"محرومون من التنقل"..الأشخاص ذوي الإعاقة نقل عام غير مهيأ ومعاناة مستمرة

الرابط المختصر

يفصل بين أسماء وحلمها في إكمال تعليمها غرفة صفية في الطابق الثاني، طرق قديمة، أزقة ضيقة ونقل عام غير مهيأ لمن مثلها ممن بات الكرسي المتحرك رفيقا لدربهم.

بدأت معاناة أسماء (18 عاما) مع مرض ضمور العضلات وهي في السابعة من عمرها، وتطور الأمر تدريجيا إلى أن فقدت قدرتها على المشي في سن الثانية عشر، لتصبح من ذوي الإعاقة الحركية. حاولت أن تكمل تعليمها إلا أن المدرسة لم تستجب لطلبها بنقل شعبتها من الطابق الثاني إلى الطابق الأرضي انتهى مشوارها في التعليم قبل أن تلتحق بالصف الثامن.

مع فقدان قدرتها على المشي، باتت أسماء تلزم بيتها في حارة العراتفة في الجبل الجنوبي لفترات أطول، لافتقار منطقتها التابعة للواء الرصيفة  في محافظة الزرقاء إلى نقل عام مهيأ لذوي الإعاقة. 

تقول أسماء الخليلي "المواصلات العامة غير مناسبة وما بفكر أركب فيها" هي تضطر إلى استخدام النقل الخاص، ما يحملها أعباء مادية لا تطيقها "يزيد الأجر بالمواصلات الخاصة 5 أضعاف أو 6 أضعاف حسب المنطقة"، تضيف أسماء.

أما آيات فكانت أكثر حظا؛ إذ تمكنت من إنهاء دراستها الجامعية في ظل توفر حافلة مهيأة لذوي الإعاقة تمر بالقرب من منطقة سكنها في ياجوز بمحافظة الزرقاء،  حيث تتوقف أمام بوابة الجامعة.

ولدت آيات (27 عامًا)  بساق أقصر من الأخرى ، ما يجعل من تنقلها في حافلات النقل العام غير المهيأة مسألة صعبة، الأمر الذي دفعها إلى التخلي عن طموحها بالعمل بعد تخرجها.

 "أحيانا بتخطر عبالي أتدرب بعمان بعد ما خلصت دراسة بالجامعة، بس برجع بحكي ما بدي أقدم على تدريب، لأنه الباص بكون كثير سيء، بتفادى حتى التفكير بالتدريب". تقول آيات. 

"مرات درجة الباص بتكون شوي عالية، فيها نتوءات، ما فيها توازن، لهيك  ما بقدر أتوازن عليها".  هكذا تصف لنا آيات معاناتها في استخدام حافلات النقل العام غير المهيأة.

يشارك أسماء وآيات شريحة واسعة من الأشخاص ذوي الإعاقة وممن لديهم صعوبات حركية في محافظة إربد ومحافظة الزرقاء، حيث توجد أكثر من نصف الحافلات الداخلية المسجلة في البلاد.

 

 

أينما كنت، المعاناة مستمرة

يشكل الأشخاص من ذوي الإعاقة الحركية نحو 13 في المائة من السكان في الأردن. يقطن معظمهم في المناطق الحضرية.

يعيش نحو 40 في المائة من الأشخاص ذوي الإعاقة  في الأردن داخل محافظة الزرقاء ومحافظة إربد، حسب أحدث تعداد  سكاني رصد نسبة ذوي الإعاقة في البلاد.

حرم غياب الحافلات المهيأة صفاء العباسي (35 عاما)  من سكان قرية حوفا الوسطية بمحافظة إربد من تحقيق حلمها في دراسة التخصص الذي ترغب به عبر برنامج دبلوما. 

حصلت صفاء على منحة للدراسة في البرنامج لكنها لم تتمكن من الالتحاق به، لما يتطلبه ذلك من التنقل باستمرار بين قريتها ومدينة إربد ودفع مبالغ مالية كبيرة. 

تقول صفاء التي ولدت بقدمين مبتورتين "أنا ما قدرت أروح على الدبلوم أو أسجل فيه، بسبب كلفة المواصلات المضاعفة، للأسف ما في وسيلة مواصلات مهيأة إلي".

 

انقر الرابط لمشاهدة الفيديو  

 

 

https://public.flourish.studio/visualisation/10526270/

 

أما عبدالله عمر القاطن في مدينة الرصيفة بمحافظة الزرقاء  فيحاول أن يتحدى إعاقته الحركية بمتابعة دراسته الجامعية والعمل في الوقت ذاته، لكن غياب وسائل النقل العام المهيأة يضطره أحيانا إلى التغيب عن الجامعة أو التأخر عن عمله. 

 

يتنقل عبدالله القاطن في المدينة بكرسيه المتحرك، ويواجه صعوبة كبيرة في استخدام حافلات النقل العام.

" بحاول أوقف باص الكوستر لأطلع فيه لكن للأسف بتكون الباصات مستعجلة كلها ورا بعض عشان يلحق يجيب نقلة ثانية، ولما يطلع شخص عنده إعاقة، رح ياخذ منه وقت ويتأخر في عملية التحميل والتنزيل" يقول عبدالله. 

