معركة تلة الذخيرة بطولات أردنية على ثرى القدس

الرابط المختصر

 



يسجل التاريخ المعاصر في السادس من شهر حزيران من كل عام لأشاوس الجيش العربي المصطفوي، جنود وضباط القوات المسلحة الاردنية، شهادة فخر لا مثيل لها بالبسالة والبطولة والتضحية على ثرى فلسطين في معركة اطلق عليها اسم معركة تلة الذخيرة، وهي واحدة من عشرات المعارك التي خاضتها الجباه السمر الأردنية دفاعاً عن فلسطين والقدس والاقصى.

مما لا شك فيه أن الحديث عن الذات يكون فيه تشكيك بقدر الميثاقية والصدقية، ولكن عندما تأتي الشهادة من الخصم أو العدو، فهذه حتماً شهادة حق لا شك فيها وإن كانت من العدو، فعند الغوص في المحتوى الإسرائيلي باللغة العبرية على شبكة الانترنت، وقراءة ما نشرته كتب عبرية وانجليزية كثيرة عن معركة تلة الذخيرة ومعارك القدس الأخرى، تبرز اعترافات إسرائيلية صريحة في هذه المصادر المفتوحة تمجد جسارة وبسالة الجندي الأردني، وهذه الشهادات تستحق إبرازها للعالم أجمع.

ففي كتابه القيم "حرب القدس عام 1967 " والذي صدرت طبعته الأولى في العام 2017 باللغة العبرية، يتوجه الكاتب والمؤلف الإسرائيلي جدعون افيتال افشتاين، وهو أحد الجنود الإسرائيليين الذين شاركوا في معركة تلة الذخيرة، يتوجه بالتقدير والاحترام لذكرى شهداء الجيش الأردني هكذا كتبها نصاً في السطر الأول من كتابه الذي يعتبر من ندرة الكتب التي تحدثت بالتفصيل عن مجريات حرب حزيران، وخصص لذكرى كل من سقطوا وارتقوا واصيبوا في حرب القدس، ويقع الكتاب في 590 صفحة، ويزخر بالصور والخرائط عن سير المعارك الشرسة التي دارت في القدس في العام 1967 قبيل احتلالها.

الكتاب الذي وصل لوكالة الأنباء الأردنية (بترا) كهدية من السفير الأردني في تل ابيب غسان المجالي، يخصص المؤلف افشتاين 38 صفحة منه للحديث عن معركة تلة الذخيرة الاستراتيجية، ويتحدث بالتفصيل عن حجم القوة العسكرية التي حشدها الإسرائيليون لاحتلال موقع تلة الذخيرة، هذه التلة التي سميت بهذا الاسم كونها كانت تستخدم كمستودع ذخيرة تابع لمدرسة الشرطة، وبسبب أطنان الذخيرة التي استخدمها العدو الإسرائيلي خلال المعركة في البر ومن الجو للاستيلاء على هذه التلة الاستراتيجية، والتي سهلت عليه استكمال احتلال الجزء الشرقي من القدس بعد احتلال الجزء الغربي منها في نكبة العام 1948.

يكشف كتاب افشتاين حجم القوة العسكرية الإسرائيلية الضخمة التي جرى تحشيدها لاحتلال التلة مقابل قوة محدودة من الجيش الأردني الذي توزعت قواته المتواضعة على نحو 40 موقعاً في أنحاء القدس كانت قوات الاحتلال تستهدفها جميعاً لاحتلال كامل المدينة.

