أجمع رؤساء وممثلو كنائس على ان الوصاية على الأماكن المقدسة المسيحية والاسلامية في القدس الشريف "لا يمكن بأي حال من الأحوال أن تكون لغير الهاشميين أصحاب الشرعية الدينية والتاريخية والسياسية امتدادا لمفهوم وإرث العهدة العمرية، مثلما أجمعوا على ان القدس ليست للإسرائيليين، بل للعالمين المسيحي والإسلامي، وأن ما يحدث هذه الأيام هو بتأثير لوبي الصهيونية المسيحية، الذي وصفوا أتباعه بـ "خوارج الكنيسة ويستغلون الدين لمصالحهم السياسية والاقتصادية".
ووصف هؤلاء في حديث لبرنامج "عين على القدس" الذي بثه التلفزيون الاردني مساء أمس الاثنين، قرار الرئيس الأميركي دونالد ترمب اعتبار القدس عاصمة لإسرائيل بـ "المولود الميت كونه قرارا باطلا دينيا وتاريخيا، وان الولايات المتحدة لم تعد مصدر حل للقضية، بل صارت جزءا من العقدة في فلسطين".
وقال الناطق الرسمي باسم بطريركية المدينة المقدسة للروم الأرثوذوكس الأب عيسى مصلح، ان القدس حزينة ومحزونة بسبب تغييب أبنائها عنها في أعياد الميلاد، بسبب الجدار الفاصل وحواجز الاحتلال الإسرائيلي، إضافة الى القرار المستنكر والمدان من قبل الرئيس الأميركي دونالد ترمب، الذي كان يعتبر شريكا لعملية السلام.
وأشار الى ان ترمب صادر بقراره المشؤوم أهل المدينة المقدسة الابتسامة والبهجة والسرور بمناسبة ميلاد المسيح المخلّص، فبدلا من أن نقول: "المجد لله في العلى وعلى الأرض السلام وفي الناس المسرة"، جعلنا نتأهب للدعوة الى انتفاضة ثالثة من أجل أن يتراجع عن قراره، لأن القدس ليست للإسرائيليين، بل للعالمين المسيحي والإسلامي.
وأضاف الأب مصلح، "لن نخرج من تحت سماء القدس التي تمت في ظلها العهدة العمرية بين الخليفة عمر بن الخطاب والبطريرك صفرونيوس، وهي العهدة التي تعتبر الدستور النموذج الذي نعتز ونفتخر به، لأنها جسدت الإخاء والعيش المشترك الإسلامي المسيحي.
وتابع، نقول للرئيس ترمب إنك أشعلت النار في قلوب وعقول المؤمنين، ونحن كرؤساء كنائس وبطاركة في القدس، أعلنا المبايعة لجلالة الملك عبدالله الثاني عندما دعانا في المغطس كي نكون معه بمناسبة عيد الميلاد المجيد، "بايعنا ملك السلام وأعلنا رفضنا رفضا باتا لقرار ترمب، وكتبنا له كتابا شديد اللهجة كي يتراجع عما قام به من إهداء مدينة القدس للمحتل الإسرائيلي".
وأشاد الأب مصلح بالتعاون التام والوثيق بين القيادتين الأردنية المسؤولة والوصية على الأماكن المقدسة الإسلامية والمسيحية في القدس الشريف، وبين رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس، الذي أكد على التعاون مع جلالة الملك عبدالله الثاني من أجل إعلاء صوتنا في المحافل الدولية ولدى كل الأحرار في العالم، وكي نعمل بجد واجتهاد وإصرار من أجل استرجاع الأماكن المقدسة التي يهددها الخطر الإسرائيلي.
وأكد الأب مصلح أن القدس، ستبقى عاصمتنا الى الأبد، مشيرا الى التعاون الكبير ووحدة الرأي الإسلامي المسيحي، الذي يعمل يدا بيد وبجد وإصرار في مواجهة ما يقوم به الاحتلال الإسرائيلي في المدينة التي يريد الاحتلال تهويدها دينيا وتاريخيا واجتماعيا وسياسيا وتعليميا، معربا عن أسفه لوجود بعض من يرحب بالصهيونية المسيحية ويفتح لها الأبواب.
