مرضى حساسية القمح في إربد بلا طوق نجاة

 

كل أسبوع، تقطع منى سليم (30 عاما) قرابة 70 كيلومترا من مكان سكنها في إربد شمالي المملكة، صوب عمان (وسط)، بحثا عن الخبز الخالي من "الغلوتين". هي مصابة بمرض حساسية القمح منذ عشرة أعوام، ومجبرة على اتباع حمية غذائية مدى الحياة لتفادي آثار المرض. 

سعر الخبز الذي تشتريه ثلاثة أضعاف الخبز العادي، و10 أرغفة من خبز الذرة بدينار، وصحن خبز الأرز (10 حبات وزن 650 جرام) بدينار وربع، في حين يبلغ كيلو سعر خبز القمح العادي الصغير 40 قرشا، وفوق ذلك تتكبد مصاريف مواصلات لم تكن في حسبانها.

رحلة الحصول على الخبز، ليست الهم الوحيد الذي يشغل سليم، ففحوص حساسية القمح غير متوفرة في المشفى الحكومي في إربد (مستشفى الأميرة بسمة التعليمي)، لتضطر إلى المراجعة في مستشفى الملك المؤسس عبد الله الجامعي بالرمثا (تبعد 20 كيلومترا عن إربد).

حساسية القمح 

 مرض مناعي يستدعي عدم تناول الغلوتين (بروتين موجود في الأغذية المنتجة من القمح والشعير)، لأنه يؤدي إلى تلف الأمعاء الدقيقة.

 

الحال لم يختلف مع نجاة البو (53 عاما)، من سكان عمان. جرى تشخيصها بحساسية القمح عام 2013، بعد فحص تنظير المعدة بقيمة 750 دينارا، وفحوص أخرى بـ 135 دينارا. تكاليف تضاف إلى أعباء أخرى تتعلق بغلاء الأغذية الخالية من القمح خصوصا الطحين، لذلك تعتمد على الطحين الذي تجلبه من العاصمة.

تطالب البو وزارتي الصناعة والتجارة والصحة ودائرة الجمارك ومؤسسة الغذاء والدواء بالاهتمام بمرضى حساسية القمح، من ناحية الفحوص المخبرية للأغذية، ومراقبة أسعارها، وتوفير الطحين في المحافظات بشكل دائم.

يصل سعر كيلو الطحين الأجنبي الخالي من الغلوتين إلى 7.5 دينار، في حين يوجد صنفان محليان ينتجان من قبل مصاب بحساسية القمح في صويلح (عمان)، ويتراوح سعر الكيلو بين 2.25 و2.75 دينار. 

المصدر: جمعية رعاية مرضى السيلياك الخيرية

 

لا تتوفر لدى وزارة الصحة الأردنية إحصائيات لمرضى حساسية القمح في المملكة، بسبب غياب أي نظام لرصدهم. وبحسب المكتب الإعلامي في الوزارة، فإن فحص الكشف عن حساسية القمح غير مشمول في برنامج المسح الطبي لحديثي الولادة، قائلا إن الفحص الخاص بمرضى حساسية القمح موجود في مستشفى البشير بالعاصمة وتمت إضافته حديثا، وإن الوزارة على استعداد لتوفير الفحص في الشمال في حال الطلب من أطباء الاختصاص في المستشفيات الحكومية بالشمال.

وثيقة الصحة

 

بحسب أخصائي أمراض الدم السابق في مستشفى الأميرة بسمة التعليمي الحكومي بإربد، محمد بشتاوي فإن كثيرا من الفحوصات المهمة غير متوفرة في مختبرات المستشفى الذي يستقبل حالات مرضية من محافظات الشمال الأربع (إربد وجرش وعجلون والمفرق). يضيف: "طلبنا في إحدى المرات توفير فحوصات محددة لعدة أمراض، لكن لم يتم التجاوب معنا بحجة أنها مكلفة، حيث يتم تحويل المرضى ممن لا تتوافر فحوصات محددة لهم إلى مستشفى الملك المؤسس".