فقد تحركت القوة الإسرائيلية لاحتلال تلة الذخيرة في 25 حافلة تقل الواحدة منها 34 مقاتلاً على الأقل، بمعنى أن جيش الاحتلال حشد للهجوم المباشر على موقع التلة ما يقارب 900 مقاتل إسرائيلي من قوات المظليين، وهي الوحدات الأكثر تمرساً على القتال، والأفضل تدريباً عندهم، بالإضافة لقوات الإسناد المدفعي والصاروخي والراجمات التي نشرت في محيط التلة لمواجهة 100 جندي أردني من كتيبة الحسين الثانية، وبحسب الكتاب كانت إحدى الحافلات تقل وحدة الراجمات المزودة بست راجمات، وكانت الحافلات مكتظة بمقاتلين ومحملة بكميات كبيرة من العتاد القتالي والذخيرة والقنابل اليدوية للأفراد، وجرى تخصيص سبع دبابات لدعم كتيبة المظليين 66 من جيش الاحتلال، وهي الكتيبة التي جرى تكليفها باحتلال تلة الذخيرة، بالإضافة الى ثمانية مدافع مضادة للدبابات خصصت لقصف مواقع وخنادق الجيش الأردني على التلة، ووضعت تحت تصرف الجنرال مردخاي غور، قائد العملية من الطرف الإسرائيلي 14 دبابة من نوع ( ايه ام اكس) لاستخدامها عند الحاجة كانت منتشرة في محيط التلة لتكثيف القصف.

ومما يلفت الانتباه في أسلوب كتاب افشتاين أنه يعكس احترافية ومهارة الجندي الأردني في استخدام ما بحوزته من كمية ذخيرة متواضعة في المعركة، إذ يقول الكاتب إنه "وقبل الهجوم الإسرائيلي على تلة الذخيرة، أصابت قذيفة أردنية وحدة الراجمات إصابة مباشرة، فأعطبتها وأخرجتها من الخدمة"، وتحدث الكاتب عن إصابات مباشرة قتل فيها جنود إسرائيليين في المعركة ظناً منهم أن الجيش العربي كان يستخدم بنادق قنص خاصة ووحدات قناصة، والحقيقة أن كل ما كان يستخدمه الجندي الأردني حينها هي بنادق أمريكية الصنع M1 قديمة من نوع “كاربين” نصف اتوماتيكية، يجري تذخيرها رصاصة برصاصة بعد كل استخدام بعكس الرشاشات الاوتوماتيكية الحديثة من نوع "عوزي" التي كان يتسلح بها الجنود الإسرائيليون، والذين كان الواحد منهم يتحزم ب 16 مخزن للرصاص.

وتوصف معركة تلة الذخيرة في حي الشيخ جراح في القدس أنها واحدة من أشرس وأعنف المعارك التي خاضها الجيش الأردني ضد قوات الاحتلال في القدس، وتروي قصص 97 شهيداً أردنياً ارتقوا من أصل 101 هم عدد أفراد كتيبة "الحسين الثانية" التي خاضت المعركة، وتغير اسمها لاحقاً لتصبح سرية "أم الشهداء."

وكانت تلة الذخيرة الموقع الأكثر أهمية استراتيجياً الذي يمكن الدفاع عنه، حتى لا تتوغل القوات الإسرائيلية إلى داخل حدود القدس من الجهة الشرقية، وتقع على خط التقسيم بين منطقة شرقي القدس التي كانت تحت الإشراف الأردني، ومنطقة غربي القدس التي احتلها الإسرائيليون أثناء النكبة عام 1948.

وعند الاستعانة ببرمجيات الذكاء الاصطناعي التوليدي للغوص عميقاً في المحتوى العبري عن معركة تلة الذخيرة، لمعرفة ما ذكر عن بطولة الجنود الأردنيين البواسل شهداء ومصابي معركة تلة الذخيرة في القدس، لخصت هذه البرمجيات ما ورد في عشرات الكتب ومئات المقالات عن المعركة ومنها ما قاله أحد الجنود الإسرائيليين الذين شاركوا في المعركة حيث قال: "كان الأردنيون يقاتلون بشراسة وشجاعة كبيرة، كانوا يعرفون أن هذه المعركة قد تحدد مصيرهم ومصير بلادهم، ولذلك كانوا على استعداد تام للضحية بأرواحهم ".

