"مدونة السلوك الإعلامية".. بين مثالية الفكرة وسلبية المخرجات

الرابط المختصر

بدأ الحديث عما يسمى بـ»مدونات السلوك» منذ أكثر من عام، ورافقه حالة رضا من الكثيرين، كون الفكرة خرجت بعناوين نحو الكثير من المثالية والقليل من الخطأ والسلبية، فسعت عندها الكثير من المؤسسات والوزارات لوضع مدونات سلوك لعملها، ولعلاقتها بالغير.

وبعد دخول هذه المسميات حيز الوجود والتطبيق العملي كانت المفاجأة أن رياح «المدونات» لم تأت بما تشتهيه سفن التغيير والاصلاح، بل على العكس كانت المخرجات سلبية في أغلبها.

ولعل أكثر المدونات التي أثير بشأنها جدل واسع كانت «مدونة قواعد السلوك لعلاقة الحكومة مع وسائل الاعلام»، كونها وضعت علاقة الحكومة بالاعلام على مفترق طرق، لم تتضح به صورة القرب من البعد في هذه العلاقة، كما لم تتضح الابعاد الايجابية من تطبيقها، لا سيما انها أضرت بالوسط الاعلامي أكثر بكثير مما أفادت، فكانت نتائجها خسائر مادية ومعنوية، ومهنية على الجانب الصحفي، فقدرت خسائر الصحف بعشرات الالاف من الدنانير نتيجة لوقف الاشتراكات من جانب، وتقنين الاعلانات الحكومية من جانب آخر، بل ان الامر تعدى ذلك الى أن أغلقت الكثير من الصحف بعد وقف الاشتراكات.

ولم تقف سلبيات المدونة عند هذا الحد، بل تجاوزته الى قوت عدد من الصحفيين، حيث اضطر العشرات منهم لترك وظيفته التي تساعده في زيادة دخله، كون المدونة منعت الصحفي من الازدواج ما بين عمله في مؤسسة حكومية واخرى خاصة اعلامية، فكانت خسائر كبيرة صبت بهذا الاتجاه.

وعليه جاء الصوت اعلى بكثير من حجم الحناجر في هذا الخصوص، حيث أطلقت الفكرة بمدونة سلوك، وزخرف فكرتها كثيرون عندما أكدوا أنها تؤسس لحالة إعلامية مثالية، ولعلاقة حكومية إعلامية نموذجية، فكانت المخرجات عكس ذلك تماما، وحصدت الفكرة سلبيات كثيرة وأضرارا جنتها الصحافة، والحريات الصحفية، لتخرج بعد ذلك أصوات تنادي بإلغاء المدونة أو إيجاد مخارج إيجابية للمآزق التي وضعت الحال الاعلامي بها.

ووسط تفاصيل هذا الحال المرفوض من الصحفيين كافة، أخرجت حكومة الدكتور معروف البخيت أمس الاول الوسط الصحفي من «كابوس المدونة» عندما أقر مجلس الوزراء صيغة جديدة لها، حافظت على الاطر التنظيمية والاخلاقية للمدونة ورفع سقف الحريات، في حين ألغت سلبياتها.

في قراءة لـ»الدستور» حول طبيعة الصيغة الجديدة للمدونة، وأثرها على الواقع الاعلامي، بدا واضحا أنها غيّرت اتجاهات الرفض الصحفي لها، نحو قبولها بشكل كامل، كونها غربلتها من السلبيات السابقة، بإيجابيات لعل أبرزها إعادة النظر في موضوع الاشتراكات، وكذلك موضوع الاعلانات، حيث تقرر ربط الإعلانات بمعايير مهنية، يقوم وزير الدولة لشؤون الإعلام والاتصال بتعميمها.

