من يحكم علاقة المواطن برجل الأمن؟
بدأ جهاز الأمن العام ومنذ فترة ليست بعيدة مرحلةً وصفت بـ"الانفتاح" والهدف الأساس تثقيف الشرطي والمواطن على سواء "بناءً لجسور التواصل بما يخدم المصلحة العامة"..
على ما قاله مدير الأمن العام السابق فريق الركن محمد ماجد العيطان في تصريحات إعلامية سابقة.
وإذا كانت مهمة "الأمن العام" منع الجريمة والتعامل مع المجرمين بعد وقوع الجريمة فقط؛ فهي من المؤكد ليست وصفا دقيقا للأمن العام؛ لأنه بالأساس لخدمة المجتمع.
مقتل اثنين!
منذ الانفتاح الأمني وتأسيس مكتب "ديوان المظالم وحقوق الإنسان " بتاريخ 21-7-2005 وثمة شكاوى سُجلت فيه، وصفت بحالات "اعتداء" تورط فيها رجال أمن بحق مواطنين؛ ففي تاريخ 23-2 -2008 أعلن الناطق باسم الأمن العام الرائد محمد الخطيب عن حادثة مقتل شابين قرب مكب الغباوي "كان يقودان سيارة بك آب نوع ديانا قاما بسرقة معدات تابعة لأمانة عمان في موقع المكب، بناءً عليه تحركت دورية نجدة للموقع وقد لاذا بالفرار في مناطق وعرة مجاورة للمكب ولم يمتثل السائق لأوامر سيارة الدورية التي طلبت منه مرارا التوقف..عندها حصل إطلاق أعيرة نارية بالهواء بقصد إخافتهما وإجبارهما على الوقوف، وبعد مطاردة طويلة انقلب البكب..حيث تبين بعدها إصابة الشخصين بأعيرة نارية"..
الشرطي المتسبب بقتل الشابين يخضع الآن للتحقيق من قبل محكمة الشرطة، وسبقها "تشكيل فريق تحقيق للوقوف على ملابسات الحادث"..على ما صرح به الناطق الإعلامي، حيث مضى على وقوع الحادثة ثلاثة شهور، ومنذ تاريخ الحادثة وذوي المتوفين يتابعون مجريات التحقيق الذي خضع الشرطي لمحكمة الشرطة.
ويتعامل رجال الأمن العام مع الأفراد بضبط الأعصاب، ممتثلين للقواعد والأنظمة التي تحثهم على المحافظة على أرواح البشر، محاولين عند وقوع الحدث التقليل من حجم الأضرار والإصابات إلى أدنى حد ممكن.
ديوان المظالم تم ربطه مباشرة بمدير الأمن العام، ويهدف إلى تحقيق أقصى درجات العدالة للمواطن ورجل الأمن العام..لإعطاء الصفة القانونية لهذا المكتب فقد اسند القيام بهذا الواجب لمدعين عامين متخصصين في هذا المجال. حيث ينقسم إلى قسمين: قسم الشكاوى ويحتوي على الفروع: الاستقبال والتحقيق والمتابعة، وقسم التفتيش والمتابعة ويحتوي على فرع التفتيش والتوعية والتنسيق الخارجي.
ويستقبل المكتب شكاوى من مواطنين بخصوص تجاوزات وممارسات خاطئة قد تصدر عن رجال الأمن العام والتحقيق فيها والتنسيق مع مؤسسات المجتمع المدني المعنية بحقوق الإنسان وإجراء عمليات تفتيش دورية ومفاجئة على كافة مرافق الاحتجاز والتحقيق والأماكن التي فيها التعامل مع المواطنين في كافة وحدات الأمن العام.
الرصاص ممنوع
في القوانين الدولية يحرم استخدام الأسلحة النارية القاتلة عن قصد إلا عندما يتعذر تماما تجنبها من أجل حماية الأرواح كما يتم الاشتراط عندما يتحتم استعمال القوة والأسلحة النارية أن يمارس الشرطة المكلفون بإنفاذ القانون ممارسة ضبط النفس في استخدام القوة والتصرف بطريقة تتناسب مع خطورة الجرم والهدف المنشود المراد تحقيقه..وفق أعراف دولية متفق عليها وموقعة عليها غالبية دول العالم.
ويتعين على المعنيين بإنفاذ القوانين عدم استخدام أسلحة نارية ضد الأفراد إلا في حالات الدفاع عن النفس أو لدفع خطر محدق يهدد الآخرين بالموت أو بإصابة خطيرة، أو لمنع ارتكاب جريمة بالغة الخطورة تنطوي على تهديد خطير للأرواح، أو للقبض على شخص يمثل خطرا من هذا القبيل ويقاوم سلطتهم، أو لمنع فراره، وذلك فقط عندما تكون الوسائل الأقل تطرفا غير كافية لتحقيق هذه الأهداف وفي جميع الأحوال.