ضابط إسرائيلي آخر صرح قائلاً: "كان الجنود الأردنيون يثبتون لنا يوماً بعد يوم أنهم ليسوا خصوماً سهلين، كانوا يتحلون بالمرونة والمثابرة والقوة الجسدية، كلما تقدمنا، كلما واجهنا مقاومة شديدة من جانبهم" .

جندي إسرائيلي آخر شارك بالقتال أشاد بالإرادة الصلبة للجنود الأردنيين، حيث قال: "كانوا يعلمون أن النصر لن يأتي لهم بسهولة، ولكنهم لم يفقدوا الأمل او العزيمة، كانوا يستعيدون مواقعنا بإصرار شديد وعزم قوي. "

وبحسب ما أوردت برمجيات الذكاء الاصطناعي التوليدي عن مردخاي غور، قائد معركة تلة الذخيرة عن الجانب الإسرائيلي في حرب العام 1967 حيث تحدث خلال العقود الأخيرة عن المعركة وأداء الجيش العربي الأردني، وصف المعركة كواحدة من أكثر المعارك المعقدة التي واجهها جيش الاحتلال في تاريخه، وتحدث عن قوة مقاومة الجيش العربي، وشدد على القوة والجسارة التي أظهرها الجنود الأردنيون في المعارك ، وأعرب غور عن تقديره العالي للشجاعة العسكرية التي أظهرها الجنود الأردنيون في هجماتهم المفاجئة ضد الجيش الإسرائيلي، وكذلك للوعي القتالي الذي كان يتمتع به الجنود الأردنيون، وقدرتهم الرائعة للتعامل مع الهجمات الإسرائيلية .

وتحدث غور عن البسالة والقوة التي أظهرها الجنود الأردنيون للدفاع عن موقع تلة الذخيرة الاستراتيجي، وكيف تضرر جيش الاحتلال من الهجمات القاسية المفاجئة للجنود الأردنيين، وأثنى على الحكمة والاحترافية التي أظهرها الجيش العربي الأردني مما دفع بجيش الاحتلال لتبني استراتيجيات مختلفة خلال المعركة .

ولم يتردد الجنرال موشيه دايان، وزير الجيش خلال حرب حزيران 1967 في التعبير عن اعجابه واحترامه للجنود الأردنيين ومقاومتهم الشرسة في معركة تلة الذخيرة .

وذكر دايان في مذكراته التي نشرها بعنوان خدمة الأمة (SERVICE TO THE NATION) واوردتها برمجيات الذكاء الاصطناعي بالمحتوى العبري، تأثير الجنود الأردنيين وتمسكهم بالتلة وقوة مقاومتهم، وأشار الى أن الجنود الأردنيين قاتلوا بشجاعة وعزيمة عالية، وأظهروا مستوى عال من الكفاءة القتالية والتدريب. وأشاد دايان بالنظام والتنظيم العسكري للجنود الأردنيين في معركة تلة الذخيرة وقد وصفهم بأنهم أعداء شديدي المراس وجديين، وأقر أنهم كانوا يستفيدون من الموقع الجغرافي المرتفع للتلة والمناسب للدفاع، مما جعل المعركة أكثر تحدياً لقوات الاحتلال .

اسحق رابين رئيس أركان جيش الاحتلال حينها وصف المعركة في تلة الذخيرة بأنها "معركة صعبة ومعقدة " خاضها الجيش العربي الأردني بكل بسالة وبطولة، وذكر أن أداء واحترافية وجسارة الجنود الأردنيين الذين استشهدوا وأصيبوا في المعركة أثارت مداولات مستمرة داخل المنظومة العسكرية الإسرائيلية حول قدرة وقوة الوحدات العسكرية الأردنية، والعمليات التي خاضتها خلال المعارك، وأعرب رابين عن تقديره للجودة القتالية العالية لجنود الجيش العربي الأردني، والقدرة القتالية والاحترافية والروح العسكرية التي أبداها الجنود الأردنيون .

الكاتب: ايمن دهاج الحنيطي - بترا

أضف تعليقك