وحذّر الأب مصلح من أن الاحتلال الإسرائيلي يريد إخراج مسيحيي المدينة المقدسة منها كي تصبح القضية الفلسطينية قضية إسلامية يهودية وقضية دينية، وهو ما يشكل آخر مسمار في نعش القضية الفلسطينية، مؤكدا أن المقدسيين مسلمين ومسيحيين لن يخرجوا من كنائسهم وأديرتهم ومساجدهم، وسيبقون متوحدين في مجابهة الاحتلال، ولن يرضوا إلا بإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس الشريف، كما اكد أن جلالة الملك عبدالله سيبقى الوصي على الأماكن المقدسة الإسلامية والمسيحية في القدس، ويجب على العالم العربي والإسلامي والمسيحي أن يدعم الأردن ملكا وحكومة وشعبا من أجل التصدي لما يقوم به الاحتلال الإسرائيلي في القدس والأراضي المقدسة.
وأشار أيضا الى الجهود التي يقوم بها بطاركة القدس بهذا الخصوص وعلى رأسهم بطريريك المدينة المقدسة وسائر أعمال الأردن وفلسطين، البطريرك ثيوفيلوس الثالث، الذي يقوم بجولات خارج الوطن من أجل كشف الوجه الحقيقي للاحتلال الإسرائيلي وما يقوم به من اعتداءات بحق الأماكن المقدسة الإسلامية والمسيحية وخاصة في القدس.
ولفت الأب مصلح الى أن أتباع المسيحية الصهيونية يعملون بجد واجتهاد من أجل أن يفهموا شعبنا الفلسطيني المسيحي بأن الوطن في هذه الأرض هو خارج هذا العالم، وهو في السماء، ونقول لهم وبكل صراحة نحن كرجال دين إذا اضطررنا أن نحمل البندقية من أجل المحافظة على قدسنا الشريف، فسوف نحملها وبكل فخر واعتزاز، ولن نسمح بتغيير هوية مدينة القدس والوضع القائم فيها، وعلى الغرباء أن يخرجوا من مدننا وأرضنا وقدسنا التي ستبقى مفتوحة لجميع الديانات التي تؤمن بالإله الواحد من مسلمين ومسيحيين ويهود، وليس لأي ديانة أن تحتكر القدس لها، لأن هذا الأمر مرفوض مطلقا، وسوف نقاومه وسنبقى على هذا التراب المقدس شاء من شاء وأبى من أبى .
من جانبه أشار راعي الكنيسة الإنجيلية اللوثرية في الأردن، القس سامر ناصر عازر، الى الأصوات التي تعالت في الآونة الأخيرة والتي تركّز على أن الوصاية الهاشمية على المقدسات، هي فقط على المقدسات الإسلامية، لافتا الى أن هناك من بدأ يشكك بأن الوصاية تشمل كل المقدسات الإسلامية والمسيحية في القدس، ولذلك عندما أتت المعايدة المباركة التي تمثل سنّة حميدة من قبل جلالة الملك عبدالله الثاني، كان لها هذا العام معنى أعمق بكثير من السابق، وكانت في موقع من أقدس المواقع في الأردن في موقع عماد السيد المسيح، الذي لا يقل قدسية عن القدس وبيت لحم والناصرة.
وبيّن القس عازر أن موقع المعايدة الذي جاء في المغطس وليس في الديوان الملكي هذا العام له من الدلالات الكثيرة، التي تقول للعالم ان هذا المكان المقدس وكل الأماكن المقدسة والكنائس والأوقاف، إن كانت في الأردن أو في القدس هي تحت الرعاية الهاشمية المباركة، وموقع المغطس بالتحديد الذي يطل على القدس، إنما هي أيضا رسالة أن القدس في عيون الهاشميين، وأن الوصاية على المقدسات الإسلامية والمسيحية لا يمكن بأي حال من الأحوال أن تكون لغير الهاشميين أصحاب الشرعية الدينية والتاريخية والسياسية.
وأضاف، ان الرسالة القوية التي انطلقت من ذلك المكان تقول للعالم أجمع أن العرب المسيحيين في هذه البلاد محميون من بلدانهم، وأن الرسالة والرعاية الهاشمية لا تشمل فقط المقدسات، وإنما تعمل من أجل تعزيز الوجود العربي المسيحي، وهم الحجارة الحية في هذه البلاد المقدسة، التي تحاصرهم العوامل الإسرائيلية الطاردة لوجودهم في مدينة القدس خاصة التي تناقصت أعدادهم فيها بشكل كبير جدا، بسبب وقوعهم تحت ظروف اقتصادية واجتماعية وسياسية ومضايقات كثيرة قادتهم الى الهجرة القسرية، رغم أن الإنسان الفلسطيني والمقدسي بشكل خاص يتمسك بأرضه ومقدساته حتى النخاع.
