مطالبات نيابية بعودة وزارة التموين وإعادة النظر بالاقتصاد الحر

الرابط المختصر

طالبت أغلبية نيابية الحكومة بإعادة النظر بسياسة الاقتصاد الحر والنظام الرأسمالي "المتطرف" الذي كان وراء الأزمة المالية العالمية، في حين ذهب البعض للمطالبة بعودة وزارة التموين لضبط الأسعار ومراقبة السوق.

جاء ذلك في جلسة المناقشة العامة لتداعيات الأزمة المالية العالمية على الاقتصاد الوطني، والتي استعرض فيها رئيس الوزراء نادر الذهبي أسباب الأزمة وتداعياتها والإجراءات الحكومية المتخذة بهذا الخصوص.

"تطمينات" الذهبي بأن الأزمة المالية العالمية بمنأى عن البنوك المحلية، وأن الجهاز المصرفي في المملكة لا يعاني من أي نقص في السيولة، لم يكن كافياً للعديد من النواب الذين أكدوا أن على الحكومة وضع خطط احترازية على المدى المتوسط والبعيد، واتخاذ الإجراءات المناسبة بالتدخل في منظومة السوق "المنفلتة" وحماية المواطنين من "جشع" التجار بدلاً من التفرج.

الذهبي استتبع في بيانه "أن من يظن أن الأزمة المالية لن تؤثر علينا ونحن بمنأى عنها فهو واهم ولا يدرك الأمور على حقيقتها، ونقول له نحن واعين ومدركين بأن هذه الأزمة ستمس بعض قطاعاتنا الاقتصادية، ولكننا على ثقة تامة بأن اقتصادنا متين قادر بتركيبته الحالية على استيعاب المستجدات والتطورات التي تحدث من حولنا".

النائب محمد أبو هديب أشار إلى أن القطاع الخاص لم يقم بتخفيض الأسعار رغم انخفاض أسعار النفط، مطالباً الحكومة بالتفكير في إعادة وزارة التموين إلى الحياة "أو على الأقل إنشاء هيئة مستقلة لضبط السوق والمحافظة على شريحة الفقراء".

وأضاف أبو هديب بأن ما يتم تداوله حول فرض ضرائب جديدة على قطاع الاتصالات وعلى الجامعات الخاصة يخالف ما ذكره رئيس الوزراء في البيان حول جذب الاستثمارات.

وأيده النائب عبد الكريم الدغمي في عودة وزارة التموين داعياً الذهبي إلى إقصاء جميع المسؤولين من أصحاب النظرية الليبرالية "المتطرفة؛ وهم كثر".

من جهته، تساءل النائب يوسف القرنة عن انتهاج الحكومة الأردنية لسياسة اقتصاد السوق المفتوح مطالباً الحكومة بالإسراع لإنجاز قانون حماية المستهلك ووضع نظام للتسعير بنسب ربح إجبارية "متى سيبقى التخندق وراء السوق المنفلت دون النظر إلى البعد الاجتماعي والخصوصية الاقتصادية للأردن".

وكذلك كان عضو كتلة العمل الإسلامي، النائب عزام الهنيدي الذي أشار إلى أن الأزمة بدأت في الولايات المتحدة ثم انتشرت "شرقاً وغرباً في العالم أجمع ببركات العولمة؛ أكدت هذه الأزمة عقم السياسات الاقتصادية ووحشيتها في النظام الرأسمالي".

ودعا الهنيدي، أسوة بباقي أعضاء كتلة العمل الإسلامي، الحكومة إلى إتباع أسس الاقتصاد الإسلامي والعمل على "أسلمة" البنوك بعيداً عن الربا.

إلا أن النائب ممدوح العبادي خالفه الرأي، ليقول بأن السبب الحقيقي وراء الأزمة المالية ليس النظام الرأسمالي بل الفساد المالي للبنك المركزي الأمريكي "نشكر البنك المركزي الأردني على طريقة تعامله المحافظة التي حمتنا من عدم الاهتزازات الاقتصادية، رغم أن الديجتاليون اعتبروها رجعية".

وشدد النائب ناجح المومني على اتخاذ الإجراءات الاحترازية اللازمة، متخوفاً من وصول الأزمة المالية إلى الأردن بسرعة كبيرة "هل ستكتفي الحكومة بضمان الودائع لنهاية العام القادم، مع العلم أنها ليست سوى تطمينات معنوية، وماذا عن المدينين المثقلين بأقساط البنوك؛ هل من ضمانة لحماية مداخيلهم من التآكل والمصادرة من البنوك على شكل فوائد لا تتوقف عن الارتفاع".

أما النائب ميشيل حجازين، فقد اعتبر أن ضمان الحكومة للودائع حتى نهاية العام القادم له دلالاته "تصريح رئيس الوزراء بضمان الودائع أفهمه في إطاره السياسي ليس أبعد..ليس أكثر".

والمح إلى أن الأزمة المالية العالمية هي من إحدى الأزمات المفتعلة في عالم تحكمه القوة ولا مكان فيه للضعفاء "الأساليب الجديدة التي تتبعها الدول الكبرى أصبحت قادرة على خلق مصادفة متعمدة ليكون حصادها إيجابياً على من وضعوه، ولذلك تشابهت أحداث أيلول 2001 مع أحداث أيلول 2008...إن فكرة ترك الحرية لرأسمال لتحكم بالاقتصاد هي فكرة أثبتت خطأها في العشرينات من القرن الماضي وهاهي تثبت خطأها الآن؛ ما يستوجب تبني إجراءات بديلة تتيح للدولة حرية أكبر في التدخل في الاقتصاد الوطني".

