ملوك الإعلان.. سلطة فوق النقد!

الرابط المختصر

لا تعيش وسائل الإعلام الأردنية بدون إعلانات. فالمورد المالي الأساسي لها يأتي من الإعلانات.

هنا، والحالة هذه، تصير للإعلانات سلطة، وتصير سيفا مسلطا على المهنية الصحفية في كثير من الأحيان – والذاكرة الصحفية المحلية تزخر بأمثلة كثيرة على "سلطات" إعلانية استطاعت التأثير على سياسات تحريرية في أكثر من وسيلة إعلام أردنية.ولعدم جعل الموضوع عموميا وغائما، لا بأس من ذكر بعض الأمثلة. فهناك كثير من "الممالك" الإعلانية التي تمد المؤسسات الإعلامية الأردنية بمبالغ مالية ضخمة مقابل إعلاناتها.. ومقابل شيء من البروباغاندا أيضا.

الإعلانات الحكومية ليست ضمن هذه "الممالك". هناك قوانين معلنة تحكم توزيعها على وسائل الإعلام. والنتيجة هنا عدم جعل هذا المصدر الإعلاني تهديدا، في شكل أو بآخر: لو زلّت الوسيلة الإعلامية وأخطأت في حق المعلن – المال، سيتم سحب الدعم، وسيتوقف التمويل. وهكذا، نستطيع أن نرى نقدا للحكومة في وسائل إعلام محلية توصف بأنها معارضة. لكن هذا لم يمنع وجود خروقات تقرب وسيلة إعلام من الحكومة دون أخرى.

والسؤال هنا: هل الأمر ينطبق على معلنين كبار، مثل أمانة عمان الكبرى أو فاست لينك أو البنك العربي على سبيل المثال؟

كاتب عامود يومي في صحيفة يومية قال لعمان نت إن الصحيفة التي يعمل بها تحصل على مبلغ يقارب المليون دينار سنويا من أمانة عمّان على شكل إعلانات: هل يمكن أن ينتقد هذا الكاتب، أو غيره ممن يعملون في الصحيفة، أمانة عمان، لتخسر صحيفته موردا ماليا ضخما؟

ذات الكاتب قال لعمان نت إنه كان يريد أن يكتب مقالا عن شركة فاست لينك، المعلن الضخم في شتى وسائل الإعلام المحلية، لأن معلومات وصلت إليه تفيد بأن هناك قضية، قد تكون فسادا، في موضوع إرسال نتائج الثانوية العامة إلى مشتركين عبر رسائل SMS، ولكن مؤسسته منعته من الكتابة في هذا الموضوع.

مع فاست لينك نتذكر أيضا قضية رسام الكاريكاتير عماد حجاج الذي ترك عمله في صحيفة الرأي اليومية قبل سنوات، على خلفية نشره رسما كاريكاتوريا قريب من إعلان لشركة الاتصالات الخليوية الكبرى في المملكة، وبعد ضغوط مارستها الشركة على الصحيفة.

وغير بعيد من هذا، نتذكر أيضا كيف تغافلت وسائل الإعلام الأردنية تغطية اعتصام لنحو 500 موظف في البنك العربي أمام مبنى إدارته.

وقبل أيام، كان هناك مثال آخر يمكن إضافته إلى قافلة الأمثلة التي ذكرناها، إذ منعت أمانة عمان الكبرى راديو "عمان نت" من بث جلسة الأمانة الحادية عشرة العادية، على رغم أن الجلسة علنية ومفتوحة، ويحضرها مندوبو وسائل إعلام محلية أخرى، ما اعتبر تمييزا ضد الإعلام الإذاعي. وأيضا رفضت الصحف الكتابة حول الموضوع. والسؤال هنا، لو كانت الإذاعة وسيلة إعلامية تروج لإنجازات الأمانة، هل منعت من بث الجلسة؟

طبعا يوجد غير هذه الأمثلة كثير. وليس المهم تعدادها، وإنما التأكد من حقيقة وجودها، ومدى تأثيرها على السياسة التحريرية في وسائل الإعلام. وما حدث في الأمثلة التي أوردناها ليس إلا تأكيدا على أن "الممالك" الإعلانية الكبرى تشكل خطا أحمر لا تستطيع وسائل الإعلام المحلية تخطيه.

