مرضى التوحد.. مرارة الوحدة وتكلفة باهظة بغياب المراكز المتخصصة
لم يتوقع أبو وائل وهو ينظر الى ابنه في أول يوم فتحت عيناه على الدنيا، ان يكون مصابا بالتوحد، ولم يتوقع ان دنيا واقع الحال لن تعينه على رعاية ابنه، هي قسوة فرضت عليه ان يكون ابنه في كفة يد وباقي أسرته في الكفة الاخرى، معادلة صعبة أحلاهما مر.
يقول أبو وائل، في اليوم العالمي للتوعية بالتوحد والذي يصادف اليوم الاثنين، "لم آخذ بعين الاعتبار او بمحمل الجد ما قاله لي الطبيب في السنة الاولى لوائل انه مصاب بالتوحد، فلا توجد علامات او تقسيمات او اعراض تظهر عليه ، إلا بعد مرور ثلاث سنوات، فالتواصل البصري والحسي والسلوكي لديه صعب للغاية ولا يكاد يعرف التواصل مع المجتمع الذي بدوره ينظر له بنظرة الشفقة".
خيبة الامل سكنت قلب أبو وائل فحاله ليس بالأحسن من غيره، أعباء مادية وتكلفة علاجية وحمية غذائية تتجاوز ال600 دينار شهريا، وهو ما يمثل لابنه حاجات أساسية لا غنى عنها، جعلته يصرف النظر عن البعض منها، فالعين بصيرة واليد قصيرة ولا تسعف ما يلزم لبقية افراد الاسرة بحد تعبيره.
ابنه الذي يراوح مكانه لا يتقدم في علاجه، بعد أن تنقل به بين مراكز التأهيل الخاصة والتي كانت تدّعي قدرتها على تقديم العلاج، لكن الاسوأ الذي اكتشفه في نهاية المطاف بعد دفع آلاف الدنانير بأنها مجرد استغلال مادي. يطالب أبو وائل بفتح مراكز حكومية للتوحد، فقد آن الاوان بعدما رُفع الدعم عن أرباب الاسر ممن لديهم أطفال التوحد، فالدخول المحدودة للأسرة ما عادت تكفي لتوجيه هؤلاء الأبناء للمراكز الخاصة.
ويرى أخصائيون ضرورة ايجاد مراكز مهيأة لأطفال التوحد، متوافقة مع التشخيص السليم لهم، وإيجاد كوادر متخصصة للتعامل معهم.
ويقولون لوكالة الانباء الاردنية (بترا) أن شعار هذا اليوم "تمكين النساء والفتيات المصابات بالتوحد" هي دعوة ملحة لتمكين النساء والفتيات المصابات بالتوحد وإشراكهن في المجتمع والمنظمات والجهات التي تمثلهن في صنع السياسات واتخاذ القرارات للازمة للتصدي لهذه التحديات.
الناطق باسم وزارة التنمية الاجتماعية الدكتور فواز الرطروط يقول إن الوزارة تقدم خدمات متنوعة للأشخاص المصابين بالتوحد من قبل أطباء ومختصين في كافة مراكز التشخيص والعلاج التابعة للوزارة والمنتشرة في جميع محافظات المملكة.
ويوضح ان الوزارة أسست صفوفا خاصة للتوحد في عشرة مراكز من مراكز المنار للتنمية الفكرية، تخدم ما يزيد عن 90 طفلا توحديا.
ويبين ان 457 شخصا من مصابي التوحد ينتفعون من الخدمات التي يقدمها 12 مركزا متخصصا ومن خلال عدد من مراكز الإعاقة العقلية، وتشمل الخدمات التدريب والتعليم والتأهيل، وخدمات ايوائية وصحية، وارشادية وتأهيل مجتمعي وتوعوي، مشيرا إلى ان الخدمات مقدمة لأبناء الاردن ومختلف الجنسيات القادمة من دول مختلفة.
وتعتبر الجمعية العامة للأمم المتحدة أن التوحد هو حالة عصبية مدى الحياة تظهر في مرحلة الطفولة المبكرة، وتتعرض النساء والفتيات ذوات الإعاقة للتمييز، مما يحد من تمتعهن بجميع حقوق الإنسان والحريات الأساسية، وتعرضهن للتهميش والعنف بكافة أشكاله وحرمانهن من أبسط حقوقهن في التعليم والتوظيف والحصول على العلاج والخدمات الصحية اللازمة.
