من فقر المخيم إلى الموت في سوريا باسم الجهاد

من فقر المخيم إلى الموت في سوريا باسم الجهاد
الرابط المختصر

 تبدأ الرحلة  إلى سوريا من مساجد مُخيّم "شنلّر" للاجئين الفلسطينيين، بعد إقناع بعض شبابه بشعارات "الجهاد" و"نيل الشّهادة"، والأهمّ: حلم العودة إلى فلسطين، الذي يعتبر الشعار الأكثر إغراءً لاصطياد هؤلاء الشباب، قبل تسهيل إقحامهم في مجهول الحرب السّوريّة.

مهند ومحمد وعمر أبو قطّام، ثلاثةُ شبّانٍ من "شنلّر"، قُتلوا أثناء قيامهم بـ"واجب الجهاد المقدّس" في سوريا، إذ خاضوا معارك في صفوف "التيار السلفي الجهادي"، الذي يشكّل العماد الأساسيّ لـ"جبهة النصرة لأهل الشام"، ضد قوات نظام بشار الأسد تحت راية "الجهاد".

 فبعد أن خرج عمر ابن عمومة مهند ومحمد إلى سوريا في شهر شباط من العام الماضي لحقه الشقيقين مهند ومحمد، بعد أن سهّل لهم عمر، الذي خاض تجربة جهادية بالعراق وسجن على إثرها في السجون الأردنية، الطريق إلى سوريا "للجهاد" هناك، لكنه لم يرعَهم طويلاً؛ لأنه سرعان ما قُتل في دمشق في شهر نيسان من العام الماضي 2013.

وبعدها بنحو 3 شهور، تحديدا في نهاية تموز الماضي، قُتل مهنّد الشقيق الأكبر لمحمد، الذي يبدو أنه لم يحتمل الفراق طويلاً، فتبعه للموت بعد أسبوع فقط.

10 من ابناء "شلنر" قتلوا في سوريا

عائلة أبو قطّام ليست العائلة الوحيدة في "شلنّر" التي قدّمت أبناءها من أجل القتال في سوريا، بحسب ما يعلن التيار السلفي الجهادي، الذي ينشط في تلك المناطق، فمخيم "شلنّر" الذي يقع جنوب غرب مدينة الزرقاء "الفقيرة"، والتي تعتبر إحدى معاقل التيار السلفي، وذهب العشرات من أبنائها إلى سوريا للقتال هناك، بعد أن ساعدهم التيار السلفي بالوصول والالتحاق في الجبهات التي تقاتل ضدّ الجيش النظامي السوري، بحسب أهالي في المخيم.

وخلال الفترة الماضية أعلن المخيم الذي ما زال يعيش على أحلام العودة إلى فلسطين عن مقتل أكثر من 10 من أبنائه في سوريا، معظمهم نشط في جبهة النصرة السلفية، ويُهرّبون تهريباً من الأردن عبر منافذ غير شرعيّة على الحدود الأردنيّة السّوريّة.

ويؤكد أهالي في مخيم "شنلّر" أو ما يُعرف شعبياً بمخيم "حطّين"، أنّ عدداً من أبناء المخيم التحق مؤخراً بجبهة النصرة السلفية في سوريا لقتال قوات بشار الأسد، دون تحديد عددهم.

 ولا يكفّ الأهالي والسّكّان عن إثارة تساؤلات بشأن احتمالية "إعلان استشهاد" أحد أبناء المنطقة قريباً، خلال قتاله النظام السوري، باسم "الجهاد".

من المسجد إلى سوريا

يلاحظ أهل المخيّم أن مُعظم من ذهبوا إلى القتال في سوريا، قد طرأ عليهم تغيّرٌ مفاجئٌ في سلوكهم قبل ذهابهم، فبعد أن كانوا مجرّد شباب عاديين يعيشون في تلك البقعة الفقيرة متأقلمين مع مشاكلها الاجتماعية والاقتصادية، ظهر على معظمهم ملامح " تديُّن" مفاجئ، مثل ما حصل مع محمد عاشور "23 عاماً" الذي كان مجرد شاب عادي، لا يحلُم بأكثر من الزواج وتشكيل عائلة فقط.

إلّا أن محمد الذي صُدم بواقع الحياة لاحقاً قرّر على نحو مفاجئ أن يتردّد على مسجد قريب من مكان سكنه، وتعرف في المسجد على بعض المقربين من التيار الجهادي الذين عرضوا عليه " تسهيل" ذهابه إلى سوريا من أجل "قتال الظلم" هناك.

ويقول أحد أصدقاء الشاب إن عاشور التزم دينياً بطريقة مفاجئة، وقرر الذهاب إلى سوريا لقتال قوات الأسد، دون أن يعلم أحد.

وذهب إلى هناك ليقاتل بجانب "جبهة النصرة السلفية" التي أعلنت عن مقتله لاحقاً عبر شريط قصير بث على "يوتيوب"، مطلع نيسان الماضي. واحتفل لاحقاً بعض رموز التيار السلفي في المنطقة باستشهاده أمام منزله "بالأناشيد"، بعد أن أخفوا لشهور عن أهله المكان الذي يتواجد فيه.

