مراكز شكلية لتأهيل الأطفال المتسولين
12 مرة دخلت سناء* مركز رعاية وتأهيل الفتيات المتسولات في منطقة الظليل بمحافظة الزرقاء، فكلما خرجت منه عادت إليه، لتبقى في الشارع منذ أن كانت في الخامسة من عمرها. تقول "الظروف اللي خلتنا نطلع، أنا ما بشحد، أنا ببيع". وتعرف سناء (13 عامًا) أنها ستكمل أسبوعين في المركز ثم تغادر، وتعود إليه حالما يودعها موظفو وحدة مكافحة التسول التابعة لوزارة التنمية الاجتماعية.
ولا يختلف حال بهاء* (17 عاما) كثيرا عن سناء، إذ دخل مركز رعاية وتأهيل المتسولين في مادبا 26 مرة، ويقول: "اشتغلت بقهوة ومسكوني تاعون التسول واشتغلت بالخردة ومسكوني، لما أطلع من المركز بدي أرجع أتسول غصبن عني، عشان ما عندي شغل وما عندي شي يساعدني".
تودع لجان الضبط في وحدة مكافحة التسوّل التابعة لوزارة التنميّة، وشرطة الأحداث الطفل المتسول في مراكز الرعاية والتأهيل. وفي اليوم التالي، يُعرض على قاضي الأحداث للنظر بقضيته (المدة التي يقضيها داخل المركز) أو يخرج بكفالة، إذا كانت المرة الأولى للطفل.
يذهب الذكور إلى مراكز رعاية المتسولين للأحداث في مادبا ويتسع ل 90 طفلًا. وتودع الإناث في مركز شبيه في الظليل يتسع ل 50 فتاة. واستقبل المركزان منذ بداية العام الحالي 450 طفلا مارسوا التسول، بحسب مدير وحدة مكافحة التسول في وزارة التنمية الاجتماعية، ماهر كلوب.
تقدم المراكز خدمات الرعاية والتأهيل والتعليم والخدمات النفسية والإيواء والأنشطة للأطفال الموجودين فيها، ويوثق هذا التقرير أن قصر مدة الأحكام القضائية أو تكفيلهم قبل انتهاء المدة، يحول دون تأهيلهم.
في استبيان شمل 18 طفلا وطفلة داخل المراكز، فإن 87.5 في المئة من الذكور، ونصف الإناث لا يجيدون القراءة والكتابة. أجمعت الفتيات على حب نشاطات الطبخ والغزل والتجميل، فيما عبر الذكور عن رغبتهم بالخروج من المركز. أخبرت عينة الاستبيان، أن ما يتعلمونه داخل المراكز يقتصر على الدروس الدينية.
قصر الأحكام يعوق التأهيل
يصل الحكم القضائي لبعض الأطفال إلى 5 أشهر، إلا أنّ مدة تنفيذ الحكم لا تتجاوز اليومين ويتم بعدها تسليمه لذويه من قبل قاضي الأحداث عن طريق الكفالة، ويعود الأطفال بعدها للشارع لأن ذويهم من ممتهني التسول ولا يدركوا حجم الخطر المحدق على أطفالهم، بحسب مدير مكافحة التسول ماهر كلوب.
يتفق حامد العمرو مدير مركز الذكور، ونادية النمر مديرة مركز الفتيات، على محدودية استفادة الأطفال من برامج التأهيل والتعليم لقصر مدة الأحكام القضائية، وحصولهم على كفالات تخرجهم من المركز بعد أيام من دخوله، ما يمنع ديمومة تعلمهم أو استفادتهم من البرامج المختلفة، ومن ضمنها صفوف محو الأمية.
ويجزم العمرو بصعوبة تأهيل الأطفال خلال أسبوع أو أسبوعين، لكنه أشار إلى أن محاولات تعديل مدة المحكومية، تستوجب توسيع المراكز الحالية نظرا لقدرتها الاستيعابية المحدودة، أو إقامة مراكز جديدة.
تصف المرشدة المجتمعية خولة عبد الله دار تربية والتأهيل الأحداث بأنها "مراكز سياحية" للمتسولين، يصعب فيها تعلم أية مهنة. فهي ترى أن مدد الحكم غير الكافية تحول دون انتظام الفتيات في برامج مؤسسات المجتمع المدني، أو تعلم المهن أو الانتظام في صفوف محو الأمية. وتقول إن تكرار زيارة الفتيات للمراكز والأحكام قصيرة المدة، تدفع الفتيات إلى التسول مجددا، واكتساب عادات جديدة في الشارع، مثل التدخين.
تكرار التسول
تشير الإحصائيات إلى أن 65 في المئة من بين 1188 طفلا دخلوا مراكز التأهيل في العام 2021، كانوا من المكررين، أي أنهم دخلوا المركز أكثر من مرة بسبب تكرار فعل التسول، بحسب مدير مركز رعاية وتأهيل المتسولين الذكور حامد العمرو.
في الاستبيان الذي أجريناه من داخل مراكز التأهيل (شمل 18 طفلا وطفلة)، اتضح أن دخولهم المركز للمرة الأولى كان بأعمار تتراوح بين 5 -7 سنوات، وأجمعوا (باستثناء فتاة)، على أن الظروف المادية والرغبة بمساعدة الأهل هو ما دفعهم إلى التسول، سواء عن طريق طلب المال مباشرة، أو البيع على الإشارات.
وترى المرشدة خولة عبد الله أن للعائلة الدور الأبرز في دفع الأطفال للتسول، خصوصا مع تزايد حالات دفع الأهل لأبنائهم إلى دائرة التسول، وهي نتيجة توصلت إليها من خلال عملها في جلسات رفع الوعي.
فيما يرى العمرو، أن أغلب الأطفال -خاصة المكررين- يحتاجون لرفع ثقافة ذويهم، خصوصا أن 92 في المئة من الأطفال المتسولين ينحدرون من عائلات تمتهن التسول.
وتؤكد المستشارة القانونية سهاد سكري، أن الأطفال المتسولين من ضمن الفئات التي نص قانون الأحداث لسنة 2014 على رعايتها وحمايتها، وتضمن ذلك المتسترين منهم بأي طريقة، مثل الباعة المتجولين، أو الذين يبيعون قرب الإشارات، واعتبارهم ضحايا بحاجة للحماية.
وتقول إن قانون العقوبات جاء لحماية الأطفال ، خاصة أن الأحكام التي تصدر بحقهم هي أحكام حماية لا عقوبة، إضافة إلى تكييف بعض الحالات على أنها ضحايا اتجار بالبشر، وفقا لقانون منع الاتجار بالبشر.
وتطالب سكري بعدم قبول كفالة الأهل ممن يرسلون أطفالهم للشارع، لأنه "في هذه الحالة خروجهم ودخولهم للدار لن يعطي أي نتيجة، خاصة أن المصلحة الفضلى للطفل هي الحماية على أي مصلحة أخرى موجودة".
وفي بعض الحالات، تقول سكري، إن الدولة قد تضطر لأخذ الطفل من عائلته خلافا للحالة العامة، خاصة إذا كان المسؤول عن الحماية ليس أهلا لها.
وبحكم مسؤوليته عن إجراءات التقاضي، حاولنا الحصول على رد من المجلس القضائي الأردني للاستفسار عن معايير الأحكام المتعلقة بالأطفال المتسولين، إلا أن المجلس لم يرد حتى تاريخ نشر التقرير.