كما حسمت الصيغة الجديدة للمدونة جدلية عمل الصحفيين في القطاع الحكومي بالاتجاه الايجابي، وتقرر بهذا الشأن أن «للوزارات والدوائر الحكومية والمؤسسات الرسمية والعامة والبلديات الاستعانة بخبرات إعلامية حسب حاجتها على ان يتم اخذ موافقة رئاسة الوزراء». ولم تغفل دور الاعلام في كونه سلطة رابعة، حيث نصت الصيغة الجديدة على «الاهتمام بما تنشره وسائل الإعلام ومتابعته والأخذ بجوانبه الايجابية وتوضيح الحقائق والرد على أي معلومات غير دقيقة»، لتعيد للاعلام اعتباره وتجعل لهيبته حضورا قويا.

وانطلقت الحكومة في قرارها، وفق وزير الدولة لشؤون الاعلام والاتصال طاهر العدوان، من المبادئ التي أقرها الدستور والقوانين الناظمة لممارسة مهنة الصحافة، واستناداً للرؤية الملكية التي أكدت أهمية ضمان حرية الصحافة وحقها في العمل بمهنية واستقلالية، وانسجاماً مع بنود ميثاق الشرف الصحفي لنقابة الصحفيين والمعايير المهنية الصحفية المعتمدة عالمياً، وتأسيساً على كتاب الرد على كتاب التكليف السامي وتأكيده التزام الحكومة بأهمية دور وسائل الإعلام بمختلف أصنافها المقروءة والمسموعة والمرئية والإلكترونية وغيرها وضرورات العمل بحرية واستقلالية، وتعهدها بأن تبني علاقتها مع وسائل الإعلام على أساس التواصل واحترام دور هذه الوسائل وحقها في الحرية والاستقلالية وفي الحصول على المعلومة وفق أحكام التشريعات النافذة.

ووفق آراء تحدثت لـ»الدستور»، فقد لحق قرار الحكومة تجاه المدونة ردود فعل ايجابية من الوسط الصحفي، كونها حددت معالم ايجابية لحسن نوايا الحكومة تجاه الاعلام، وعلاقتها معه، وراعت بشكل كبير ما عانى منه الصحفيون جراء تطبيقها سابقا، وتحديدا في موضوع الاشتراكات وعمل الصحفيين في المؤسسات الحكومية.

نقيب الصحفيين عبد الوهاب الزغيلات اعتبر الصيغة الجديدة ايجابية، مشيرا الى ان النقابة كانت قد اشادت بالمدونة نظرا لمثالية الفكرة، ولكن بعد تطبيقها كانت مخرجاتها سلبية، وعليه فان اجراء تعديلات عليها كان مسألة مهمة، معربا عن أمله ان تطبق على الزملاء في وكالة الانباء الاردنية وتحديدا في موضوع عملهم في مؤسسات اخرى الى جانب عملهم في الوكالة.

أما نقيب الصحفيين الأسبق هاشم خريسات فاعتبر أن الأمور تسير باتجاه ايجابي بشكل عام من قبل الحكومة نحو الإعلام، وفي موضوع المدونة قال «انها من الأساس ليس لها أي فائدة وبالتالي فوجودها من عدمه لا يعني للصحفيين أي شيء، ولعل الايجابي في قرار الحكومة الأخير نحوها هو إتاحة العمل للصحفيين كمستشارين إعلاميين في المؤسسات الحكومية، فهذه المسألة حتما ايجابية، وتخدم القطاع بشكل عام».

أستاذ الصحافة في جامعة البترا الدكتور تيسير أبو عرجة اعتبر القرار استجابة لنداءات الصحافة بالنسبة لموضوع الاعلانات بحيث تبنى على قواعد ثابتة تراعي اعتماد الاعلان واحدا من المصادر الاساسية لدخل الصحف، معتبرا ان من واجبات الحكومة رعاية المهنة الصحفية وتوفير اسباب تقويتها، والعمل على مساعدة الصحف على تجاوز أي مشاكل.

وفي موضوع عمل الصحفي في مؤسسات حكومية قال ان هذه مسألة هامة ايضا ليس فقط من الجانب المالي بل ايضا كونها فرصة تعطي الصحفي مزيدا من الخبرة، وتبقى مسألة الموازنة بين العملين من مهام الصحيفة التي يعمل بها بشكل تقولب به الامور بما لا يؤثر على استقلاليتها.

أضف تعليقك