مقابلات التوجيهي "لسنا محتوى للترفيه"

الرابط المختصر

 

مع انطلاق امتحانات الثانوية العامة (التوجيهي) هذا العام، عاد الجدل مجددًا حول ظاهرة المقابلات الإعلامية التي تُجرى للطلبة أمام قاعات الامتحان فور خروجهم، حيث يواجه الإعلام انتقادات متزايدة من الأهالي والطلبة الذين يرون أن هذه التغطيات تشكل ضغطًا نفسيًا لا داعي له، وتمس خصوصية الطلبة، بل وتتحول أحيانًا لمادة ساخرة على مواقع التواصل

"لسنا محتوى للترفيه"

تقول الطالبة اماني، التي تقدمت لامتحان اللغة الإنجليزية في إحدى مدارس العاصمة: أخرج من الامتحان متوترة، كل ما أريده هو أن ألتقط أنفاسي. فجأة تجد ميكروفونًا أمامك وكاميرا تصورك وتسأل: كيف كان الامتحان؟! هذا ليس وقتًا مناسبًا أبدًا". وتضيف: "أسوأ ما في الأمر هو أن بعض المقاطع يتم تداولها بطريقة ساخرة على تيك توك وإنستغرام، وهذا شيء مؤذٍ نفسيًا

 

أما والد أحد الطلبة، فيقول إن ابنه رفض التحدث مع أي وسيلة إعلام خوفًا من أن يُسجل عليه أي انفعال قد يُساء فهمه لاحقًا. ويؤكد أن "الهدف من الإعلام يجب أن يكون دعم الطلبة، لا إرباكهم أو استخدامهم كوسيلة لجذب المشاهدات

 

في بيان سابق، شددت نقابة الصحفيين الأردنيين على أن ممارسة العمل الإعلامي تتطلب حصول الشخص على صفة رسمية، ومخالفة ذلك تُعد انتحالًا لصفة يعاقب عليها القانون. كما طالبت النقابة الجهات الرسمية باتخاذ خطوات للحد من هذه الفوضى الإعلامية، خاصة خلال الفعاليات الحساسة مثل امتحانات التوجيهي أو حالات الطوارئ العامة

 

وأكد البيان انه ليس كل من يحمل كاميرا أو يبث محتوى يعتبر صحفيًا. الصحافة مهنة لها قواعد وأخلاقيات ومسؤوليات قانونية لا يمكن تجاوزها

 

وفي السياق أشار المحامي مؤيد الذنيبات أن القانون الأردني لا يقيّد التصوير في الأماكن العامة ما لم يتضمن إساءة للنظام العام أو اعتداءً على خصوصية الأفراد، مشيرًا إلى أن الطالب الذي يرفض التصوير يجب احترام رغبته، وأي نشر لمقاطع تُظهره دون إذنه قد يدخل في إطار الابتزاز المعنوي أو التشهير

 

ويؤكد الذنيبات أن غياب التشريعات المنظمة لهذا النوع من المحتوى، يفتح الباب أمام فوضى إعلامية، حيث بات بإمكان أي شخص أن يتحول إلى “مؤثر لحظي” من خلال هاتفه، دون مراعاة أخلاقيات النشر أو حساسية المرحلة العمرية التي يمر بها الطلبة

 

ويضيف أن المشكلة ليست قانونية بحتة، بل مجتمعية أيضاً، ولا يمكن ضبطها إلا من خلال وعي الناس واحترامهم لخصوصية الطلبة، خاصة أن الجهات الرقابية مثل نقابة الصحفيين أو الأجهزة الأمنية لا تملك آلية فاعلة لمتابعة هذه التجاوزات ما لم تكن هناك شكوى واضحة

 

ويختتم الذنيبات حديثه بالتأكيد أن الحل لا يكمن في المنع، بل في التقنين والتثقيف، مقترحًا أن يتم مستقبلاً تضمين نصوص قانونية واضحة تضع ضوابط على من يُصرّح له بتغطية هذه الأحداث، حمايةً لحقوق الطلبة وتوازنًا بين حرية التعبير وكرامة الأفراد

 

من جهتها، تحذر رئيسة قسم علم الاجتماع في جامعة مؤتة الدكتورة نسرين البحري، من أن هذا النوع من المحتوى قد يُلحق أضرارًا نفسية جسيمة بالطلبة، خاصة أولئك الذين يعيشون توترًا عاليًا نتيجة الامتحانات

 

وأشارت الى ان المقابلات العشوائية التي تُجرى مع الطلبة بعد خروجهم من قاعات امتحان التوجيهي تؤثر بشكل مباشر على أدائهم في الامتحانات اللاحقة، وقد تُسبب ردود فعل سلبية لدى الطلبة وذويهم على حد سواء

 

وأكدت البحري أن هذه التغطيات إذا كانت تهدف فعلًا إلى خدمة العملية التعليمية، فيجب أن تركز على تقييم الامتحانات من وجهة نظر تربوية متخصصة، من خلال أصحاب الاختصاص والعلاقة المباشرة، لا من خلال الطلبة الذين لا يمكنهم الحكم بدقة على طبيعة الأسئلة لحظة خروجهم من الامتحان

 

وأشارت إلى أن غالبًا ما يُصرح الطلبة بصعوبة الامتحان، لكن عند صدور النتائج نجد نسبًا عالية من العلامات، ما يدل على وجود انطباعات انفعالية وقتية تؤدي إلى خلق حرب نفسية للأهالي والطلبة معًا

 

وحذّرت البحري من أن الفوضى والسخرية التي ترافق بعض هذه المقابلات تخلق صورة نمطية سلبية عن الطلبة، وتوحي بأنهم غير مسؤولين أو غير جادين، وهو ما لا يعكس الواقع. وأضافت: يجب تحري الدقة والصدق والاحترام عند التعامل مع الطالب، لأن هدف المقابلة الإعلامية ليس التسلية أو السخرية، بل تقديم محتوى يخدم المجتمع ويراعي الحالة النفسية للطلبة

 

وختمت البحري بالتأكيد على أن مستوى التعليم في الأردن مرتفع ويحظى بتقدير في العالم العربي، وأن ما يُنشر على وسائل الإعلام ومواقع التواصل يعكس صورة الأردن خارجياً. وأي إساءة لصورة الطلبة والتعليم قد تؤثر على سمعتنا، لذلك يجب التعامل مع هذه المرحلة بحذر ومسؤولية