مخيم الوحدات شاهد على 58 عاما من الشتات

مخيم الوحدات شاهد على 58 عاما من الشتات
الرابط المختصر

يعيشون واقعهم باعتياد لا يغيره سوى الزمن، ولا يحملون من الماضي سوى الذكريات، وها هي الحاجة الثمانينية أم رزق والتي تقطن في مخيم الوحدات لا يغيرها سوى التجاعيد التي ملأت وجهها الضاحك دوماًورغم وفاة زوجها منذ شهرين لم يبدل من حالها إلا حديثه المستمر عن بلده فلسطين والنظر إلى صورته المعلقة التي يقف فيها شامخا وهي بقربه، صورة ألتقطها أحد الصحفيين في زيارة له إلى المخيم.

وتتذكر قول زوجها الدائم "فلسطين أرضنا وأرض أجدادنا، هذه أرضي أحرث وأزرع فيها الخضار وكل ما تشتهي العين" ولا تجد أم رزق بحالها سوى السعي للعيش الكريم كما كل أهالي مخيم الوحدات. وتتخذ من بيتها الصغير المترامي إلى جانب بيوت المخيم المتلاصقة ببعضها البعض مكانا لبيع الحلويات والسكاكر لأطفال المخيم.

قوت يومها يأتي من بيع ما يتيسر لها من البضاعة البسيطة التي يؤمنها لها أحد أبنائها، وهذا لا يساهم سوى بجزء بسيط على سد احتياجات بيتها المكون من غرفتين وحمام وحوش الذي تجلس متربعة فيه على حصيرة.
ويطل هذا الحوش على غرفتين تعلق فيهما أم رزق صور زوجها وصور تعود لعشرات السنين، ولا يسعها سوى أن تتذكر أنها كانت تداعب زوجها كأن تقول له "سوف أشحذ الملاليم كي أصل إلى الجسر وأدخل فلسطين".

و في نهاية لقائنا مع ام رزق تتمنى أن نعود لها مرة ثانية "انتم أولادي، أرجعوا مرة ثانية. انتظركم".

وفي ممر ضيق لا يبعد عن بيت أم رزق أمتاراً معدودة، يجتمع ثلاثة رجال أقلهم عمراً تجاوز السبعين، وحروق الشمس كانت واضحة على وجوههم تتحدث عن تعبهم في الحياة، أحدهم يدعى لطفي حمودة يجلس على مقعد أسمنتي لم يفكر يوماً أن يعيش خارج المخيم سوى أن يكون بفلسطين ورغم أنه تعب الحياة البائسة في المخيم رغم أنه يعتبره من أفضل المخيمات لديه لكن "لا بأس فالحياة فيه أرحم علينا خارج بلدنا فلسطين".

"أعطل يوم في التاريخ" هو يوم النكبة بالنسبة للحاج لطفي، "أصعب شيء علي هو يوم النكبة لأني عشتها".

خمسون عاما ونيف كفيلة بأن تخلق جيلا وراء جيل لم يعش النكبة أو يتصور ما عاشه أجداده أو يذكر حياة كانت هناك في فلسطين، لكن جيل بعمر ثائر22 عاما يقول "أدرك أننا نزداد تمسكاً بتلك الأرض"، حياتهم في المخيم تزداد صعوبة، أوساخ وروائح ومكرهة تزيد من صعوبتها.


حكاياته عن غلاء المعيشة لا تنتهي "هذه حياتنا في المخيم أدفع أجرة البيت 90 دينارا " كما يقول حسن محمود سند الذي ذهب إلى مكتب البريد لتقاضي كوبون دعم المحروقات، ولم يحصل سوى على ثلاثين ديناراً، ليعيل أحد عشر نفراً من عائلته.

