معالي الوزير: سؤال؟

 

هذه العبارة البسيطة التي يكررها أيّ مراسل يشارك في مؤتمر صحفي أو لقاء إعلامي مع وزير لم تُسمع منذ أكثر من أربعين يوما، في حين يستمع الشعب يومياً وبخشوع للإيجاز اليومي لوزير شؤون الإعلام ووزير الصحة وأي وزير آخر يتم الطلب منه الحضور أمام لوحة مكتوب عليها "المركز الوطني للأمن وإدارة الأزمات."

 

ولعلّ وجود المتحدثين الحكوميين أمام تلك اللوحة ومعرفة الجميع بخطورة الوضع ووجود حالة طارئة أدت بالجميع ومنهم المدافعين عن حقوق الإنسان، وحق التعبير عن الرأي، بالتغاضي المؤقت عن غياب الصحفيين. فمركز الأزمات موجود في منطقة أمنية مغلقة لا يمكن وصول الصحفيين إليها، والوضع الخارجي والخوف من انتشار الوباء والشعور بوجود أزمة طارئة أدت إلى قبول مثل هذا الوضع.

 

وقد قدم عدد من الإعلاميين، ومنهم كاتب هذه السطور، بعض الاقتراحات لتجاوز هذا الأمر من خلال الاستفادة من التواصل الالكتروني أو حتى فكرة إرسال الأسئلة عبر الوتساب أو غيرها من الوسائط لعل وعسى يكون للجمهور الذي يمثله الإعلام دور ولو محدود بالتفاعل مع المتحدثين الحكوميين. إلا أن كل الردود على تلك الأفكار كانت سلبية، ولم يكن الأمر مزعجا خاصة وأن المتحدثين أجازوا ولم يدخلوا في أي نقاش أو تجاوز لدورهم في إعطاء المعلومة الصحية والقرارت الحكومية وبشكل مهني لاقى إعجاب الكثيرين.

 

ورغم صدور قرار مجحف بحق زملاء لنا في تلفزيون رؤيا بتوقيفهم على خلفية تقرير ميداني مصور بتهم مستندة إلى قانون منع الإرهاب إلا أن الأمر مر بسلام بعد تراجع الدولة الأردنية عن خطئها وإطلاق سراح الموقوفين بعد ثلاثة أيام بكفالة.

 

إلا أن أمراً ما تغير خلال الأيام الأخيرة وخاصة بعد حادثتي الخناصري والدبكة خارج كرفانات البحر الميت، حيث شكل الرأي العام اعتراضا على الحكومة كونها تعاملت مع سائقي الشحن القادمين من السعودية بطريقة سهلة في حين كان هناك شروط حجر مجحفة بحق الطلاب العائدين من الخارج وعقاب على تجاوزهم الحجر من خلال رقصة الدبكة بحلق شعورهم "على الصفر" وتأنيبهم علنا من على منصة الإيجاز اليومي. الاعتراض جاء على خلفية حقيقة عدم وجود أي مصاب من الشباب في موقع الحجر بمنطقة البحر الميت بفيروس الكورونا في حين أن السائق الذي سمحت له الدولة بالدخول دون رقابة تسبب بنقل المرض للعشرات وخالف مع أقربائه الحجر وحظر التنقل بين المحافظات.

 

طبعاً قام وزير شؤون الإعلام بالتعليق على الموضوع مستنداً إلى الهجوم عبر وسائل التواصل الاجتماعي وليس بالرد على الصحفيين كما هو مفترض أن يكون في الوضع العادي.

 

إذن، من الواضح أن منصة مركز الأزمات والتي كانت مخصصة لنقل المعلومات، دخلت في التفاعلات السياسية والاجتماعية الأمر الذي انعكس عنه البدء بتراجع شعبية حكومة الرزاز وزيادة بالمطالب الشرعية للإعلام بأن يكون متواجدا خلال الإيجاز اليومي وطرح الأسئلة التي تعكس ما يريده ويتساءل عنه الشعب.

 

لقد تطلبت معالجة الأزمة الصحية الحالية سياسة عسكرية منضبطة نجحت القوات المسلحة والوزراء الملتزمون بتطبيقها بصورة نالت إعجاب الجميع، ولكن مع تراجع حدة الأزمة والتخفيف من قيود التنقل إضافة لدخول الوزراء في جدل حول أسباب دخول السائقين بدون حجر أو غيرها من القرارت، فقد آن الأوان رفع الحظر على تواجد الإعلاميين في اللقاءات الصحفية وانفتاح الوزراء للتواصل مع كافة وسائل الإعلام وليس فقط الإعلام الرسمي كي تعود الحياة المدنية لدورها الطبيعي تدريجيا.

 

لا شك أن الأزمة الحالية كشفت العديد من نقاط الضعف والقوة لدى الأردنيين بشكل عام ولدى قطاع الإعلام بشكل خاص، ومن المفيد أن يتم مراجعة جادة ومعمقة لدور الإعلام وكيفية استدامته لضمان التنوع والتعددية ليمثل الإعلام كل من يتواجد على الأراضي الأردني من خلال كافة وسائل الإعلام الرسمية والخاصة والأهلية وبصورة متناغمة مع المصالح العليا للأردن. لقد جاء الوقت لعودة الصحفيين إلى المؤتمرات والإيجازات الإعلامية اليومية كي نعود ونسمع عبارة: معالي الوزير: سؤال؟

 

أضف تعليقك