تنظيم الإعلام ذاتيا.. هل هو ممكن في الأردن؟

قد يرى البعض في العلاقة المصلحية المتبادلة بين المعلن والإعلام مشروعية وضرورة لاستمرار الطرفين. فلا يمكن إغفال الحاجات الاقتصادية لوسائل الإعلام كي تتطور وتطور منتجها الإعلامي، والإعلان هو المصدر الرئيس للتمويل. كما أن المؤسسات، الحكومية أو الخاصة، تحتاج مساعدة الإعلام لترويج منتجاتها أو سياساتها.

لكن في غياب المساءلة والتنظيم والضابط الأخلاقي لهذه العلاقة يكون الجمهور هو الخاسر الوحيد. فعندما يتحالف الإعلام مع مؤسسات يفترض بها خدمة الجمهور، من سيمارس الرقابة والمساءلة حين تقصر في أدائها أو تسيء استخدام سلطاتها؟

يبقى السؤال: من الجهة التي يمكن أن تنظم هذه العلاقة؟

المجلس الأعلى للإعلام.. نقابة الصحافيين.. القانون.. أم وسائل الإعلام ذاتها؟

رئيس المجلس الأعلى للإعلام، إبراهيم عزالدين يرى أنه من صالح الصحفي ألا يطلب تدخل جهة خارجية في أي شأن من شؤونه ولو دفع ثمنا لذلك، لأن التدخل سيمتد إلى شؤون أخرى لوسائل الإعلام.

"من غير صالح الصحافة المكتوبة والمرئية والمسموعة أن تدخل أي طرف من خارج الصحافة في أي أمر يعنيها تحريريا، لأن ذلك معناه أن تقبل تدخل هذه الجهة في أمور أخرى. من صالح الإعلام أن يكون مستقلا بالكامل، وأن تكون محاولة التأثير من داخل الجسم الصحفي".

قد يبدو التنظيم الذاتي لوسائل الإعلام هو الحل الأمثل، ولكنه يتطلب ظروف مثلى غير متوفرة هنا. فالثقافة الإعلامية السائدة في الأردن تشكلت بدافع خدمة الحكومات ومن ثم خدمة أصحاب المؤسسات الإعلامية، وليس لخدمة جمهورها. كما أن قوانين الإعلام الحالية وبعض الممارسات الحكومية ما زالت تعيق محاولات مؤسسات إعلامية لأداء دورها في خدمة جمهورها.

تغيير ثقافة سادت لسنوات طويلة ليس بالأمر السهل ويحتاج إلى وقت، وإلى أن يحدث ذلك لا بد من جهة "مستقلة" وبصلاحيات "تنفيذية" تنظم شؤون الإعلام.

عن دور المجلس الأعلى للإعلام، يقول عزالدين: "المساءلة ستكون عن طريق عمل تحليل لمضمون مؤسسات إعلامية، هل سيظهر الرأي الآخر، وإلى أي حد. قانون وكالة الأنباء يوجب عليها إظهار الرأي الآخر. وهنا يأتي الدور البحثي وفيه يظهر إن كان هناك تحيزا أو تقييم مهنية المؤسسة بشكل أو بآخر".

ومن ناحية القوانين، فيوضح أن هناك نص في قانون المطبوعات والنشر يمنع الصحفي من الحصول على أية منافع مالية أو معنوية. "هذا النص ممكن أن يُفعّل إذا كان لدى أحد قضية محددة يقدمها للقضاء. لا يوجد ما يمنع تفعيل هذا النص".

لكن هذا النص لا ينطبق على العائدات المالية من الإعلانات، وليس هناك من بند في القانون يتعلق بتنظيم الإعلانات، سواء على صعيد المؤسسات الإعلامية أو الجهات المعلنة، الحكومية والخاصة.

لنقابة الصحفيين الأردنيين ميثاق شرف يفترض به أن يشكل ضابطا أخلاقيا للمهنة. لكنه في الواقع، غير مُفعّل، كما هو حال النقابة عموما، إضافة إلى مضمونه العام الذي قد يساهم في تبعية وسائل الإعلام أكثر من دعم استقلاليتها.