الجنوب أيضاً

ليست المخيّمات الفلسطينيّة هي المجال الحيويّ الوحيد للتيار السلفي، فهو ينشط أيضاً في مدن الجنوب الأردني، وبالتحديد مدن الكرك ومعان والطفيلة، التي كان لها دوراً بارزاً في تصدير المقاتلين إلى العراق سابقاً وإلى سوريا الآن، ولا سيما القرى الأكثر فقراً  كـ"العيص" في الطفيلة و"القادسية" في معان و"المزار الجنوبي" في الكرك.

تلك المناطق تعتبر أن من لا يذهب إلى المسجد "شيطانا"، وعَمِلَ، منذ بدء الأزمة السورية، التيار السلفي على تصدير المقاتلين إلى سوريا مُستغلاً الأوضاع الاقتصادية التي يعيش فيها أولئك الشباب، بعد أن إقناعهم أنّ الذهاب إلى سوريا هو السبيل الوحيد للخلاص من هذه "الحياة".

 كما ويستغل التيار السلفي الـ"تعاطف" التاريخي لأهالي تلك المناطق مع فلسطين، فيستثمر ذات الشعارات التي يستخدمها في المخيمات الفلسطينية، ويقنع الشباب المغادرين إلى سوريا أن "سقوط الأسد" خطوة نحو تحرير فلسطين.

تشديد على الحدود

مع أن التيار السلفي يعلن أنه نجح خلال العامين الماضيين بإلحاق أكثر من ألف وثمائمائة شاب أردني إلى سوريا للقتال بجانب جبهة النصرة السلفية بالتحديد، قتل منهم نحو 180 مقاتلاً في المعارك مع النظام السوري بحسب ما أعلن القائد في التيار محمد الشلبي، والمعروف بأبي سياف مؤخراً.

 إلا أن الأردن أعلن خلال العام الماضي عن ضبط نحو 200 شخص بعمليات متفرقة كانوا يحاولون الذهاب إلى سوريا من بينهم جنسيات غير أردنية، فيما يؤكد التيار السلفي أن الجيش الأردني ضبط 120 عضواً من التيار ممن حاول التسلل إلى سوريا.

وتحاكم الأردن كل من يحاول الذهاب إلى سوريا ويضبط على الحدود بتهمة " محاولة تعكير صفو العلاقات مع دولة مجاورة"، وهي التهمة التي يصل فيها الحكم بالسجن إلى 5 أعوام، وأعلنت مؤخراً محكمة أمن الدولة العسكرية في الأردن أنها حكمت 14 سلفياً بالحبس، منذ بداية حزيران الماضي.

وما زالت عمليّات التسلّل إلى سوريا من الأردن مستمرّة، فأحبط الجيش الأردني خلال شهر اذار من العام الحالي عدداً من محاولات التسلل إلى سوريا عبر الحدود الشمالية.

ويبدي الأردن قلقا شديدا إزاء عمليّات التسلّل هذه، فرفعَ استعداد قواته العسكرية على الحدود الشمالية مع سوريا بالفترة الأخيرة للحد من أي عمليات التسلل، متخوّفا من حدوث اختراقات في الحدود تؤدي إلى دخول جماعات تابعة لتنظيم القاعدة.

بوصلة تائهة

مخيمات اللاجئين الفلسطنيين في الأردن ما زالت تقتات على أحلام العودة إلى فلسطين، وكل دعوة من شأنها أن تجعل ذلك الحلم قريباً، تلقى عادةً ترحيباً كبيراً.

التيار السلفي الأردني يعلن أن "العودة إلى أرض المقدس" هي مهمته الأساسية، وكل الحروب التي خاضها في أفغانستان بدايةً مروراً في العراق والآن في سوريا، هي معارك "هامشية" للوصول إلى الهدف الأساسي ومحاربة "اليهود" في فلسطين وطردهم منها وإقامة الخلافة الإسلامية.

وهذه الدعوة مُرحّب بها في الأماكن الخصبة  كالمخيمات الفلسطينية التي ساهمت بتزويد "التيار الجهادي العالمي"  بمئات المقاتلين من تلك المناطق الفقيرة.

فالأسماء الدّولية لهذا التيار العالمي تزخر بالاسماء ذات الأصول "الفلسطينية"، ومنها من نشأ في "المخيمات" الفقيرة فـ"شلنّر" ليس المخيم الوحيد في الأردن الذي أهدى "مقاتلين" للتيار السلفي في سوريا، فالبقعة والوحدات كذلك قدّما أيضاً، بعد أنْ اقتنع أبناؤهما أنّ جهادهم في سوريا هو خطوة نحو فلسطين.

محمد عاشور وأبناء أبو قطام الثلاثة لم يذهبوا إلى سوريا من أجل سوريا أو من أجل إسقاط نظام بشار الأسد، إنما كانوا يعتقدون أن حربهم هناك هي خطوة نحو فلسطين، وإلا لما رُفع علم فلسطين في بيوت عزاهم، وما كان الهتاف أثناء تشييعهم "عالقدس رايحيين شهداء بالملايين".

أضف تعليقك