"مع هيكل".. ملحوظات رئيسية
عاد الصحافي والإعلامي المعروف محمد حسنين هيكل أول من أمس ليدشّن هجوماً جديداً على الأردن وعلى الحكم، ويكيل الاتهامات في سياق سياسي مفهوم تماماً يخدم أجندة تظهر بوضوح توجهاً إقليمياً لتكسير الدور الأردني في المنطقة وإضعافه.
فلنخرج من "عقلية المؤامرة" ومنطق الردح إلى التحليل المتزن، فلماذا لا تصيب سهام هيكل إلاّ بعض الدول وفي حدود وظيفية واضحة لبرنامجه "مع هيكل"؟! لماذا لا يتحدث عن "الويلات السياسية" في دول أخرى تعاني من أزمات حقيقية داخلية وخارجية؟!
أحسب أنّ المواطن الأردني والعربي أكثر ذكاءً من "تمرير" السياسات التي توظف هيكل وسمعته الإعلامية، لكن الخاسر الأكبر من ذلك بتقديري هو هيكل نفسه الذي يخسر من مصداقيته كثيراً، كصحافي ومثقف ومحلل سياسي عربي عريق، عندما يُستخدم بهذه الصورة السافرة لخدمة أجندات غير مريحة تكبر أدوارها في ظل حالة الشقاق والاستقطاب العربي فقط.
الرد على هيكل لا يكون في مقال صحافي، ولا في صحيفة محلية، إنّما من قبل القامات الفكرية والعلمية والمثقفة الأردنية، وفي منابر إعلامية عربية، وهنالك حقبة ممتدة في التاريخ المعاصر، تحتاج إلى إضاءة وإنصاف بعيداً عن منطق الاتهام والتجريح والتخوين الذي يطغى على خطاب الرجل تحديداً تجاه الأردن!
الملاحظة الملفتة الأخرى ترتبط بـ"العقدة الشخصية" لدى هيكل، وهو الكاتب المقرب من الرئيس الراحل عبدالناصر، وبالتحديد محاولة إخراج الهزيمة العربية في عام الـ67 من تحت عباءة أخطاء النظام الناصري الداخلية والخارجية، ليظهره وكأنه ضحية "مؤامرة عربية" فقط!
بلا شك، يحظى الرئيس ناصر باحترام واعتزاز كبير داخل مصر وخارجها، لكن هذا لا يعني "شيطنة" النظم الأخرى، لتبرئة النظام، وتبييض صفحة هيكل نفسه، الذي ساهم في تحمل وزر أخطاء كبيرة في تلك الحقبة، وكان مستشاراً مقرّباً.
وإذا كنّا في صدد "التقييم" للتجارب السياسية العربية، وفي سياق دور الراصد والمؤرخ الذي يؤديه هيكل اليوم، فلنقارن، إذن، "النموذج الأردني" بالنماذج العربية الأخرى. فالأردن دولة لا تملك إلاّ موارد شحيحة وكانت الأهواء والمصالح الإقليمية والدولية تتلاعب بالمنطقة وتسعى إلى تدمير هذا البلد الصغير، لكن النتيجة اليوم بادية للعيان، نمتلك دولة محترمة صنعت إنجازات كبيرة في المجالات كافة من العدم. ألا يستحق هذا الالتفات، من هيكل، مقارنة بنماذج أخرى؟!
تكفي المقارنة اليوم بين عمان والعواصم العربية من حيث التنمية والاقتصاد والأمن والقانون وتأهيل الإنسان علمياً ومهنياً والتسامح السياسي وإدارة الحياة الداخلية سلمياً بلا دماء ولا أشلاء أو سجون تمتلئ بآلاف المعتقلين السياسيين.
ومع ذلك، فإننا لا نتحدث عن هذه الإنجازات إلاّ شذراً، لأننا ننظر إلى الأمام ونسعى دوماً إلى التطوير وتوليد القدرات والابتكار لمواجهة الضغوط والتحديات العاصفة في كل المراحل.
الملحوظة الأخيرة، تتعلق بنا نحن هنا، ولنعترف صراحة أنّنا نخسر المعركة الإعلامية، عربياً، باستمرار، وأنّ هنالك ظلما وتشويها وتسويدا متعمدا لصورة الأردن أمام الرأي العام العربي.
فهل ما يزال من المقبول أنّ يبقى الأردن، الذي يخرّج خبرات ومهارات إعلامية إلى الدول العربية، عاجزاً عن بناء ودعم مؤسسات إعلامية محترمة ومعتبرة تحظى بمصداقية مهنية عربية وعالمية، قادرة على المنافسة الإعلامية ومواجهة التحديات السياسية وإنصاف الوطن!
ومتى يتنبه المسؤولون إلى أهمية "الصورة الإعلامية" في السياسات الخارجية، وإلى أهمية المساهمة في بناء قامات إعلامية مثقفة وخبيرة وكفؤة، وتمكينها من المعلومات والبيانات المتاحة، فتمتلك المكانة التي يحتلها هيكل وغيره في الإعلام العربي؟!
ليست المرة الأولى التي يهاجم الأردن إعلامياً بقسوة، لكنّنا نمارس دوما "الرياضات الكلامية" نفسها وسياسة الفزعات، لأننا ما نزال نتخبط في بناء إعلام مهني مستقل يمتلك المصداقية المهنية والسياسية المطلوبة.











