أما الحاج عطية زبيدي خرج من بلده وكان عمره 11 عاماً، وأمنيته أن يدفن في بلدة السفرية قضاء يافا. وعن حاله داخل المخيم يقول إن المياه متوفرة والتمديدات الصحية متوفرة، ورغم ذلك اشتكى من الأزمات الدائمة على المركز الصحي، وليس ذلك أيضاً "ضغط وأزمات على المدارس، طلاب المدارس دوامهم على مرحلتين ورغم ذلك إلا أن الصف الواحد فيه أكثر من 60 طالباً".

مخيم الوحدات والذي كان في السابق مكانا للباحث عن الرخص في الأسعار، أصبح فيه الغلاء فاحشاً بالنسبة لسكانه، إضافة إلى "نفايات أينما وليت وجهك داخل ردهات المخيم".

الأزقة في المخيم تتشابك وتتداخل فيما بينها وتنتشر في شوارعها الإسمنتية المتآكلة الحفر والقنوات التي تتجمع فيها المياه العادمة، أما منازل المخيم المتلاصقة تراوحت بين المتشقق جدرانها والآيلة للسقوط و وبعضها مغطى بصفائح حديدية أو ما يُطلق عليه أبناء المخيم " الزينكو" .

وحسب أبناء المخيم يعاني الوحدات من سوء الخدمات المقدمة في الصحة والتعليم والبنية التحتية، وتنتشر الحاويات المكشوفة في شوارع المخيم متسببة بروائح كريهة، مع تدني مستوى النظافة وخصوصا في منطقة السوق الذي يعتبر العصب الاقتصادي للحياة في المخيم .

ويقع السوق في قلب المخيم و أول ما تشاهده الانتشار العشوائي للبسطات والازدحام الشديد ما يؤدي إلى تعطيل حركة السير داخل ‏السوق والمناطق المحيطة وخصوصا في منطقة حي سمية الذي تنتشر على جانبيه محلات عديدة القسم الأكبر منها غير مرخص.

عزام عبد الحافظ سائق سرفيس الوحدات –رغدان يشكو من المنفذ الوحيد للسيارات على السوق المركزي داخل المخيم، وكان قد دعا عزام وعددا من زملائه السائقين إدارة السير إلى المخيم وتقييم الوضع وحل الأزمات المرورية التي يعانيه ساكنو المخيم، "سيارات متراكمة على يمين وشمال المخيم، أزمات مرورية خانقة"، لعزام وزملائه خيارات للخروج من الأزمة فلم يقفوا على المشكلة واشتكوا منها، إنما قدموا مخططا لحل الأزمات المرورية في منطقة السوق وخط السرفيس لهيئة تنظيم قطاع النقل العام، "أن يخططوا لطريق جديد للخط بحيث يكون له مدخل ومخرج وهنا يتم التخلص من الأزمات إذ أن سيارة الأجرة لها منفذ واحد وهذا يساهم بالأزمة المرورية".


وللشباب طرقهم الخاصة في الحياة فإما بسطة لبيع الخضار أو احتياجات منزلية، كحال ماهر 22 عاماً، والذي بدأ بالتعريف عن حاله هكذا.. "المدعو ماهر 22 عاماً، عامل على بسطة داخل الوحدات، ثم أنا طالب محاسبة في الجامعة الأردنية". ماهر يستثمر وقته بين العمل مع أبيه على بسطة لبيع الخضار والدراسة في الجامعة ويقول "أتمنى العمل 48 ساعة وليس 24 ساعة".

على بسطة ماهر للخضار تتحطم الظروف المادية الصعبة، ماهر يتحدى النكبة بأسلوبه الخاص، لم يسمح لأحد أن يغتال حلمه في التعليم، فمن خلال المردود المادي القليل الذي تنتجه البسطة الموجودة على مدخل المخيم يغطي ماهر تكاليف دراسة المحاسبة في الجامعة الأردنية مفتخرا بذلك، فهو على الدوام يعًرف بنفسه " ماهر صاحب البسطة" ويرى فيها " مصنعا للرجال" .