وأشار بشتاوي إلى أن المختبر في مستشفى الأميرة بسمة التعليمي يجب أن يوفر جميع الفحوصات بما فيها حساسية القمح كونه "يتعامل مع مرضى مؤمنين صحيا ومن حقهم تأمين كل الفحوصات ولا يجوز إبلاغ المريض أن الفحص غير متوفر وعليه إجراءه على نفقته الخاصة، أو في مشفى الملك المؤسس".

وفي ظل غياب الإحصاء الرسمي، تقدر جمعية رعاية مرضى السيلياك الخيرية وجود حوالي ربع مليون مصاب في المملكة، استنادا إلى أطباء بالمدينة الطبية، ومستشفى الأميرة بسمة التعليمي، ومستشفى الملك المؤسس في إربد، وفق رئيسة الجمعية عابدة القيسي، وهو ما يتوافق مع النسبة العالمية التي تتراوح من.0.6 الى 1% من السكان.

وأشارت إلى وجود أكثر من ألفي عائلة مصابة بالمرض مسجلة لدى الجمعية، ويضاف إليها يوميا 2 - 3 حالات، وبعض العائلات مشخص لديها أكثر من إصابة، وأخرى مصابة بالكامل، بيد أن "كثيرا من المصابين غير مسجلين في الجمعية"، تقول القيسي.

وفق الجمعية، يقتصر إنتاج الخبز الخالي من الغلوتين على أربعة مخابز في العاصمة عمان، ما يدفع عائلات مصابة لاستهلاك الخبز العادي، لعدم توفر الطحين الخاص بمرضى حساسية القمح في المحافظات. 

وتورد القيسي حادثة تعرض سيدة لإجهاض حملها بعد تناولها منتجا على أنه خالي من القمح، وتبين وجود نسبة قمح فيه، إضافة لسيدة أخرى أجهضت مرتين بسبب حساسية القمح، والحالتان على تواصل دائم مع الجمعية، بحسب رئيستها.

بوكس

الغذاء الذي يباع على أنه خالي من الغلوتين يندرج تحت بند "موصوف وصفا كاذبا" وفق تعبير قانون الغذاء (رقم 30 لسنة 2015، المادة 18 - أ).

 العقوبة :

غرامة لا تقل عن ألف دينار ولا تزيد على خمسة آلاف دينار وتضاعف في حالات التكرار.

 

بدورها، ردت المؤسسة العامة الغذاء والدواء بالقول إن دورها يتمثل بمنح الموافقات على أماكن تصنيع المنتجات الخالية من الغلوتين (من ضمنها المخابز) بعد الكشف عليها، وتقييم خط الإنتاج، وفحص عينات عشوائية في مختبرات المؤسسة للتأكد من خلوها فعليا من هذه المادة.

وبحسب برنامج رصد "الغلوتين" في الأغذية المخصصة لمرضى حساسية القمح، المنفذ من قبل قسم تحليل المخاطر في مؤسسة الغذاء والدواء، فقد تم سحب 102 عينة (منها 70 عينة لمنتجات مستوردة، و32 لمنتجات محلية). أظهرت الفحوص خلو 63 عينة تماما من الغلوتين، فيما احتوت 28 عينة على نسبة أقل من الحد الأعلى المسموح به، أي أن 91 عينة كانت آمنة، فيما أظهرت النتائج عدم مطابقة 11 عينة، لاحتوائها على الغلوتين بكميات أعلى من الحدود المسموح بها (20 جزءا بالمليون 20PPM).

 

وبينت المؤسسة في ردها، أنها أصدرت تعميما يلزم مصنعي ومستوردي الأغذية وأصحاب المطاعم بمراجعتها، للحصول على الموافقات اللازمة في حال قيامهم باستيراد أو تصنيع أو تداول أو تسويق أي منتج أو مادة غذائية، سواء كانت مغلفة أو تقدم مباشرة وتحمل عبارة (خالي من الغلوتين) أو أي عبارة أخرى تحمل نفس المعنى.