ويحظر على رجال الأمن العام استخدام العنف المفرط في حالة تطويق أحد الأشخاص يشتبه بتورطه بقضية ما أو للشك به.. لكن هذا الأمر يختلف عند "مصور هاو" كان يرقب ويصور أحداث مباراة الوحدات والفيصلي التي حدثت أوائل نيسان الماضي..فعقب تصويره فرحة الجهور "فوجئت بأحد رجال الشرطة المسؤولين عن ضبط الأمن يدفعني إلى الوراء ويخضعني لتحقيق واجتمع حولي 7 آخرون كالوا لي اللكمات دون سبب يذكر. وجدت شرطي ورائي يجّرني إلى الخلف حيث بدأ يسألني عن مغزى تصويري ثم اتبعها بركلة وبدون سبب ثم اجتمع سبعة آخرين وضربوني بشكل دوري متتالي ولم استطع عندها النطق بأي حرف".
حاول إقناعهم بأنه مصور لكنهم لم يستمعوا له وفق قوله "وقاموا بمسح جميع الصور في الكاميرا وكالوا لي الشتائم من العيار الثقيل ومسوا وطنيتي مجردين من إنسانيتهم".
تعرض لكدمات في أقدامه حيث راجع المستشفى، خاضعا لعلاج بالمسكنات. "وما حصل لي كان مأساة لأني تعرضت لضرب مبرح بدون سبب، فقط كل ما في الأمر هو تصويري لفرحة الجمهور لست مصورا في إحدى الجرائد لأتعرض لهذا الضرب أنا لي وحدي أصور".
يضيف: "ما حصل لي مأساة؛ ولا أعتقد ان لدي ثقة بالأمن العام".
ذلك المصور لا يعلم ان باستطاعته اللجوء للأمن العام وتحديدا إلى قسم شكاوى حقوق الإنسان "ديوان المظالم" والشكوى عن رجال الأمن الذي تسببوا بضربه دون وجه حق؛ معتبرا ان تصوير المباراة كانت آخر مرة له ولن يكررها.
وتختلف ظروف المصور عن سائق السرفيس بسام. فشرطي سير "يقصد إهانته دوماً" على ما يقول.."والشرطي يهينني دوما أمام الركاب. بدون سبب". أما خلدون يعتبر ان "شرطة السير تتعامل مع السائقين كأنهم عبيد عندهم". أما خليل فكان في نفس الشارع الذي قام أفراد الشرطة باعتقال شبان سرقوا مسجل سيارة.."قادوني إلى المخفر وحققوا معي وقام أحد أفراد الشرطة بضربي كفوف على وجهي وبالأخير وبعد عدة ساعات أمروا بإخلائي بعد ان تأكدوا أني غير مذنب".
ضرب وقتل..
ولا تشكل اعتداءات رجال الأمن على المواطنين بالظاهرة فثمة حالات لا بد من التوقف عندها، حيث قيدت تقارير حقوقية معنية بالحريات الصحفية رُصدت حالة "اعتداء بالضرب من قبل رجال الأمن العام على أحد الصحافيين بتاريخ 14/4/2006 " واعتبر الأمن العام حينها أن "الاحتفال الذي قام بتغطيته الصحفي غير مرخص ولا يجوز تغطيته أو تصويره". هذا الحادث اعتبر بسيطا أمام حادثة مقتل مواطن وإصابة آخر في منطقة الشونة الجنوبية في الأغوار الوسطى قبل أقل من عام بعد ان رد رجال الشرطة على هجوم مفاجئ؛ قال مصدر أمني حينها "إنهم تعرضوا له من قبل خمسة أشخاص أثناء قيامهم بحماية الجهات المعنية بتنفيذ قرار الحكومة وقف الاعتداءات على أملاك الدولة". تلك الحادثة التي سُجلت ضمن أحداث شغب عاشتها الأغوار الجنوبية إبان قيام الحكومة السابقة بإزالة اعتداءات المواطنين على ممتلكاتها في حزيران من العام الماضي.
الانتهاكات كبيرة ويسيء بعض رجال الأمن العام لجهاز الأمن العام الأمر الذي ينعكس سلبا على الثقة بين رجال الأمن والمواطنين..وفق ما يقوله نقيب المحامين الأردنيين، صالح العرموطي.