وتضيف الجمعية ان من القضايا الرئيسية والتحديات التي تواجه المصابين بالتوحد ولابد من معالجتها لممارسة حقوقهم كاملة أسوة مع الاخرين، الأمور المتعلقة بالزواج والأسرة والأبوة والأمومة وكما هو مدرج في المادة 23 من اتفاقية حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة وفي الهدف الخامس والسادس من اهداف التنمية المستدامة التي اعتمدها قادة العالم في العام 2015.
ودعا الامين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش في رسالة له بمناسبة هذا اليوم الى تغيير المواقف السائدة تجاه مرضى التوحد وفي الاعتراف بحقوقهم كمواطنين لهم، أسوةً بغيرهم، والحقُّ في المطالبة بتلك الحقوق وفي اتخاذ القرارات التي تخص حياتهم بكامل إرادتهم ووفقَ ما يرونه مناسبا لهم.
وكما جاء في اتفاقية الأمم المتحدة لحقوق الأشخاص ذوي الإعاقة، فإن الأهلية القانونية والمساواة في الاعتراف أمام القانون هما من الحقوق المتأصلة التي يتمتع بها مرضى التوحد على قدم المساواة مع أفراد مجتمعاتنا الآخرين، مما يجعلهم في المستقبل لهم تأثير ايجابي قوي.
الخبير والمتخصص في التوحد الدكتور رائد الشيخ ذيب يقول إنه لا توجد إحصائية رسمية لعدد المصابين بالتوحد، إلا انه تقديريا ما لا يقل عن 10 الاف مصاب بالتوحد ومعظمهم لا يتلقون خدمة علاجية ضمن برامج متخصصة في التوحد، إذ ان البعض يتلقى برامج متخصصة في الاعاقة العقلية والتي لا تناسب احتياجاتهم ولا قدراتهم.
ويشير الى ان الاحصائيات العالمية تبين ان مولودا من بين 68 مولودا، مصاب بالتوحد.
ويضيف أن الطفل المضطرب بالتوحد يواجه الكثير من المشاكل على مختلف المحاور والجهات المتخصصة في تقديم ما يلزم له، كما تواجه أسرته صعوبة الوصول الى المراكز المتخصصة بالتوحد.
ويبين أن تكلفة تقديم الخدمات والتدخلات العلاجية في المراكز المتخصصة بالتوحد باهظة الثمن، وليست بمقدور الأسر الفقيرة والمتوسطة، مبينا في هذا السياق أن الكوادر في بعض منها غير مؤهلة للتعامل مع أطفال التوحد حيث انهم لم يتلقوا التدريب اللازم في جامعاتهم.
ويوضح ان من الصعوبات التي تواجه هؤلاء الاطفال هو عدم القدرة على التعامل السلوكي معهم بشكل يراعي وضعهم وإمكانياتهم وقدراتهم، وكذلك صعوبة دمجهم مع أقرانهم في رياض الاطفال، وتزداد المشكلة عندما يصلوا لمرحلة المراهقة وما يصاحبه من تغيرات جسمية وهرمونية، وتتأزم المشكلة حين وصولهم لمرحلة الشباب في اختيار المهنة المناسبة.
ويقول ان المشكلة تكمن في تشخيص هؤلاء الاطفال مع ثقافة المجتمع التي تجهل كيفية التعامل معهم وفي معتقداتهم الخاطئة بأن ما وصل به طفل التوحد لهذه الحالة نتيجة الاسرة او سوء تربية الام مثلا. من جانبه يقول رئيس الجمعية الاردنية لاضطراب طيف التوحد موفق الزامل إن الجمعية تعكف على تعزيز فعاليات التوعية بالتوحد وفق برامجها مع جميع الجهات المعنية كالمستشفيات والجامعات الخاصة والمولات ومراكز التربية الخاصة، من خلال تقديم محاضرات توعوية وورش عمل من قبل أطباء ومختصين ومعلمين ومتطوعين.
ويضاف ان العمل جار على التواصل مع المراكز المعنية والاهالي في تعزيز دمج الاهالي واطفالهم المصابين بالتوحد في المجتمع المحلي، داعيا الى ايجاد أماكن خاصة لهؤلاء الأطفال في المرافق العامة والخاصة، وعدم الزامهم "بالاصطفاف على الدور" لطبيعة نشاطهم المفرط وعدم تركيزهم.
يشار الى ان اليوم العالمي للتوحد، جاء بعد اعلان الجمعية العامة للأمم المتحدة بالإجماع يوم الثاني من شهر نيسان بوصفه اليوم العالمي للتوعية بمرض التوحد في القرار رقم 139/62 لتسليط الضوء على الحاجة للمساعدة في تحسين نوعية حياة الذين يعانون من التوحد حتى يتمكنوا من العيش حياة كاملة وذات مغزى كجزء لا يتجزأ من المجتمع.