مطالبات بإلغاء مادة جريمة إطالة اللسان..ماذا عن تهم "مطاطة" اخرى

في عام 2017  وجدا النائب الأردنيّ السابق وصفي الرواشدة  نفسه بالسجن بعد أن وجّه رسالة إلى العاهل الأردنيّ الملك عبد الله الثاني عبر موقع "فيسبوك". التهمة التي وجهت للنائب السابق (تقويض نظام الحكم)  حسب قانون العقوبات الأردنيّ. وانتقد وصفي الرواشدة في رسالته، التي أسماها (النداء الأخير) "تفشّي الفساد في الأردن في لغة غير مسبوقة"،متسائلاً: "هل الملك يعلم بما يجري؟".

 

أما الناشط في الحراك الأردنيَ هشام الحيصة في رصيده 3 تهم "إطالة لسان مكرّر" و"تجمهر غير مشروع"، بعد أن خرج في حراك سلميّ امتدّ من 2011-2013 قبل أن تتوقّف عجلة الربيع العربيّ في سوريا، توقّفاً دمويّاً ألقى بظلاله وتداعياتها على الأردن.

"تقويض نظام الحكم" واطالة اللسان" عبارات مطاطة زجت بناشطين وناشطات في السجون، إلا أن بارقة امل لاحت في الأفق عندما وجه الملك عبد الله الثاني الحكومة لدراسة جميع القضايا المتعلقة بإطالة اللسان. هذه التهم أثارت حفيظة منظمات دولية عبرت عن قلقها تجاه حرية التعبير في الأردن، 

 

وانتقدت منظمة "هيومن رايتس ووتش" إن " في بيانات سابقة موجة الاعتقالات التي استهدف نشطاء سياسيين ومناهضين للفساد في الأردن؛  واعتبرت ان ذلك "تثير قلقا تجاه احترام الأردن لحرية التعبير والتزامه بالإصلاح الفعلي".

 

أكثر من 700 قضية بجريمة إطالة اللسان خلال السنوات الثلاثة الماضية، بحسب المادة 195 من قانون العقوبات حيث تعاقب المادة 195 من قانون العقوبات بالحبس من سنة إلى ثلاث سنوات كل من ثبتت جرأته بإطالة اللسان على جلالة الملك أو أرسل رسالة خطية أو شفوية أو إلكترونية أو أي صورة أو رسم هزلي إلى جلالة الملك أو قام بوضع تلك الرسالة أو الصورة أو الرسم بشكل يؤدي إلى المس بكرامة جلالته أو يفيد بذلك وتطبق العقوبة ذاتها إذا حمل غيره على القيام بأي من تلك الأفعال. أو أذاع بأي وسيلة كانت ما تم ذكره في البند (ب) من الفقرة (1) من هذه المادة ونشره بين الناس. أو تقوّل أو افترى على جلالة الملك بقول أو فعل لم يصدر عنه أو عمل على إذاعته ونشره بين الناس.

 

وكان الملك عبدالله الثاني قد وجه الحكومة لدراسة جميع القضايا المتعلقة بإطالة اللسان، خلافا لأحكام المادة 195 من قانون العقوبات، والتي صدر بها أحكام قطعية، والسير بإجراءات منح عفو خاص للمحكوم عليهم في هذه القضايا. 

حيث تنص المادة 38 من الدستور أن "للملك حق العفو الخاص وتخفيض العقوبة، وأما العفو العام فيقرر بقانون خاص". 



وترى نائب رئيس جمعية الحقوقيين الاردنيين المحامي نور إمام أن جريمة اطالة اللسان لا يجب أن تكون في المنظومة القانونية الأردنية لها أهمية كبيرة لما له من تسامح الذين تم إدانتهم بجريمة إطالة اللسان.

 

 وذكر المركز الوطني لحقوق الإنسان في تقريره السنوي السادس عشر لعام 2019 أن قانون العقوبات رقم (16) لسنة 1960م وتعديلاته يضم مجموعة من النصوص القانونية ذات العلاقة بحرية الرأي والتعبير، تتسم بصياغة قانونية واسعة وعدم دقة وعدم وضوح الركن المادي للجريمة فيها، الأمر الذي يعد تجاوز لمبدأ جوهري وهو مبدأ شرعية الجريمة والعقوبة، إذ أن النص القانوني يتوجب أن يكون من الوضوح والتحديد بحيث يتمكن الفرد من ضبط سلوكه وفقا له، ومن هذه النصوص جريمة ذم هيئة رسمية وجريمة إطالة اللسان وجريمة إثارة النعرات، بحسب التقرير.

وبلغ عدد القضايا بجريمة إطالة اللسان خلافا لأحكام المادة 195 من قانون العقوبات 126 قضية وعدد من صدر بحقهم مذكرات توقيف 114 شخص.



