معاصْ استثنائية
أدهشني في حديث لممثل معروف على قناة فضائية ، رفضه القاطع لعمل ابنته في الفن ، معللا ذلك برفضه تعرضها لـ"قبلة سينمائية" من فنان ، مع أن هذه القبلة كما قال ، لا تختلف كثيرا عن أي "فعل" سينمائي ، كالضرب والشقلبة وسواهما من "الأكشن" ، من حيث خلوها من الحرارة والعاطفة الحقيقية ، أما السبب الجواني الداخلي للرفض فهو: لأنه "فلاح ،"ولا يرضى لابنته أن يقبلها رجل ، كما قال ، فيما وافق ان يعمل ابنه في الفن ، مشفقا عليه من صعوبة هذه المهنة ، أكثر علما بأنه يعرف أن ابنه يمكن أن يقبل الفنانات من "زميلاته" ولم ير بأسا في هذا ، لأنه ذكر، هذا الممثل كان انتقد توبة الفنانات وحجابهن ، وأثار حينها عاصفة من الاحتجاجات جراء هذا الموقف ، في المقابلة ذاتها "اعتذر" للفنانات اللواتي قبلهن ربما مئات أو آلاف المرات في أفلامه ، في الوقت الذي لا يرضى فيه لابنته ما رضي للأخريات،.
هذا الرجل - الممثل اختصر مشكلة الرجل الشرقي كلها ، وقـَطرها في موقفه من ابنته ، فالرجل الشرقي يبيح لنفسه ولأبناء جنسه من الذكور ارتكاب كل ما يخطر وما لا يخطر بالبال ، ويعتبر أن "الذكورة" تمنحه "حق" اقتراف "معاصْ" استثنائية ، لا يمكن التسامح معها فيما لو كان مرتكب الفعل أنثى ، ولعل رسولنا محمد عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم ، قد حرك هذا المكمن في نفس الأعرابي الذي دخل عليه قائلا: أتأذن لي يا محمد بالزنى، فاستغرب الحضور هذا الطلب وأثار استياءهم ، أما رسول الله فأشار للأعرابي قائلا: أدنُ مني، فلما دنا قال له: أترضاها لأمك؟ قال الأعرابي: لا، فقال النبي عليه الصلاة والسلام: أترضاها لأختك؟ قال: لا، وبهذا نزع الرسول صلى الله عليه وسلم الرغبة بالزنى من نفس الرجل ، الذي يقول أنه جاء النبي وهو اشد رغبة بهذا الفعل من أي شيء ، وغادره وهو أشد بغضا وكرها له، النفس السوية لا تبيح لذاتها ما تحظره على الغير ، ذكرا كان أو أنثى ، وذلك الممثل في رأيه السابق يمثل الرجل الشرقي بكل تفصيلاته ، هذا الرجل القابع في نفس كل واحد فينا ، يسيره ويضبط ايقاع حياته بمقادير مختلفة ، تختلف من شخص لآخر ، ولا يكاد ينجو من هذا "المرض" الشرقي أحد ، إلا من رحم ربي،.
التمييز ضد النساء ، شعار يثير حفيظة كثير من الذكور ، وربما بعض النساء ، ولعل من غرائب الأمور أن بعض الناشطين الاسلاميين يصابون بالضيق حين يتحدث أحد عن موقف الاسلام من "قضية" المرأة ، على اعتبار أن المرأة ليس لها "قضية" في الاسلام ، وهذه حقيقة ، لكن الحقيقة الأكبر أن لها قضية كبرى مع الاسلاميين أنفسهم ، الذين يلتبس الأمر عند بعضهم ، فيعتقد أن رأيه هو في "قضية" المرأة هو رأي الاسلام نفسه ، وهنا اشكالية كبرى ، فلا بد من فك الارتباط بين "النص" و "فقه" النص ، فالنص الاسلامي الثابت مقدس أما فقهه فلا ، وهو يـُقبل أو يُرفض تبعا لمدى استكناهه واستبطانه للنص ، ومن المفارقة هنا ، أن نستذكر اعتراض احد الرموز الاسلامية على ترشيح المرأة لمجلس النواب ، فيما هو نفسه ترشح للبرلمان الذي يعتبر العمل فيه "ضربا من العبث" بسبب عدم اقتناعه بجدوى الانغماس في العمل مع انظمة لا تحكم بالاسلام،،.
التمييز ضد النساء ، صفحة في ملفنا الاجتماعي الملتهب والموضوع على الرف ، ولا يمكن لنا أن نحقق أي تطور حقيقي ما لم نفتحه على مصراعيه ، وننبشه صفحة تلو أخرى ، في مكاشفة ومعالجة علنية وشفافة،.











































