مطلوب رئيس تحرير.. بلا ماض سياسي!
رغم كل الدعوات الملكية وما قيل ويقال عن توجهات حكومية لرفع سقف الحريات الإعلامية في الأردن، ما زالت مؤسسات وهيئات حكومية تمارس أشكال مختلفة من القيود والرقابة والتدخل في العمل الصحفي والإعلامي، والتي لا تتنافى مع التوجهات المعلنة فحسب بل تتعارض مع التشريعات والقوانين المتعلقة بالإعلام.من الانتهاكات البارزة في المشهد الإعلامي التدخل السافر لدائرة المطبوعات والنشر في اختيار كادر تحرير مجلة أو صحيفة قبل صدورها. فبالإضافة إلى التضييق على المطبوعات الإخبارية والسياسية عبر تعقيد إجراءات الترخيص وزيادة رسومها، تماطل الدائرة وتعرقل إصدار التراخيص إذا ما تحفظت "الجهات الأمنية" على أحد أسماء كادر المطبوعة.
لائحة الشروط الواجب توفرها في رئيس تحرير مطبوعة متقدمة للترخيص معلنة وواضحة بحسب قانون دائرة المطبوعات والنشر. ليس فيها أي شرط لخلو ماضي رئيس التحرير من نشاط سياسي، إلا أن ما يجري في الواقع مختلف تماما. فهناك شرط خفي قد يحول دون حصول المطبوعة على الترخيص، وهو عدم موافقة جهاز المخابرات العامة على أحد أسماء كادر المطبوعة، ربما بسبب إنتماء سياسي سابق أو مشاركته في مظاهرة منددة بالاحتلال.
"المستور" كانت أحد المجلات التي واجهت العديد من العراقيل في طريقها إلى الترخيص، وما كانت لترى النور لولا تهديدات رئيس تحريرها، أحمد أبو خليل، في مقال منشور، باللجوء إلى القضاء لعدم قانونية مماطلة أو رفض الترخيص.
"أهالينا" مجلة أخرى واجهت معيقات ومماطلات للحصول على ترخيص من دائرة المطبوعات والنشر إلى أن أبلغ القائمين عليها، بشكل غير رسمي، أن الدائرة متحفظة على اسم رئيس تحريرها، إبراهيم جابر، وهو محرر القسم الثقافي في صحيفة "العرب اليوم"، وذلك لأسباب أمنية. ما اضطر مالك المجلة إلى تغيير اسم رئيس تحريرها للحصول على الترخيص.
"المسلمة"، وهي مجلة اجتماعية نسائية شهرية، تقدمت بطلب الترخيص من دائرة المطبوعات والنشر في شهر أيار الماضي لكنها لم تر النور حتى اللحظة، والسبب توجهات رئيس تحريرها السياسية "القريبة من الاتجاه الإسلامي سابقا".
رفض اسم طارق الديلواني كمرشح لرئيس تحرير مجلة "المسلمة".
"علمنا بشكل غير مباشر أن هناك تحفظات من الجهات الأمنية على هذا الاسم. برر الرفض بتوجهاتي السياسية القريبة من الاتجاه الإسلامي سابقا"، يقول الديلواني، مسؤول الموقع الإلكتروني لصحيفة "الغد".
"من الناحية القانونية أنا مستوفي لكامل الشروط القانونية، وهي معروفة للجميع".
ويؤكد أنه لم يصدر كتاب رسمي حتى الآن. "إذا كنا نتكلم عن إجراءات إدارية وموضوعية وعمل منظم، الأصل أن يصدر كتاب رسمي صريح من دائرة المطبوعات بالرفض ويبين فيه أسباب الرفض. لكن هذه الأمور لا تتم بشكل واضح، يتم الرفض ويتم العلم بأن هذا الشخص مرفوض أمنيا بطرق ملتوية".
المجلس الأعلى للإعلام غائب عن الأحداث
يقول نائب رئيس المجلس، هاشم خريسات، أن المجلس لم يتلق أية شكوى بهذا الخصوص.
وعما إذا كان تحويل دائرة المطبوعات والنشر إلى هيئة "مستقلة"، كما ورد في مشروع قانون في طريقه إلى مجلس النواب، سيخفف من التدخلات والقيود المفروضة على ترخيص المطبوعات، يوضح خريسات أن بإمكان المجلة اللجوء إلى القضاء في ظل القانون الحالي، فهو يكفل حق المجلة في نقض قرار دائرة المطبوعات والنشر.
