من يحكم التلفزيون الأردني؟

الرابط المختصر

قبل يوم من القرار الحكومي القاضي برفع أسعار المشتقات النفطية، عقد رئيس مجلس النواب عبد الهادي المجالي يوم الاثنين (19 أيلول) مؤتمرا صحافيا حول القرار لتوضيح موقف مجلس النواب من القضية، بعد أن كان ترأس اجتماعا للجنة الطاقة والثروة المعدنية ولجنة المالية والاقتصادية في مجلس النواب. حضر المؤتمر الصحفي مندوبو وسائل الإعلام، والتلفزيون الأردني واحد منها بالتأكيد.

وقام مندوب التلفزيون في البرلمان بتسجيل مقابلة مع المجالي في مكتبه لأخذ تصريحات منه حول القضية. وكان من الطبيعي أن تبث هذه المقابلة ضمن التقرير الذي يعده المندوب للتلفزيون في نفس المساء. لكن المجالي لم يظهر على الشاشة، لا هو ولا المؤتمر الصحفي الذي عقده.



ماذا حصل في التلفزيون؟ وهل كانت تصريحات المجالي "نارية وحارقة" وخارقة لسقف حريات التلفزيون تمنعها من الظهور عبر نشرة الأخبار، أم أن جهة ما تدخلت في الموضوع؟



محاولات الاتصال برئيس مجلس إدارة التلفزيون، مصطفى حمارنة، لم تنجح. لكن مراسل التلفزيون الأردني في البرلمان محمد الطراونة أكد لبرنامج "مرئي ومسموع"، من دون أن يسجل صوته، أنه غطّى المؤتمر الذي أشرنا إليه وقابل رئيس مجلس النواب في لقاء خاص وحصل منه على تصريحات بغية تضمينها للتقرير، لكنه لم يبث، وقال: " هذا قرار أكبر مني، فهو قضية تنسيق بين مجلس النواب والحكومة".



ويعترف مندوب التلفزيون الأردني في مجلس النواب بحدوث سوابق لم تبث فيها تصريحات لنواب إلا بعد التنسيق مع الحكومة. ويستدرك موضحا أن "هذا حدث فقط في قرارات كبيرة مثل عامي 1989 و1993، وذلك للخروج بموقف وطني موحد".



عبدالهادي المجالي رفض التعليق على الموضوع. لكن مصادر مقربة منه نقلت أنه اتصل برئيس الوزراء عدنان بدران في صباح اليوم التالي محتجا على تغييبه عن التلفزيون الأردني ذلك المساء، ومهددا باللجوء إلى القناتين الفضائيتين الإخباريتين العربية والجزيرة، لنقل موقف مجلس النواب من قضية رفع أسعار المحروقات.



وأضاف المصدر (الذي تمنى عدم ذكر اسمه) أنه تم تسوية القضية بين رئيس الوزراء ورئيس مجلس النواب. وهذا ما حصل: توجهت كاميرات التلفزيون الأردني لتغطية اجتماع اللجنتين النيابيتين (لجنة الطاقة والثروة المعدنية ولجنة المالية والاقتصادية) مع وزير الطاقة والثروة المعدنية عزمي خريسات والذي حضره المجالي يوم الأربعاء، وأدلى بعده بتصريحات خاصة للتلفزيون، بثت في نشرة أخبار مساء ذلك اليوم لتعوض غيابه عن نشرة الأخبار الرئيسية لليوم السابق.



على كل، لم يكن هذا التضارب في المواقف والرقابة المسبقة على بث تصريحات ومواقف مجلس النواب حول موضوع رفع الأسعار حكرا على التلفزيون، وإنما شاركه في ذلك وكالة الأنباء الرسمية (بترا) ووسائل الإعلام المكتوبة التي لم تنشر أي منها شيئا من مؤتمر المجالي حول موقف النواب من رفع أسعار المحروقات.



في يوم الأربعاء (21 أيلول) بثت وكالة الأنباء خبرا عن اجتماع اللجنة المالية والاقتصادية المشار إليه، لكنها سحبته من موقعها الإلكتروني وأعادت بثه بصيغة معدلة. في حين أن الصحف امتنعت عن تداول الخبر بالمرة.



