كشف ماتياس شمالي، مدير عمليات وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "أونروا"، في قطاع غزة، أن التمويل المالي المتوفر للوكالة، يكفي لتقديم خدماتها حتّى شهر تموز/ يوليو المقبل فقط.
وحذّر شمالي، في حوار مع وكالة "الأناضول" من أن قطاع غزة، "في طريقه للانفجار إن استمرت الأزمة المعيشية الحالية".
وعبّر المسؤول الأممي عن رفضه لما قال إنها سياسة "خلط الأوراق السياسية مع الإنسانية"، التي تقوم بها الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل.
ورفض فكرة حلّ الوكالة، وقال إن وجودها، هو عامل استقرار في المنطقة لاسيّما قطاع غزة، مشيرا إلى أن تقليص خدماتها سيؤدي إلى مُسارعة أي انفجار محتمل في القطاع.
وأعلنت الولايات المتحدة الأمريكية، في 23 كانون الثاني/ يناير الماضي، عن تجميد مبلغ 65 مليون دولار من مساعداتها لـ"أونروا".
وسبق أن طالبت إسرائيل أكثر من مرة بحل الوكالة، وضم مهامها إلى مفوضية شؤون اللاجئين في الأمم المتحدة.
الأزمة المالية
في بداية حواره، قال شمالي إن الأزمة المالية التي تمرّ بها "أونروا"، خلال عام 2018، هي "الأكبر" منذ سنوات إنشاء الوكالة.
وأوضح أن "العجز في الميزانية العامة للأونروا يقارب ثلث التمويل العام".
وأشار إلى أن الوكالة ستتخذ إجراءات لتقليص خدماتها في مناطق عملياتها الخمس، إذا لم تحصل على التمويل اللازم لسد الفجوة المالية بعد مرور شهر حزيران/ يونيو القادم.
وقال:" نفكر الآن كيف يمكننا أن نحصل على التمويل اللازم لدعمنا".
وبحد أدنى، فإن "أونروا" تحتاج –في الوقت الحالي- حوالي 740 مليون دولار أمريكي لسد تلك الفجوة (تمكّنها من تقديم خدماتها لهذا العام)، بحسب شمالي.
وأعلن شمالي عن عدم وجود تمويل كافٍ في خزينة "أونروا" يمكّنها من شراء وتوفير المساعدات الغذائية للاجئين، خلال الدورة الثانية من توزيع تلك المساعدات (ينفذ البرنامج مرة كل 3 شهور).
ويعتمد تمويل الخدمات الإنسانية الغذائية (برنامج الإغاثة والخدمات الاجتماعية) التي تقدّمها "أونروا" للاجئين، بشكل كبير على الدعم الأمريكي؛ الذي يشهد تقليصاً بنسبة أكبر من النصف، منذ الشهر الماضي.
واستنادا إلى وكالة أونروا، قدمت الولايات المتحدة الأمريكية مساعدات لها بقيمة 364 مليون دولار، العام الماضي، من أصل ميزانيتها البالغة نحو 874 مليون دولار.
وحذّر شمالي من تقليص "أونروا" لخدماتها بشكل أكبر خلال الأشهر الثلاثة الأخيرة من العام الجاري.
وقال: "يمكن القول من ناحية الميزانية، أنه ليس هناك تمويل كاف يغطي الأشهر الثلاث الأخير لهذا العام".
وحول آخر المستجدات فيما يتعلق بالمناشدة الطارئة، التي أطلقتها "أونروا" الأسبوع الماضي، للمطالبة بتوفير مبلغ 800 مليون دولار، قال شمالي إن السويد أكّدت على التزامها بتمويل الوكالة الأممية (ليس لديه تقدير بالمبلغ)، لكن "أونروا" لم تستلم أي مبلغ حتى اليوم.
وأعربت بعض الحكومات (لم يسمّها) عن التزامها بتمويل "أونروا" وتضامنها معها، دون وصول أي مبالغ منها لخزينة "أونروا"، وفق شمالي.