وفي ضوء قانون المطبوعات والنشر يجب على دائرة المطبوعات والنشر أن ترد على طلب ترخيص المطبوعة خلال أسبوعين، وإذا لم يتم الرد في هذه الفترة فيحق للمطبوعة بالصدور والمباشرة بعملها. وإذا جاء الرد بالرفض فيحق للمطبوعة رفع دعوى أمام محكمة الأمن العليا للاعتراض على القرار. لكن تحريك القضية يعتمد على رغبة مالك المجلة بذلك وليس رئيس تحريرها.
يقول الديلواني: "الأصل أن نحتكم في هذه الأمور للقانون، لكن ليس هناك ما هو مشجع للمضي قدما في هذا الطريق. ما يدور الحديث عنه في الوسط الصحفي الأردني من إشاعة جو الحريات الإعلامية يناقضه تماما وجود قوى شد عكسي داخل المؤسسات الإعلامية الحكومية وغير الحكومية، والتي تحارب هذه الأمور بشكل واضح تماما، وما حدث معي هو أكبر دليل على ذلك".
ويرى الصحافي أن ما يحدث هو نوع من الرقابة المسبقة حتى قبل صدور المطبوعة، ونوع من التدخل غير المبرر. "لا يجوز لأية جهة حتى لو كانت رقابية أن تتدخل أو تصنف الناس، خاصة في المجال الإعلامي، على أساس مواقفهم السياسية وانتماءاتهم الفكرية. أعتقد أن هذا مناقض تماما لمفهوم الديمقراطية والحريات الإعلامية التي ننادي بها في البلد".
ويضيف أن الأردن أصبح قبلة للاستثمار الإعلامي، وهو مبشر وجميل جدا، وأن دوافع هذا الاستثمار هو إشاعة جو من الحريات الإعلامية في الأردن. "الأهم أن يوازي إشاعة هذا الجو تشريعات إعلامية حقيقية أقل تقييدا للحريات". ويرى أن التشريعات الإعلامية في الأردن لا زالت مقيدة بشكل أو بآخر للحريات الإعلامية.
يقول الديلواني: "لدينا رغبة حقيقية بالتغيير والتطوير لكن بالمقابل هناك قوى شد عكسي تحارب ذلك كله. الأصل أننا في الأردن منذ سنوات ماضية وطويلة جدا حققنا شيء على صعيد الحريات، لكن ما يحدث هو عكس ذلك تماما".
"بعد تجربتي الأخيرة أنا محبط الآن وليست لدي أية رغبة بممارسة أي عمل إعلامي".
لا تعدم الهيئات الحكومية إيجاد وسائل لعرقلة جو الحريات، ومنها بالطبع هذه القضية المتعلقة بالماضي أو التوجهات السياسية لرؤساء تحرير المطبوعة المراد ترخيصها. ولكن هذه ليست كل القصة.
عمليا لا تزال تنتصب أمام كل من يريد الحصول على ترخيص لوسيلة إعلامية عراقيل أو تعقيدات عدة منها ما هو قانوني للأسف، كترخيص إذاعة أو فضائية تعنى بالشؤون السياسية، إذ يطلب قانون المرئي والمسموع رسوم ترخيص مضاعفة عن نظيرتها الترفيهية، وهو أمر أدى في المحصلة إلى انتشار ظاهرة الإذاعات الترفيهية في البلد وغياب كامل للإذاعات السياسية أو التي تحوي برامج سياسية على الأقل. كما تخضع هيئة الإعلام المرئي والمسموع الإذاعات المرخصة لرقابة صارمة يخشى أن تؤدي إلى تعسف في استخدام القانون.
وبالطبع فإن سيطرة الحكومة على وسائل الإعلام المرئية والمسموعة ووكالة الأنباء الأردنية "بترا" لا تزال محكمة ما يمنع تحول كل هذه المؤسسات إلى وسائل إعلامية لخدمة الدولة لا الحكومة.
أما الرقابة على الكتب والمطبوعات فلا تزال أيضا قائمة على قدم وساق ويكفي في هذا السياق مراجعة أي تقرير لجمعيات حقوق الإنسان الأردنية لمعرفة حجم الكتب التي خضعت للمنع.
قد يقال أن شوطا طويلا قطع على طريق الحريات في الأردن ولكن يبقى أن تلتزم الحكومة ببقية المسافة كي تفي بوعودها وبمطالب البرلمان وقبل كل ذلك تنفيذ التوجهات الملكية بحرية سقفها السماء. تابعوا الحلقة