نادي الوحدات ملجأ للكثير من شباب المخيم الباحث عن العمل والتطور وتنمية القدرات، وها هو ماهر الناشط في اللجنة الثقافية أثمرت جهوده إلى إقامة معرضا لرسومات الفنان الشهيد ناجي العلي وديكورات احتفاءً بذكرى النكبة، ويسعد بحياته داخل المخيم ويتحدث لنا عن حياته هازئا "نحب حياتنا داخل المخيم، وما يزيد حبنا لها هو وطأة الحياة وصعوبتها، ومن كثرت النظافة وتعدد مراكز التكنولوجيا والتي تستثمر وقت الشباب بالشيء المفيد، وحتى الطبيعة الخلابة إذ أصبحت أرى الأشجار تنبت".

محمد لافي خريج دبلوم، يعمل منذ 6 سنوات في جريدة الوحدات يجد في عمله وسيلة لمواجهة صعوبة الحياة، فهو يجتمع يومياً في قاعة المكتبة مع بعض شباب المخيم لتبادل الآراء والاستفادة من خبرات بعضهم البعض، وعلى عكس ماهر الذي يعود من جامعته ومن ثم إلى عمله وأخيرا في النادي، فإن ثائر 23 عاما لا يجد نفسه سوى جزءا لا يتجزأ من شباب مخيم الوحدات الذي يعاني من بطالة غير مقروءة رسميا لكن بإمكانه تزويد حديثه بأرقام نشرتها الأنروا بالتعاون مع لجنة تحسين المخيم حول البيوت غير الصالحة داخل المخيم. ثائر يدرس في الجامعة الأردنية تخصص برمجيات يعتبر نفسه ممثلا لأبناء المخيم في الجامعة وهو واحدا من شباب قلة من المخيمات الذي وصلوا إلى التعليم الجامعي "لكنهم يحبون التعليم، وفقرهم لا يحب التعليم"..معادلة القدر اثنت آلاف الشباب من التعليم فقد كان من الممكن أن يكونوا متعلمين دارسين لتخصصات تمنوها "لا تصدق الواقع فهو كاذب، وكاذب جداً. كثيرون يحلمون بالتعلم ولم يعطهم الواقع هذا الفرصة".


لافي يدير جريدة الوحدات الرياضية الأكثر قراءة بين الشباب الباحث وراء متابعة أخبار النادي، ويعتبر الجريدة متنفسا لإبداعه والتعبير عن احتياجات الشباب وآماله وتطلعاته.

ويعتبر نادي الوحدات متنفساً لأبنائه، وسعد واحداً منهم أكمل تعليمه للصف التاسع وهو صف التخرج لديه، ويعمل الآن بتركيب الألمنيوم، ويبلغ من العمر 22 عاماً يجد في اللجنة الثقافية التي انضم إليها مذ فترة ليست بعيدة احتياجاته بممارسة أنشطة ثقافية يجدها فرصة لتلبية حبه للثقافة والقيام بأعمال يعتبرها انجازات له.

أما ماهر فيواصل حياته الجامعية وعمله مع أبيه بحماس، ويجد في عمله فرصة للتعرف على الواقع الذي ينتمي له وأيضاً على أخباره، لأنه من المخيم ولا يدرك أحد معاناة المخيم كأبنائه.

مخيم الوحدات أو ما تسميه الأونروا مخيم عمان الجديد، يعتبر أحد أربعة مخيمات أنشئت لإقامة اللاجئين الفلسطينيين في الأردن، حيث أنشئ عام 1955 لإقامة حوالي 5000 لاجئ على مساحة 488000 متر مربع جنوبي شرق عمان.

البناء العشوائي زاد من حجم الكثافة السكانية داخل المخيم، حيث بدأ بـ 1400 مسكنا، وفي عام 1957 شيدت الوكالة حوالي 1260 مسكنا إضافيا. وبحسب آخر إحصائية للوكالة فإن هناك حوالي 50601 من اللاجئين المسجلين.

أضف تعليقك