دعوات "تفكيك أونروا"
ورفض شمالي تصريحات رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، التي اعتبر فيها "أن أونروا تديم المشكلة الفلسطينية"، ودعا خلالها إلى "نقل قضية اللاجئين الفلسطينيين تدريجيًا إلى المفوضية العليا للاجئين التابعة للأمم المتحدة".
وقال، تعقيباً على تلك التصريحات:" إن ذلك ليس بالشيء الحقيقي، وأونروا تحاول أن تحل المشكلة الفلسطينية من خلال استيعاب اللاجئين وتقديم الخدمات لهم".
وأشار إلى أن قضية اللاجئين -بشكل عام- بحاجة إلى "حل عادل، قبل التفكير بإنهاء عمل الوكالة"، معتبراً ذلك مسؤولية المجتمع الدولي (الدول الأعضاء).
وقال:" لسنا مؤسسة سياسية، بل خدماتية ومسؤولية "أونروا" تقتصر، على تزويد اللاجئين الفلسطينيين بالمساعدات الغذائية الإغاثية، وضمان مواصلة فتح المدارس التي تُعطي لهؤلاء اللاجئين حياة كريمة".
وعبّر شمالي عن آماله بعدم الوصول إلى "المرحلة التي يتم خلالها إنهاء عمل أونروا".
ورفض المسؤول الأممي إعطاء إجابة، حول مدى التوافق ما بين واشنطن وتل أبيب حيال المطالب بتفكيك "أونروا".
وأكّد على رفضه سياسة "خلط الأوراق السياسية مع الإنسانية"، والتي قال إن "الحكومة الأمريكية والإسرائيلية" تقومان بها.
وقال: "رسالتنا للحكومة الأمريكية وللإسرائيليين، وللجميع، أنكم تقومون بخلط الأوراق السياسية مع الإنسانية".
مباحثات مع واشنطن
وأوضح شمالي أن المفوض العام لـ"أونروا"، بيير كرينبول، كان مؤخرا في زيارة لواشنطن، والتقى خلالها ممثلين كبار في الإدارة الأمريكية، للتباحث حول موضوع تقليص التمويل للوكالة.
وقال:" كان هناك حث دائم من الأونروا لبقاء ذلك التمويل".
وخلال العام الماضي، توقّعت "أونروا" أن تحصل على تمويل ضخم من الولايات المتحدة الأمريكية لعام 2018؛ لكن ما حدث خيّب تلك التوقعات.
وأضاف: "منذ أن تم إبلاغنا بالتقليص، أجرينا مراسلات ومباحثات مع واشنطن، والدول الأعضاء".
وأكد أن "أونروا" تحرص في الفترة الحالية على البحث عن مصادر تمويل جديدة لخزينتها سواء من "أشخاص، أو دول، أو حكومات"، معربا عن "آماله في تراجع الإدارة الأمريكية عن قرارها القاضي بتقليص تمويلها للأونروا".
أسباب التقليص
وأوضح شمالي أن الولايات المتحدة الأمريكية لم تُبلغ "أونروا" عن سبب تقليص دعمها المالي، كما أنها لم تضع أي شروط لمواصلة تقديم ذلك الدعم.
وذكر أن كل ما يتم تداوله حول الاشتراطات هي "مواد إعلامية"، ولم تُبلّغ بها "أونروا" بشكل مباشر ورسمي.
ونقلت وسائل إعلامية محلية قولها إن واشنطن اشترطت على "أونروا" تغيير المناهج الدراسية في مدارسها، كي تواصل تقديم الدعم المالي لها.
وحول ذلك، نفى شمالي تلقّي "أونروا" أي اشتراطات من واشنطن.
لكنه أقر بأن "أونروا" قد تعرّضت، في وقت سابق، لضغوطات فيما يتعلق بالمناهج التعليمية التي يتم تدرسيها للاجئين الأطفال في مدارسها.
وأوضح أن "أونروا" تلتزم بتطبيق المناهج التعليمة داخل مدارسها وفقاً للسلطة المضيفة لها، "فعلى سبيل المثال، هي تدرس في مدارسها الواقعة داخل أراضي السلطة الفلسطينية، المناهج الدراسية الفلسطينية".