وعلاوة على جولات الفحص العشوائية، تطلب المؤسسة شهادات مخبرية صادرة من جهات معتمدة تثبت صحة عبارة (خالي من الغلوتين) للمنتجات الخالية طبيعيا، للتأكد من عدم وجود أي تلوث تبادلي محتمل، كما توفر مختبرات المؤسسة فحص الغلوتين لأي جهة ترغب بتصنيع منتجات خالية من الغلوتين، كما جاء في رد "الغذاء والدواء" عبر البريد الإلكتروني.

 

يشير نقيب أصحاب المخابز في عمان عبد الإله الحموي إلى وجود جناح خاص لمرضى حساسية القمح في المخبز الذي يملكه، وأن عملية التصنيع تتم بدقة شديدة، مبينا أن أسعار الذرة والأرز عالية عالميا، إذ يتم طحنها بواسطة ماكينة خاصة. وبين الحموي أنه يتلقى 50 - 70 طلبية من خبز الذرة والأرز والمعجنات من مختلف محافظات الأردن.

خبز الذرة (10 حبات وزن 650 - 700 غرام): 1 دينار 

خبز الأرز (10 حبات وزن 650 غرام): 1.25 دينار

حلويات بلح الشام (1 كيلو): 3 دينار 

 البرازق (1 كيلو): 6 دينار 

 الهريسة (نصف كيلو): 2.5 دينار 

الكيك المنزلي: 4 دينار

 الكيك الانجليزي: 3 دينار 

كيك (بواقع حبتين): 1 دينار

كعك شاي (نصف كيلو): 1.5 دينار ونصف

 في فترة الأعياد/ 1 كيلو: 

معمول الجوز: 11 دينار

معمول الفستق الحلبي: 14 دينار 

معمول التمر: 5 دينار 

"الحمية".. طوق نجاة

فقر الدم ونقص مخزون الحديد، من أبرز أعراض حساسية القمح، بسبب سوء الامتصاص الذي يعتبر تحسس القمح أحد مسبباته، بحسب أخصائي أمراض الدم السابق الذي عمل في مستشفى الأميرة بسمة التعليمي الحكومي بإربد، محمد بشتاوي. ويضيف أن هذه الحساسية تعتمد على التشخيص، في حين أن الفحوص غير متوفرة في المشفى الذي عمل فيه ويستقبل المرضى من محافظات الشمال.

وبالنسبة للذين تظهر إصابتهم، يجب عليهم اتباع حمية بالابتعاد عن تناول أي منتجات تحتوي على القمح أو الشعير، "من لا يتبع حمية لا تتحسن حالته الصحية، ويؤدي ذلك إلى تلف بالخلايا المعوية التي تمتص الحديد، وبالتالي لا يوجد دم بلا حديد، وسيعاني المريض من فقر دم شديد وقد تتطور الأمور لمضاعفات تصل لأمراض سرطانية، يحذر بشتاوي.

وأوضح بشتاوي أنه حتى مع اتباع الحمية بالنسبة للمصاب فعليه كل عامين إلى ثلاثة متابعة أوضاعه الصحية وإجراء تنظير للمعدة حتى لا تزداد المضاعفات. 

يحاول مصابو حساسية القمح قدر الإمكان اتباع الحمية الخاصة، لكنها لن تكون طوق نجاة بالنسبة لهم في ظل عدم توفر الفحوص اللازمة في كل المحافظات، وضيق حال يقف حاجزا أمام كثيرين لمتابعة المتطلبات الصحية في المشافي والمراكز الخاصة، ولحين استجابة الحكومة لتوفير الفحوص على الأقل، ستبقى منى سليم تتردد على مشفى الملك المؤسس في الرمثا، وستواصل رحلتها الأسبوعية إلى عمان بحثا عن خبز لا يثير حساسيتها.



 

أضف تعليقك