الحقوق الشخصية للمواطنين مصانة ومكفولة بالقانون ولا يجوز ان يوقف أو يحبس أحدا، وقانون العقوبات يعاقب من يحجز الحرية الشخصية. كما يقع على عاتق رجال الأمن مهمة الحفاظ على أمن البلد ومنع الجريمة وقسم منهم ضابطة عدلية ويتقصى الجريمة والتنسيق مع المدعي العام.
وترد لنقابة المحامين الأردنيين شكاوى عن ممارسات سلبية من رجال الأمن العام تمثل خرقا لحقوق الإنسان، حيث التقت نقابة المحامين على إثر ذلك مدير الأمن العام لأجل الاتفاق على آلية تضمن وضع حد للإشكالات التي تقع بين المحامي ورجل الأمن وبين المواطن ورجل الأمن.
وسبق لمديرية الأمن العام وان أحالت بعض رجالها لمحكمة الشرطة حيث أصدرت أحكاما بحقهم لكنها برأي العرموطي "غير كافية" ولا تزال الشكاوى والاعتداءات وانتهاك كرامة الإنسان موجودة وفق قول العرموطي، "عند زيارة مراكز إصلاح وتأهيل ومراكز الأمن ينظروا إلى المواطن على انه من عالم آخر حيث تنتهك حقوقه ويعتدى عليه وكأنه متهم ابتداءً والمتهم بريء حتى تثبت إدانته ويتعاملوا معه بلا إنسانية وقد استشرت في مجتمعنا ولا بد من وقفها".
ووقع الأردن على جملة اتفاقيات دولية في مجال حقوق الإنسان أهمها العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية والعهد الدولي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والاتفاقية الدولية لمناهضة التعذيب والميثاق العربي لحقوق الإنسان.
وقفة تقييم
وما تم تعديله في المادة 208 من قانون العقوبات نصت صراحة على جريمة التعذيب وشددت العقوبات عليها وعُممت على كافة مرتبات الأمن العام..وإذا طلب من الشخص مراجعة الجهة الأمنية في أي قضية فتصدر مذكرة "حضور" وليس "إحضار أو جلب" ويوضع في النظارة لفترات طويلة "وكثير من الأشخاص ماتوا في مراكز الإصلاح والتأهيل..يتعامل بعض رجال الأمن بطرق تفتيش بصورة غير لائقة..العرموطي يلفت إلى الكثير من المحامين "حينما يذهبوا لمراجعة مراكز الأمن يتعرضون لاعتداءات ويحال إلى المحكمة، من واجب مديرية الأمن العام ان تحد من هذه المظاهر".
ولا يعتبر جميل النمري، رئيس الهيئة الأردنية للثقافة الديمقراطية، ما حدث من ممارسات ارتكبها بعض رجال الأمن بحق مواطنين بالظاهرة "فهي حالات محددة، وقصة قتل مواطنين كانت ضمن ظروف وملابسات، ولنعرف المنحنى العام واتجاهاته أكانت إيجابا أو سلبا خلال الفترة الماضية فعلينا ان نجري استطلاع رأي عند أناس أكثر شمولا من عدد الحالات التي حدث فيها تجاوزات أو الشكاوى، عندها يمكن التقييم".
ويتوافق المحامي طالب السقاف، مدير مرصد الإنسان والبيئة، مع النمري حول الأحداث التي تحصل بين الفترة والأخرى فهي "استثناءات" على نهج مديرية الأمن العام أو أخطاء تسند على كفاءة بعض أفراد الأمن العام للقيام بالأعمال الموكلة لهم ونقصها مرتبط بطائفة أخرى من الأسباب منها التخصص بالعمل؛ فجزء كبير من رجال الأمن العام غير متخصصين في أعمالهم ودائما يكونوا عرضة للتنقل داخل الجهاز وهذه الفترة قد يكون محتاج إلى إعداد وتدريب وقد تحصل الأخطاء".
فقط ثقافة..
الثقافة الأمنية لدينا ضعيفة..وفق نقيب المحامين مطالبا بضرورة "إيجاد حماية للطرفين الشرطي والمواطن فلو وجدنا حوارا بين الأمن العام والمجالس المحلية ليساهم إيجابا". ولابد من وجود سياسة تثقيفية إعلامية بين المواطن ورجل الأمن للحفاظ على هيبة الدولة وصورة الأمن العام ونحمل المواطن فوق طاقته.