ويعتبر المحامي والناشط السياسي جمال جيت أن نص المادة 195 بنص جرم إطالة، نصا فضفاضا وغير منضبط،  وما يدلل على هذا الأرقام الصادرة عن مركز حقوق الإنسان الأردني ففي السنوات الثلاثة الماضية بلغ عدد القضايا 712 قضية بجرم إطالة اللسان، مشيرا إلى أن هناك دعوات تطالب بتعديل أو إلغاء المادة التي تجرم إطالة اللسان







ويرى وكيل التنظيمات الإسلامية في الأردن المحامي موسى العبداللات أن "العفو العام السابق لم يشمل العديد من القضايا المتعلقة بالحق العام الصادرة عن محاكم أمن الدولة كتحريض على نظام الحكم وتعكير صفو العلاقات مع دولة اجنبية و زعزعة الأمن المجتمعي واستقراره"

 

مضيفا " كلها تهم توجه الى السياسيين وهي كثيرة في الآونة الاخيرة بالإضافة الى اطالة اللسان التي كانت في السابق من اختصاص محكمة امن الدولة وفي ظل الربيع العربي تم احالة كافة القضايا الى المحاكم المدنية لكن المحاكم المدنية أصبحت متشددة في العقوبات على غرار محكمة أمن الدولة وأكثر مشيرا إلى  أن بعض القضاة المدنيين اصدروا عقوبات مدتها ٣ سنوات ضد طلاب ومحامين و معارضين سياسيين، مؤكدا أن العفو الخاص الذي اصدره الملك هو خطوة في الاتجاه الصحيح ولكن لا بد أن يشمل قضايا الصادرة عن محكمة أمن الدولة من قضايا التحريض على نظام الحكم وتعكير صفو العلاقات وقضايا محاكم أمن الدولة السياسية. وهي رسالة من الملك أن الأسرة الهاشمية تتسم بالرحمة والعفو عند المقدرة ولا بد من المطالبة بإصدار عفو خاص خاصة أن السجون مليئة بهذه القضايا وهناك صوت مُطبِق من المركز الوطني لحقوق الإنسان ومنظمات المجتمع المدني".



ويُمنح العفو الخاص بموجب الدستور من الملك لأفراد معينين بصفتهم الشخصية لغايات إصلاحية ونبيلة وتزول بموجبه العقوبة عن المحكوم عليهم كلها أو بعضها أو يتم تخفيفها أو استبدالها بعقوبة اخف و لا يمحو الصفة الجنائية عن الفعل المرتكب ولا يؤثر على ما ينتجه الفعل من أثار وإنما يؤدي إلى انقضاء حق الدولة في تنفيذ العقوبة أو جزء منها.



ويعتبر العفو العام والعفو الخاص من الأسباب التي تسقط الأحكام الجزائية وفق نص المادة (47) من قانون العقوبات الأردني ، ويعرف الفقهاء العفو العام بأنه أزاله الصفة الجنائية تماما عن الفعل المرتكب ومحو أثاره سواء قبل رفع الدعوى أو بعد رفعها وقبل صدور الحكم أو بعد صدوره فهو بذلك يوقف إجراءات الدعوى والمحاكمة ويمحو العقوبة ويزيل جميع الاثار لهذا الفعل او لهذه الجريمة.



ويؤكد المحامي وليد العدوان عضو مجلس نقابة المحامين ورئيس لجنة الحريات العامة وحقوق الإنسان في نقابة المحامين ورئيس لجنة الحريات النقابية إلى أن هناك فرق بين حرية التعبير التي كفلها الدستور وجريمة إطالة اللسان كون حرية التعبير تعبر عن رأي وحق كفله الدستور وتتوقف عند حدود الإساءة للغير, ومنها تستطيع تحريك قضايا القدح والذم والإهانة وأي شخص يستطيع تحريك هذه الدعوى عند الإساءة . 

 

مشيرا إلى أنه بموجب المادة (10/أ) الفقرة الخامسة "يلاحق جرم إطالة اللسان من النيابة العامة دون ان يتوقف ذلك على اتخاذ المعتدى عليه صفة المدعي بالحق الشخصي”. 

وأن " إطالة اللسان"  كانت من اختصاص محكمة أمن الدولة بحكم غير قابل للتمييز، ولكن تم تعديل القانون لتصبح من اختصاص المحاكم النظامية وذلك في العام 2017 والعفو الخاص بمثل هذه القضايا ينصب على القضايا المبرمة والمكتسبة الدرجة القطعية فقط 

مشددا على أن أن القضايا المنظورة إذا ما كان مصيرها - فيما بعد اكتسابها الدرجة القطعية - العفو الخاص فهنا يجب إلغاء نص المادة 195 نهائيا .

 و يتسائل العدوان ما هي المعايير التي سيؤخذ بها لغايات قبول طلب العفو الخاص ، فهل تشمل المكررين في مثل هذا الجرم وهل تشمل عمر معين وهل هناك شروط ومعايير أخرى أم لا ؟  

من جهته بيّن وزير العدل زيادات الدكتور أحمد زيادات  إنَّ العفو الخاص عن المدانين بهذه الجرائم يقتصر على جرائم إطالة اللسان على جلالة الملك شخصيا وجلالة الملكة رانيا العبدالله وولي العهد الأمير الحسين بن عبدالله، ولا يشمل المدانين بجريمة إطالة اللسان على أرباب الشَّرائع من الأنبياء أو الأشخاص الآخرين والمواطنين خلافا لأحكام المادتين 273 و360 من قانون العقوبات. 

ولفت إلى أنَّ العفو الخاص بحق المدانين بقضايا إطالة اللسان، سيقتصر على الجرائم التي وقعت قبل صدور التوجيه الملكي للحكومة وأصبح الحكم فيها قطعيا قبل ذلك أو خلال فترة دراسة الأحكام التي قد تستغرق أسابيع قليلة..

 

ويخشى ناشطون أردنيّون استمرار توسّع الحكومة واذرعها التنفيذية في استخدام "تهم مطّاطة"  لا تقتصر على إطالة اللسان اذ تزخر التشريعات الأردنية ببنود مقيدة لحرية الرأي والتعبير من خلال قوانين مثيرة للجدل أبرزها قانون الجرائم الإلكترونية الذي زج ناشطين وصحفيين في السجون.

 

أضف تعليقك