ووجه حجازين سؤالاً لرئيس الوزراء حول مصير المنح والمساعدات في ظل هذه الأزمة "لم نسمع من دولة الرئيس حول تأثير الأزمة على المنح والمساعدات في إعداد الموازنة العامة للدولة؛ أما المؤشرات الاقتصادية التي تحدث عنها دولة الرئيس فهي مؤشرات مجتزئة ونصف سنوية ولا تصلح لأن تبين قوة اقتصادنا الوطني".

نادر الذهبي أقر في بيانه أن "الإعصار الذي ضرب الأسواق المالية العالمية سيؤدي من دون شك إلى إعادة النظر في كثير من الممارسات التي أصبحت تعتبر من ثوابت النظام الرأسمالي العالمي والنظرية الاقتصادية الليبرالية"،
مشيراً إلى أن قيام الحكومة الأمريكية باستملاك أو تأميم مؤسسات مالية عملاقة يعد انقلاباً واضحاً على فلسفة اقتصاد السوق "والتي كانت الولايات المتحدة الأمريكية تطالب دول العالم بإتباعها".

واستدرك الذهبي قائلاً "لكن من الأهمية بمكان ألا تؤدي الأزمة الحالية إلى خنق الحرية الاقتصادية والتي من دونها سيكون من الصعب أخذ المخاطر والاستثمار المباشر. فالحرية الاقتصادية والرقابة يكملان بعضهما البعض فاليد الخفية للسوق لابد أن تضبطها يد ظاهرة لهيئات الرقابة الحكومية".

النائب صلاح الزعبي اغتنم فرصة اعتراف الحكومة، على لسان رئيسها، بأن الأزمة المالية ستؤدي إلى إعادة النظر في كثير من الممارسات التي أصبحت من ثوابت النظام الرأسمالي ليقول "نشكر الحكومة على اعترافها بفشل الرأسمالية المنفلتة، وعليه فإن سياسة الحكومات السابقة وهذه الحكومة تحديداً ببيع مؤسسات القطاع العام وتغول القطاع الخاص على مؤسساتنا بات من أكبر المخاطر التي تهدد اقتصادنا الوطني..أطالب بوقف بيع عمليات بيع شركات الكهرباء وتمليكها بالكامل للدولة".

وطالب الزعبي بالتواصل مع المغتربين الأردنيين من أجل زيادة تحويلاتهم المصرفية إلى الأردن "تحدثنا عن جذب الاستثمارات الخليجية إلى الأردن وتناسينا المغتربين الأردنيين".

وتساءل النائب أحمد البشابشة عن استمرار وجود عجز ملموس في الموازنة العامة للدولة رغم أن الحكومة رفعت الدعم عن معظم القطاعات، إضافة لانخفاض أسعار النفط والقمح عالمياً إلى النصف.

وتقدم الناطق الإعلامي باسم كتلة الإخاء الوطني، النائب حازم الناصر، بعدة مقترحات -نيابة عن الكتلة- للحد من تداعيات الأزمة المالية العالمية أهمها دراسة إمكانية خفض أسعار الفائدة، التدخل لتقليل الفارق الكبير بين سعر الفائدة على الودائع والقروض، تسهيل الاقتراض من البنوك مقابل تشديدها على القروض التي تستخدم للمشتريات المستهلكة كالسيارات، ووضع إستراتيجية وعلى الفور للاستفادة من الأزمة العالمية لاستقطاب الاستثمارات الخارجية من الأسواق المالية.

وصبت كلمة النائب بسام حدادين في ذات الاتجاه، حيث دعا إلى استخلاص العبر من هذه الأزمة منبهاً إلى أن المدرسة الفكرية بأبعادها الاقتصادية والاجتماعية والسياسية التي تسببت بهذه الأزمة "لها بين ظهرانينا متحمسين ومدافعين أشاوس تحالفوا مع هذه المدرسة وأدانوا لها بالتبعية..أطالب بالقيام بحملة لمواجهة أشكال الفساد المباشر وغير المباشر في مؤسسات الدولة والحياة الاقتصادية وغيرها".

هذه المطالبات النيابية لم تلق ذاك التقبل من الحكومة في نهاية الجلسة، حيث قال رئيس الوزراء نادر الذهبي: "نحن جميعا فريق واحد شركاء بالهم العام والمسؤولية العامة فنحن معا لا نأخذ قرارات متسرعة كردة فعل لما يحدث من حولنا بل إننا ندرس بجدية وضمن روح الفريق الواحد المشكلات والحلول".


وتأمل الذهبي بأن لا تطول مدة الأزمة المالية وإضراباتها التي أشار إلى أنها ستبقى سيدة الموقف طيلة الأسابيع والأشهر القادمة مشيراً إلى أن الأردن ليست "جزيرة معزولة عن العالم".

وختم رئيس مجلس النواب عبد الهادي المجالي الجلسة بتذكير النواب بأنه يجوز طرح الثقة بالحكومة في نهاية جلسة المناقشة العامة "ولكن من الواضح أن المجلس راضي عن أداء الحكومة"، بحسب المجالي.

ورفعت الجلسة إلى الساعة العاشرة والنصف من صباح الأربعاء، حيث ستعقد جلسة مناقشة عامة ثانية حول انهيار الشركات المتعاملة بالبورصات الأجنبية في الأردن وحقوق المواطنين.