تثقيف رجال الأمن يصطدم بإرث موجود وعقلية مجتمعية -على ما يقوله جميل النمري - متحدثا عن حادثة وقعت أمام عيونه ذات يوم "قبض مواطنون على نشال وذهلت من حجم الضرب الذي كالوه للنشال، هؤلاء ليسوا رجال أمن. هناك عقلية قمعية عنيفة وجهاز الأمن العام موجود منذ عقود وليس عند الإقرار بسياسة إصلاح يأتي فجأة جهاز جديد للأمن، فيحتاج إلى وقت وستكون هناك سقطات وتجاوزات ولن تجد هذه السياسة تطبيقا كاملا بين ليلة وضحاها".
انفتاح..
النمري متفائل من سياسية الانفتاح لأنها اعتمدت على "إرادة سياسية راغبة بتطوير أداء الأمن العام واحترام حقوق الإنسان". لكنه يرى انها تحتاج إلى وقت أطول "نحتاج لسنوات لإحداث التغيير؛ ولعل التغيير بدأ من خلال تحديد المستوى العلمي عند رجال الأمن فوق رتبة معينة وبعدم قبوله بأقل من المستوى الجامعي".
الأمن العام هو المعبر عن جوهر فكرة النظام وسيادة القانون وأي عطب مهما كان بسيطا فيه قد ينعكس سلبا على نظام الأمن الاجتماعي برمته، يقول السقاف، "وما مظاهر الإفراط في استخدام القوى أو المبالغة بإجراءات المداهمة والقبض التي تتم من رجال الشرطة أحيانا تحمل على الاعتقاد بان هناك توجها مركزيا في هذا الأمر، ولا يوجد توجها مركزيا لدى إدارة الأمن العام للتشديد على المواطنين، وكل ما هنالك ان ثمة حالات تجتهد في فهمها للقانون أو للخضوع له على ان البعض منهم يعتبر بأن السلطة شخصية في حين ان القانون سلطة موضوعية ولا يحق لأحد فرضها بالقوة إلا في حدود معينة"..والحديث للسقاف.
مكتب "ديوان المظالم وحقوق الإنسان" التابع للأمن العام استقبل 652 شكوى خلال العام 2007 كانت تتعلق بالإجراءات الإدارية والمطالبات المالية والمخالفات القانونية وأحيلت 22 قضية إلى محكمة الشرطة و24 إلى قادة الوحدات ومنع محاكمة 70 فرد لعدم ثبوت ما يدينهم وحفظ 392 شكوى لعدم وجود ما يبرر الملاحقة الجزائية وفيما يتعلق بقضايا الإيذاء وإساءة المعاملة المرتكبة من مرتبات الأمن العام بحق المواطنين فقد استقبل المكتب 98 شكوى تم إحالة 10 قضايا لمحكمة الشرطة وقضيتين أمام قادة الوحدات ومنع المحاكمة في 23 وحفظ 38 قضية لعدم وجود جرم يمكن ملاحقته جزائيا. و 70 شكوى خطية من صناديق الشكوى في مراكز الإصلاح والتأهيل كان يتعلق معظمها بطول أمد التوقيف الإداري..
وما يمارسه مكتب المظالم يعد نوعا من أنواع الرقابة الداخلية والذاتية على منتسبي جهاز الأمن العام؛ يقول طالب السقاف "علينا ان لا نتوقع الكثير من ديوان المظالم لكونه غير مستقل عن جهاز الأمن العام، والهيئات المستقلة مثل المركز الوطني أو القضاء ربما يكون الأثر فيهما أفعل".
محكمة الشرطة، من ضمن المحاكم التي تعُنى في الأفعال التي ترتكب من قبل أفراد الأمن العام، وفي بعض القضايا يتم الطعن في محكمة التمييز لكن بعض الأحكام خاصة في الجنح أو في أحكام العقوبة تعطى صلاحيات بإنهاء القضية والتصديق عليها من قبل مدير الأمن العام.
محكمة استئناف
ويطالب العرموطي ان تكون هناك محكمة استئناف لمحكمة الشرطة أسوة بالمحكمة العسكرية وألا تكون على درجة واحدة، "الطعن في الجنايات مقتصر على محكمة التمييز لأن الجنح قد لا تصل لمحكمة التمييز عندها يحق لكل من يصدر عليه حكم من محكمة الشرطة ان يرفع دعوى للمطالبة بالتعويض لدى القضاء النظامي عن العطل والضرر للشخص".
يعمل "ديوان المظالم وحقوق الإنسان" حاليا على إصدار مدونة سلوك الوظيفي للشرطي، أطلق عليها "دستور الشرف الشرطي" ويتضمن مجموعة ضوابط سلوكية وظيفية لرجال الأمن العام.
يمكن لأي مواطن تضرر من أحد رجال الأمن العام ان يقدم شكوى عبر الاتصال على الرقم 5656409 او عبر البريد الإلكتروني [email protected]
إستمع الآن