والمسألة الأبرز هي قانون النقابة الذي يمنع انضمام الصحفيين العاملين في الإعلام المرئي والمسموع كأعضاء فيها، فليس هناك من نقابة تنظم شؤون العاملين في هذا القطاع.

صرح نقيب الصحفيين، طارق المومني، منذ شهور عن رغبة النقابة بضم صحفيي الإذاعة والتلفزيون، لكنه قال أن ذلك يتطلب قانونا جديدا. ورغم أن النقيب عضو في المجلس الأعلى للإعلام، وهو الجهة التي تقترح مشاريع القوانين على الحكومة التي تقدمه بدورها للبرلمان للمصادقة عليه، إلا أنه لم يطرح الموضوع للنقاش في المجلس بعد.

يقول عزالدين: "نحن سندعم الموضوع، لكنه لم يطرح في المجلس. المبادرة يجب أن تكون من النقابة في هذا الموضوع، لأنهم هم المعنيين في توسيع عضوية النقابة، وهو شأن يتقدمون به هم".

بعد أن منعت من تغطية الجلسات العلنية لمجلس أمانة العاصمة، لم يكن أمام راديو "عمان نت" سوى التقدم بشكوى للمجلس الأعلى للإعلام.

لكن صلاحيات المجلس الأعلى للإعلام استشارية وليست تنفيذية، وبالتالي قرارته فيما يتعلق بالشكاوى غير ملزمة.

يؤكد عزالدين أن المجلس جهة مرجعية لكنه مؤسسة منشأة بموجب قانون وله وجود معنوي في الإطار الإعلامي. "لذلك من صالح كل الجهات أن تتعامل معها بكل شفافية ومصداقية وتعاون. ونحن لم نجد أي جهة رفضت النظر في شكوى مقدمة ضدها".

ويضيف: "نحاول دائما أن نحول الشكوى إلى نوع من التسوية قبل أن تصبح خصومة، لذلك نحاول قدر الإمكان قبل أن تتمأسس".

تقول لينا النوايسة من اللجنة القانونية في المجلس الأعلى للإعلام: "تأتينا الشكوى مكتوبة وموقعة من صاحبها الذي يريد تقديمها، ومشروح فيها كل شيء بداخلها من تفاصيل كاملة، مثل ماذا حصل معه، إلى من هذه الشكوى، ماذا أزعجك... إلخ. المهم أن تكون شاملة كل شيء".

وبعد وصول الشكوى يتم الاتصال بالمشتكى عليه بهدف استيضاح رأي الطرفين. وتضيف لينا: "بعد أن تكتمل لدينا البيانات كلها، نعرضها على أعضاء اللجنة ويتم العودة إلى تعليمات اللجنة وتعليمات التحقق، فيدرسوها كاملة، ويرون ما هي الخلاصة التي يجب أن نخرج بها، هي الشكوى ذات وجه حق أم لا. وتخرج اللجنة عند اجتماعها بقرار كامل، ويذهب القرار إلى رئاسة المجلس، على اعتبار أن هذا تم بتوصية منّا نحن (اللجنة) بأن هذه الشكوى ذات وجه حق أو لا، وهل يستحق صاحبها تنويه مثلا أو أن يردوا عليه (المشتكى عليهم) بشكل أفضل، وهكذا".

وبحسب لينا، فإنه على رغم أن قرارات اللجنة أخلاقية غير ملزمة، فإنها لم تجد إلا التجاوب من جميع من تعاملت معهم. لكن في حال لم يرد أحد الطرفين على الشكوى، تقول لينا إنه "إذا لم يرد أحد الطرفين، نأخذ قرارا بالموضوع الذي طرح عليه، وهكذا يكون أمامنا وجهة نظر واحدة وهي رأي هذا الشخص الذي قدم شكواه ونخرج بقرار بما أن لا بيانات أتتنا من الطرف الثاني كأن نقول هنا كان يوجد خطأ، وقد أساء هذا الطرف إلى الطرف الآخر، بأن يضعوا تنويه أو هكذا.. القرار على كل حال يذهب إلى الطرفين المشتكي والمشتكى عليه. وكل هذه القضايا ترصد في التقرير السنوي للمجلس".

أضف تعليقك