ونفى أن "أونروا" تملك قراراً أو سلطة تقتضي بـ"تغيير المناهج التعليمية التي تقدّم للأطفال اللاجئين في مدارسها".
قطاع غزة
وفي ظل تدهور الأوضاع الاقتصادية والمعيشية، يعتقد شمالي أن قطاع غزة أقرب ما يكون إلى "الانفجار".
وقال: "لكن لا نستطيع القول متى سيكون ذلك الانفجار، اليوم أو غداً أو بعد عام، لكن كل المؤشرات تقول إن هذا التدهور سيقود للانفجار".
واعتبر شمالي "أونروا" عامل استقرار في المنطقة، مشيراً إلى أن تقليص خدماتها سيهدد ذلك الاستقرار ويُسارع من الانفجار.
وأضاف: "يجب على أونروا مواصلة تقديم خدماتها كونها عامل استقرار في المنطقة".
ولإنقاذ قطاع غزة من هذه الكارثة، يرى شمالي أنه بات من الضرورة استمرار "أونروا" في تقديم مساعداتها الإغاثية الغذائية للسكان.
وتحتاج أونروا مبلغ يقدّر بـ"(20) مليون دولار أمريكي كل ثلاثة شهور كي تتمكن من مواصلة تقديم المساعدات الغذائية، في مناطق عملياتها الخمسة.
كما أنها تحتاج إلى مبالغ وصفها بـ"الكبيرة" (لم يعطِ أي رقم)، من أجل مواصلة فتح المدارس التابعة لها.
وأكّد على حاجة "أونروا" للتمويل كي تتمكن من توزيع المساعدات الإغاثية الغذائية، وخلق فرص عمل بغزة.
ومنذ أكثر من 10 سنوات، ارتفع عدد المستفيدين من خدمات "أونروا" الإغاثية الغذائية بغزة، من 100 ألف مستفيد إلى مليون و300 ألف مستفيد، في قطاع غزة.
وأرجع شمالي ارتفاع تلك الأعداد إلى الحصار الإسرائيلي المفروض على قطاع غزة (الذي يدخل عامه الحادي عشر)، والحروب الإسرائيلية المتكررة ضد القطاع، وما رافقها من ارتفاع في معدلات الفقر والبطالة.
وعبّر عن آماله في رفع ذلك الحصار، الأمر الذي سيؤدي إلى تخفيض عدد المستفيدين من خدمات الوكالة الإغاثية.
وقالت وسائل إعلام عبرية مؤخرا، نقلا عن "مصادر أمنية إسرائيلية"، إن قطاع غزة يتجه إلى الانهيار الاقتصادي والحياتي "مما ينذر بمواجهة عسكرية".
وحسب القناة الثانية الإسرائيلية، فإن تقديرات الوضع على صعيد القطاع "خطيرة بشكل خاص، إذ بعث كبار قادة الأمن تحذيراتهم لنتنياهو مؤخرا بشأن دلائل على تدهور دراماتيكي في الوضع الاقتصادي والإنساني داخل القطاع".
وأفادت القناة بأن "خطورة الوضع دفعت لدراسة إمكانية إرسال المواد الغذائية والأدوية عبر إسرائيل إلى غزة للمرة الأولى".
وفي قطاع غزة، يعمل لدى وكالة "أونروا" حوالي 13 ألف موظف (محلي).
وقال شمالي إن الموظفين أبلغوهم برغبتهم في ممارسة أعمالهم بتقديم الخدمات للاجئين، في ظل هذه الأزمة المالية، حتّى وإن تم تقليص رواتبهم.
وتحاول "أونروا"، بحسب شمالي، مواصلة دفع رواتب العاملين لديها بغزة.
وردا على سؤال حول تسريبات صحفية، قالت إن الوكالة قررت إغلاق مكتبتين، قال شمالي "لا يوجد معلومات كافية حول هذا الوضع، ونأمل أن يكون إجراء مؤقت وتعودان للعمل".
وكانت وسائل إعلام محلية قد ذكرت أن الوكالة قررت إغلاق مكتبة مدرسة الفاخورة في مخيم جباليا، ومكتبة مدرسة البحرين العامة في مدينة رفح.