وأوضح القس عازر أن الإنجيليين والكنيسة اللوثرية هي أصل الحركات اللوثرية في العالم، لأن مارتن لوثر أطلق الإصلاح في القرن السادس عشر، وتحت هذه المظلة يوجد العديد من الكنائس في الشرق والغرب، مشيرا الى أن هناك فئة من الإنجيليين خرجت عن تعاليم الكتاب المقدس وتعاليم السيد المسيح السمحة، وتقرأ الكتاب المقدس بعهديه القديم والجديد قراءة حرفية، وقراءة دينية مغلفة بإطار سياسي، فأخذت تنظر الى الأمور في الوقت الحالي وما يجري من تهجير وقتل ودمار، على أنه مقدمة لمجيء السيد المسيح الثاني، وهذه عقيدة راسخة لكننا لا نؤمن أن مسيحنا الذي ولد في مغارة بيت لحم، وجاء وجسّد مفهوم المحبة الإلهية سيأتي ثانية على ركام وأجساد ودماء أطفال ونساء وشيوخ أبرياء، او سيأتي بطريقة يساء فيها الى شعب فلسطيني له حقوق تاريخية ثابتة في الأراضي المقدسة.
وأضاف، ان مثل هذه النظرة الضيقة التي تنظر الى الوضع الحاضر من زاوية تجميع اليهود في فلسطين بما يسرّع من مجيء المسيح، وبعقديتهم التي طوروها هي بناء الهيكل الثالث، بحسب عقيدتهم التي طوروها، نعتبرها بالفكر الإنجيلي والفكر المسيحي المسكوني، خارجة عن جوهر تعاليم الكتاب المقدس السمحة، ولذلك تأتي من هنا الإدانة الشديدة لما يعرف بالمسيحية المتصهينة، ولا نريد عندما نستخدم هذه الكلمة أن يساء لكنائس إنجيلية مختلفة، لأنه يوجد في العالم كنائس إنجيلية وشركاء لنا من كنائس إنجيلية ولوثرية وكنائس مجلس الكنائس العالمي التي تتبنى القضايا العادلة للشعب الفلسطيني وقضية القدس كما نتبناها.
وحسب القس عازر، فإن التيار المسيحي الصهيوني في الولايات المتحدة يتشكل قوامه من 50 - 80 مليون شخص، يملكون تأثيرا كبيرا على صناعة السياسة الأميركية، مشيرا الى أننا نؤمن بأن هناك اختلافا بين الفكر اليهودي والفكر المسيحي، فالمسيح المنتظر بالنسبة لليهود هو المسيح الذي سيأتي ليعيد أمجاد دولة اسرائيل، لكن بفكرنا اللاهوتي المسيحي القويم، أن مسيحنا أتى طفلا بالميلاد، والآن سيعود بمجيئه الثاني ليعيد الخليقة الجديدة التي ننتظرها جميعا، سماء جديدة وأرض جديدة، لكن ليس بالمفهوم السياسي الضيّق وذلك المفهوم الأرضي.
وشدّد القس عازر على أنه آن الأوان كي نخرج من عالم الصمت الى عالم العمل والتخطيط والتفكير، لأن هذه الهجمة هي هجمة على أقدس مقدساتنا، وعلى القدس التي هي بالتحديد رمز ومفتاح للسلام، ليس فقط في الشرق الأوسط وإنما في العالم أجمع، مضيفا أن لدينا الكثير من المقومات كي ندافع ونذود ونناضل من أجل هذه المدينة المقدسة، لأن لها معنى كبيرا ليس فقط للأردنيين والفلسطينيين، وإنما للعرب وللعالم أجمع، لأنها تشكل جوهر القضية، ولا يمكن أن يكون هناك سلام عادل وشامل ودائم بدون أن تقوم دولة فلسطينية مستقلة على كامل التراب الوطني الفلسطيني وعاصمتها القدس الشريف.
وأعرب القس عازر عن اعتزازه بما عاينه ورآه من حراك شعبي سلمي، وما رآه من التمازج الأردني الفلسطيني، وما لقيه من التلاحم الإسلامي المسيحي المعهود والمجسّد، وما يجسده جلالة الملك عبدالله الثاني بطروحاته ورؤاه وكل ما يقدم لتعزير المكون المسيحي، وما وجده من انسجام وبناء الشراكات المجتمعية التي هي كفيلة وقوية، وعندما أتت المعايدة في المغطس قبيل زيارة جلالة الملك الى الفاتيكان وأوروبا، حمل معه ورقة ضغط شعبية تقول "انني صوت المسيحيين كما أنا صوت المسلمين".
