مشروع قانون الجرائم الإلكترونية

   أقدمت الحكومة على تقديمه مشروع قانون الجرائم الإلكترونية بحلة جديدة الى مجلس الأمة، مما يطرح تساؤل حول الحاجة الى قانون جديد وما هي مبرراته ومسوغاته، اعتقد أن هذا المشروع لا يتفق مع مبادئ حقوق الإنسان والتوجهات للسياسة الرسمية الأردنية باتجاه الإصلاح السياسي، حيث يمكن ايراد الملاحظات التالية عليه:

أولا: حصر هذا المشروع نفسه بمرجعية هي اتفاقية عربية تعنى بمكافحة الجريمة الإلكترونية، حيث أسندت الحكومة أسبابها الموجبة "لموائمة القانون مع الاتفاقية العربية لمكافحة جرائم تقنية المعلومات المصادق عليها من قبل المملكة والمعايير الدولية بما يضمن مكافحة الجرائم الإلكترونية"، هذا السبب الموجب يعبر عن ان المنطلق لهذا المشروع هو مكافحة الجريمة والتي تعد من الجرائم المستحدثة، الا انها انطلقت من اتفاقية عربية تختص بمكافحة الجرائم المتصلة بالوسائل الإلكترونية. فيما لم تتم الإشارة الى المرجعيات الحقوقية الدولية لاسيما العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية الذي صادقت عليه المملكة وهي اتفاقية عالمية وجزء جوهري من الشرعة الدولية لحقوق الإنسان مما يجعل مكانتها اعلى من الاتفاقية العربية من جهة ومن جهة أخرى تفيدنا بضرورة التزام الدولة بحماية حرية الرأي والتعبير وحرية المعتقد والحق في الخصوصية وحظر الدعوة للكراهية والحرب والعنصرية، ما يؤكد على توجه من صاغ المشروع بتفكيره الأمني العقابي وليس الحقوقي.

ثانيا: المبرر الآخر الذي ساقه المشروع هو "لتوفير الحماية للحقوق والحريات العامة والخاصة من الاعتداء عليها كالابتزاز والاحتيال الالكتروني والحض على العنف والكراهية وازدراء الأديان وانتهاك حرمة الحياة الخاصة والاعتداء على وسائل الدفع الإلكتروني والخدمات المصرفية وحماية البنى التحتية والحرجة"، والملاحظة الرئيسية ان هذا القانون لم يشر في اية مادة منه على انه لن تؤثر مكافحة الجرائم الإلكترونية بشكل سلبي او تقوض الحقوق والحريات خاصة حرية الرأي والتعبير وحرية المعتقد وغيرها، وذلك انطلاقا أيضا من المادة 128 من الدستور الأردني والتي نصت: "لا يجوز أن تؤثر القوانين التي تصدر بموجب هذا الدستور لتنظيم الحقوق والحريات على جوهر هذه الحقوق أو تمس أساسياتها"، وبلا ادنى شكل ان هذا المشروع قد مس جوهر الحقوق والحريات.

ثالثا: ان هذا المشروع يخالف توصيات الأمم المتحدة بضرورة تعديل قانون الجرائم الإلكترونية ساري المفعول بما ينسجم والتزاماته الدولية، أي بما يضمن الحريات، في الوقت أن هذا المشروع للقانون الجديد قد أضاف قيودا أكثرا مما هي عليه، من هذه التوصيات ما جاء في توصيات الاستعراض الدوري الشامل لحقوق الإنسان ووعدت الحكومة بالالتزام بها، وهي توصية رقم 71  "التأكد من ان جميع التشريعات المحلية متوافقة مع العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، ولا سيما فيما يتعلق بالحق في حرية التعبير"، وتوصية رقم 133 "تعديل القوانين التي تعوق حرية التعبير والمعلومات"، وتوصية رقم 143 " ضمان حرية التعبير ووقف احتجاز جميع الكتاب والصحفيين ومحرري المواقع الشبكية بتهم تتعلق بحرية التعبير، والغاء مواد  قانون العقوبات التي تضع قيوداً غير جائزة على  حرية التعبير على شبكة الانترنت وخارجها على السواء"، وتوصية رقم 135 "مراجعة وتحديد تعريف التحريض على الكراهية في قانون الجرائم الإلكترونية المعدل لعام 2011" وغيرها من التوصيات، كما أن الملاحظات الختامية للعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية لعام 2017 قد أوصت المملكة:" أن تراجع تشريعاتها  لضمان ألا تطبق عقوبات جنائية على الأشخاص الذين يعربون عن آراء انتقادية، ولضمان امتثال أي قيود تفرض على أنشطة الصحافة ووسائط الاعلام للعهد." 

