادرة على التعامل مع هذه الحالات"..والكلام لسعود القرعان.
 
أما نجيب أبو كركي يقول: "نحتاج إلى سلوكيات وبناء فكرة احتراز وتأتي شيئا فشيئا..تثقيف الناس مهمة وضرورية". ويبدي المقدم مروان تفاؤلا من المواطنين ومن خلال تواصلهم معهم في الدورات "التي يقوم بها جهازنا في المدارس لدورات يشارك فيها طلبة ومدرسين بالإضافة إلى نشرات متخصصة في إدارات الكوارث"..
 
وكانت وزارة الأشغال العامة قد أطلقت حملة إعلامية لأجل "توعية المواطنين" وتعريفهم بمدى أهمية تصميم وتأهيل منشاتهم لمقاومة أفعال الزلازل وبإجراءات السلامة العامة الواجب إتباعها عند حدوث الكارثة عبر وسائل الإعلام المرئية والمسموعة والمقروءة.