رئيس لجنة التوجيه الوطني في مجلس النواب، خالد البريك، يؤكد أن سياسات مؤسسة الإذاعة والتلفزيون الأردني في تغطيته لمجلس النواب محكومة بتعاقب الحكومات أكثر منها بتغير إدارات المؤسسة. ويقول: "عدة مرات انتقدنا تغطية التلفزيون الأردني لاجتماعات مجلس النواب، حتى الجلسات الرئيسية التي لم تتم ضمن نشاط رسمي. هناك تقصير واضح من مؤسسة الإذاعة والتلفزيون وتعتيم إعلامي واضح في نقل أخبار مجلس النواب، رغم الاهتمام الكبير من الشعب الأردني بمواقف النواب من قضاياه، كونه الرئة أو المتنفس للمواطن الأردني الذي يعبر من خلاله عن همومه".



ويشير إلى أن هناك اهتمام إعلامي بنشاطات خارج نطاق عمل مجلس النواب، وبرامج لا قيمة لها حول الشأن الداخلي للمجلس. "هناك قضايا على أعلى المستويات وتمس المواطن الأردني وبحاجة إلى التوضيح من المسؤول والإجابة عليها، لذلك يجب أن يكون هناك أريحية تامة في نقل الأحداث والأخبار اليومية التي تحدث في مجلس النواب وفي مؤسسات الدولة المختلفة".



ويضيف: "أتأمل أن يكون هناك تلفزيون للدولة الأردنية والوطن لا أن تكون لحكومة بعينها أو لشخص معين تنقل أخباره ونشاطاته على حساب جهة أخرى، هناك ثلاث سلطات في الدولة الأردنية ويجب أن تعامل بالتساوي".

الناطق باسم الحكومة، مروان المعشر، في مؤتمره الصحفي الأسبوعي (26 أيلول)، نفى علمه بمنع بث تصريحات رئيس مجلس النواب على التلفزيون الأردني. وقال: "لست مسؤولا عن التلفزيون. يوجد مجلس إدارة ورئيس مجلس إدارة للتلفزيون، ونحن نريد الانتهاء من موضوع تدخل الدولة في الإعلام، وهذا الكلام تحدثت عنه كثيرا".



وأضاف: "إذا كنا نريد أن تتوقف الدولة عن منع تصريحات مسؤول أو رأي معين، فإنه يجب علينا اعتماد مبدأ استقلالية الإعلام، وإذا لم نكن نريد ذلك، فعلينا تحمل منع التصريحات. أما كلا الأمرين فلا يمكن أن يجتمعا. إما أن نقر بمبدأ فك الدولة عن إدارة مؤسسات الإعلام، وبالتالي فإن القوانين التي قدمت لمجلس الأمة التي تتضمن مجالس إدارة مستقلة (يجب أن تمرر)، وبالتالي، ننتهي من قضية أن فلان طلع وفلان لم يطلع على التلفزيون، أو أننا لا نعتمد هذا المبدأ، ولا نشكو من أن هذا أو ذاك منع. أما أن نريد الكعكة ونريد أكلها، فهذا لا ينجح".



وكما الحكومات التي سبقتها (والتي ستلحقها؟)، تطلق الحكومة تصريحات لا تسمعها: تقول أنها تريد إعلاما مستقلا، لكنها تمارس رقابة مسبقة على كل ما يبث وينشر عبر وسائل الإعلام.



مجلس النواب ما يزال يحفل بتناقضاته غير المفهومة. فأعضاؤه الذين يشكون من سيطرة الحكومات على التلفزيون، هم أنفسهم من رفض اقتراح تعديل قانوني مؤسسة الإذاعة والتلفزيون المؤقتين (رقم 19 ورقم 4)، كما قدمته لجنة التوجيه الوطني في مجلس النواب، والذي يكفل استقلالية مدير عام المؤسسة وذلك "بتعيينه بناء على تنسيب من رئيس مجلس إدارة المؤسسة وموافقة مجلس الوزراء وإرادة ملكية سامية". مجلس النواب رفض هذا الاقتراح وطالب بتعديل القانون بحيث يكون رئيس المجلس الأعلى للإعلام نفسه رئيسا لمجلس إدارة مؤسسة الإذاعة والتلفزيون، وهو ما يحرم المؤسسة من استقلاليتها عن أية جهة خارجية.