رابعا: وصفت الجرائم الإلكترونية بأنها جرائم مستحدثة، فيما لم يتقيد المشروع لقانون الجرائم الإلكترونية بالمفهوم والغرض والمقصد منها، إذ عرف الباحث جمال أحمد في دراسته بعنوان "أهم الجرائم المستجدة والمستحدثة وآليات مواجهتها. 2010" الجرائم المستحدثة بأنها:" تلك الجرائم التي تفرزها التطورات والمتغيرات الحادثة في إطار المجتمع الذي ترتكب فيه، وأن الفقه الجنائي حددها بالجرائم الاقتصادية والجرائم التنظيمية والمخالفات التي تندرج تحت نص عقابي"، أي تلك الجرائم التي تستخدم بها وسائل تكنلوجيا المعلومات في سبيل تحقيق أهداف ذات طبيعة اقتصادية بالدرجة الأولى، ومن تلك مثلا الإتجار بالمخدرات وبالبشر، والجرائم التي جرمها القانون الجنائي كالابتزاز والسرقة والاعتداء على الأموال العامة والخاصة شريطة استخدام تكنلوجيا المعلومات، وهي بهذا المعنى تختلف عن انتقاد الشخصية العامة والانتقاد السياسي عموما من باب حرية الرأي والتعبير، في حين شمل مشروع القانون كلا من الجرائم الاقتصادية ومسائل تتعلق بمسائل أخرى كالذم والقدح والتحقير عبر استخدام وسائل الشبكة العنكبوتية او تقنية المعلومات، في حين أن الانتقاد السياسي لأشخاص بالسلطة قد يتداخل به الشخصي بالعمل العام، بل ان توجهات الأمم المتحدة في مسائل انتقاد الشخصية العامة تنصرف الى القول بأنه كلما كان الانتقاد لأشخاص يتصفون بصفة رسمية كلما كانت مساحة الحرية لهذا النقد ينبغي ان تكون أبرح، في حين ان قانون الجرائم الإلكترونية سيطال أي شخص يقدم نقدا سياسيا لأشخاص بطريقة النقد القارص تحت مسمى فضفاض ولا معنى له وهو "اغتيال الشخصية".

خامسا: وجود نصوص ومفاهيم فضفاضة، طالبت الأمم المتحدة من خلال خطة عمل الرباط لمجابهة خطاب الكراهية بعدم استخدامها بل ان تكون المفاهيم محددة وواضحة، فيما استخدمها مشروع قانون الجرائم الإلكترونية في المادة 17 منه والتي يجرم الأشخاص عليها، وهي "إثارة الفتنة أو النعرات أو النيل من الوحدة أو الحض على الكراهية أو الدعوة الى العنف أو تبريره أو ازدراء الأديان.. “، حيث لا يوجد تعريفات واضحة وقابلة للتطبيق، بل ممكن أن تخضع للتأويل وبطريقة تعسفية أو مزاجية.

سادسا: هذا المشروع يحمي الأشخاص المكلفين بإنفاذ القانون من الممارسات التعسفية، إذ أشارت المادة 24 الى تجريم الأشخاص بالحبس والغرامة المالية ان استخدمت الوسائل التكنلوجية في نشر "أسماء الأشخاص الذين يتولون تنفيذ أحكام القانون أو صورهم أو معلومات أو أخبار عنهم، إذا كان من شأن نشر ذلك الإساءة إليهم أو تعريض حياتهم للخطر أو إذا كانت التشريعات التي تحكم عملهم تحظر ذلك"، صحيح ان تعريض أي انسان للخطر أمر غير مقبول، ولكن هل ناشر الخبر أو الصور عن سلوكهم أو افعالهم هو من تسبب في احتمال تعريضهم للخطر أم أن فعله المشين هو من أساء لنفسه!، يعني مثلا لو قام أي شخص بما فيهم الصحفي بنشر ممارسات لشخص مكلف بإنفاذ القانون مثل شرطي وتعد هذه الممارسات انتهاكا لحقوق الإنسان أو مخالفة للتشريعات الوطنية أو فعلا جرميا، ثم انتشرت على الملأ، فمن الممكن أن يتم الادعاء ان هذا الأمر يشكل إساءة أو احتمال تعرضهم للخطر لأنه تم نشرها!، هذا نص يساعد على الإفلات من المساءلة والعقاب.

سابعا: قام المشروع بتغليظ العقوبات بالسجن وبالغرامات المالية بشكل كبير جدا، وهنا ملاحظتين، أولا أن الفقراء هم من سيمارس عليهم العقاب، لأن المبالغ ضخمة تصل الى 75000 دينار الى جانب سلب حريته، مما يعني انه بعد انقضاء مدة محكوميته بالسجن سيبقى قابعا به لعدم القدرة على دفع الغرامة، الأمر الآخر ان نهج تغليظ العقوبات ينم أن عقلية الردع ما زالت هي المسيطرة وليست الإصلاح، وان ضعف إجراءات المتابعة للسلوك الجرمي بسبب ضعف التقنيات والمهارات والعناصر البشرية لن يعالجه زيادة حجم العقوبة ماليا وبأيام سلب الحرة بالسجن.

في النهاية مشروع القانون هذا يخالف اتفاقيات حقوق الإنسان وللدستور الأردني ولتوجه الدولة نحو اصلاح المنظومة السياسية، وبالتالي فهو يقوض الحريات ويلجم حرية الرأي والتعبير، الأمر الذي يستوجب سحب القانون برمته، لأن هذا المشروع لن يكفيه التعديل ليصبح مقبولا، بل إن بناءه مشوه بحيث يصعب تقويمه أصلا.



 

أضف تعليقك