وقال رئيس الكنيسة الإنجيلية اللوثرية في الأردن والأراضي المقدسة، رئيس الاتحاد العالمي اللوثري للكنائس الإنجيلية اللوثرية، المطران الدكتور منيب يونان، "اننا كرؤساء كنائس كتبنا للرئيس ترمب وطلبنا منه عدم القيام بذلك، ولكن ثمة فئات ندعوها (إنجيلوية) وليست إنجيلية، تسيّس الدين وتديّن السياسة، وتقرأ ما يحدث في الشرق الأوسط أو في القدس على أنه مقدمة لمجيء المسيح الثاني، ونحن نختلف معهم نصّا وحرفا ككنيسة مسيحية عربية، لأن هؤلاء يشكلون فئة متطرفة لا تحب العدالة، ونحن ندعوهم خوارج لأنهم يستغلون الدين من أجل مصالحهم السياسية والاقتصادية، ونحن العرب المسيحيين بما فينا الإنجيليون العرب، نعتبر بوضوح أن القضية الفلسطينية هي جوهر القضايا وتحتاج الى عدالة، ونعتبر أن القدس هي جوهرة الجوهرة، وإذا لا يوجد سلام عادل في القدس لا يمكن أن يكون هناك سلام عادل في كل الشرق الأوسط، ولهذا السبب، فهذا هو موقفنا ككنيسة مسيحية عربية، ونقول لشعبنا العربي والإسلامي اننا كمسيحيين عرب، جزء أصيل لا يتجزأ من النسيج العربي، وجزء أصيل من مشاكله وهمومه ".
وقال رئيس اللجنة المشتركة المسيحية الإسلامية للدفاع عن القدس، الأب مانويل مسلم، ان الرئيس ترمب يشكل جزءا من الصهيونية الأميركية المسيحية، وأتى علينا قادة أمريكيون آخرون هم حقيقة من الكنيسية المسيحية الصهيونية، وبالتالي فالولايات المتحدة لم تعد مصدر حل للقضية، لأنهم صاروا جزءا من العقدة في فلسطين، ولا يريدون أن يأتي الحل والسلام .
وأضاف، الإسلام والمسيحية الموجودة في القدس عرضة لتدمير فعلي بالفكر الصهيوني الذي ينادي بوجوب بناء الهيكل، ويجب أن يزول كل شيء ضد الهيكل، يعني ان كل المسلمين والمسيحيين يجب أن يزولوا، لافتا الى أن المسيحيين والمسلمين في كرب شديد.
ودعا الكنيسة المحلية الى أن تكتب وتنشر وتبشر أنه إذا رفعت اسرائيل في وجهنا التوراة لتقول ان هذه البلاد هي بلاد أرض الميعاد، فنحن نرفع في وجههم الإنجيل والقرآن لنقول لهم: "الإنجيل والقرآن يقولان أن هذه البلاد ليست أرض الميعاد، ولم تعط لإبراهيم ونسله بحسب الجسد، وإنما أعطيت لإبراهيم ونسله بحسب الإيمان".
وثمّن كاهن كنيسة مار أفرام للسريان الأرثوذكس، الأب بنيامين شمعون، المبادرة التي وصفها بالقيمة جدا التي عايد فيها جلالة الملك عبدالله الثاني رجال الدين ومسؤولي الطوائف، وشعروا فيها أن كل طائفة لها قيمة كبيرة في نظر جلالته، وكل طائفة لها مكانة ومنزلة معينة في هذا البلد المبارك.
وأكد الأب شمعون في حديث لتقرير "القدس في عيون الأردنيين"، أن قرار ترمب "مولود ميت لأنه باطل قانونيا ودينيا"، وأننا جميعا كرجال دين لا نقبل أبدا بتسييس قضية القدس، وإنما جمال القدس في هذا "الاستاتيكو" الموجود فيها، بما يعني أن جميع الديانات السماوية الثلاثة لها حق العبادة في القدس، في أماكن العبادة الخاصة بكل ديانة والتي يجب أن تحترم وفق ما هو قائم منذ سنين بعيدة.
وأكد الأب شمعون أن قرار ترمب مرفوض جملة وتفصيلا، ونحن خلف قيادة الملك عبدالله الثاني في كل قرارات يتخذها لتخدم مصلحة القدس والشعب العربي الفلسطيني، مضيفا أننا كمسيحيين نشعر أن هذه المقدسات يجب أن يرعاها من يقدسها، ونشعر أن جلالة الملك هو الوصي الوحيد عليها ولن نقبل بغيره.