 

لا يشكل إقناع السائقين بالتوقف التحدي الأكبر أمام عبدالله، إذ يتوجب عليه انتظار مساعدة أحدهم ليتمكن من الصعود إلى الحافلة.

يفضل عبدالله استخدام وسائل أخرى مثل سيارات الأجرة الخاصة (التاكسي)، مع أنها ذات تكلفة مرتفعة مقارنة مع الحافلات، بسبب ما يواجه من تحديات في استخدام وسائل النقل العام، وعدم وجود مواعيد محددة للحافلتين الوحيدتين المهيأتين لذوي الإعاقة في المدينة، حسب ما أوضح. 



 

 

على شركات الاستثمار في مجال النقل العام التي تملك عشرين حافلة، تهيئة حافلتين تحوي كل منهما مقعدًا واحدًا على الأقل لذوي الإعاقة.

 

معايير غير كافية وقطاع مفتت

توجهنا  إلى مجمع الزرقاء للبحث عن الحافلات المهيأة للأشخاص ذوي الإعاقة، إلا أننا لم نجد أي منها، وعند سؤال سائقي الباصات هناك أخبرونا أن الحافلتين غير موجودتين حاليًا، فقد تكونا في طريقهما إلى عمان، إذ ليس لهما مواعيد انطلاق محددة.

لا تبدو الحافلتين كافيتين لاستخدام الأشخاص ذوي الإعاقة، فهما تعملان على خطوط خارجية ولا تلتزمان بجدول تشغيل محدد.

لم يتم تكييف المركبات أو البنية التحتية للأشخاص ذوي القدرة المحدودة على الحركة في الأردن. كما لا يملك الأشخاص ذوو الإعاقة الحركية الوصول إلى وسائل النقل العام ماديًا واقتصاديًا، حسب دراسة صدرت عن مجموعة البنك الدولي مطلع هذا العام.

 

وأشارت "الدراسة التشخيصية والتوصيات الخاصة بالنقل العام في الأردن" إلى أن التكوين المؤسسي لنظام النقل العام في الأردن يتسم بالتشرذم وتضارب في الأدوار والمسؤوليات بين الأطراف المعنية في هذا القطاع وهي؛ وزارة النقل ووزارة الأشغال العامة، وهيئة تنظيم النقل البري، بالإضافة إلى ثلاث هيئات محلية.

ُيناط بهيئة تنظيم النقل البري في الأردن العمل على تلبية خدمات النقل البري والرقابة عليها وتأمينها بالمستوى الجيد والكلفة الملائمة، ووضع معايير وأسس التعاقد وشروط منح التراخيص المتعلقة بهذا القطاع من النقل.

توضح الناطق باسم هيئة تنظيم النقل البري عبلة وشاح أن الهيئة تحدد معايير لخطوط النقل العام تتعلق بذوي الإعاقة؛ إذ يتوجب على شركات الاستثمار في مجال النقل العام التي تملك عشرين حافلة، تهيئة حافلتين تحوي كل منهما مقعدًا واحدًا على الأقل لذوي الإعاقة. 

تشمل تلك المعايير الخطوط الرئيسية بين المحافظات وخطوط الجامعات، ولا تُطبق على الحافلات العاملة على الخطوط الداخلية في المحافظات، بحسب وشاح. 

يوضح عودة أبو حسان، وهو صاحب شركة نقل على خط الزرقاء- الجامعة الأردنية، أن تهيئة الحافلة تشمل وجود أرضية منخفضة يمكن إنزالها إلى مستوى الشارع. كما تزود الحافلة بمقاعد متحركة لذوي الإعاقة الحركية، وتنبيه صوتي ومرئي، بالإضافة إلى وجود منحدر عند الباب الخلفي لتسهيل صعود الكراسي المتحركة. 

وحسب أبو حسان الذي تملك شركته حافلات مهيأة لذوي الإعاقة فإن سعر الحافلة المهيأة يبلغ ثلاثة أضعاف الحافلة العادية، بقيمة تفوق مائتي ألف دينار أردني. 

 

يُشكل كل من غياب التمويل وعدم وجود كوادر بشرية مؤهلة عقبة أمام تنفيذ الخطط التي تضعها وزارة النقل، حسب وزير النقل الأسبق جميل مجاهد.

وأشار مجاهد إلى أن غالبية الحافلات في البلاد تعود ملكيتها لأفراد، معتبرًا أن معالجة أية مشكلة في قطاع النقل تتطلب تنظيم الملكية الفردية فيه قبل وضع متطلبات لتوفير الخدمة بالشكل الملائم، مع تقديم حوافز لتوفير الحافلات ذات التجهيزات الخاصة بسبب ارتفاع تكلفتها.

أما خبير النقل حازم زريقات فيشير إلى أن الإشكالية لا تكمن في غياب السياسات أو الشروط الخاصة بقطاع النقل العام، بل في آليات التطبيق وبيئته، فمنظومة النقل العام في الأردن تقوم على أسس تجارية لا تناسب خدمة عامة يتوجب على الدولة توفيرها للمواطنين، حسب رأيه. 

وحسب حازم، الذي يشغل منصب عضو مجلس أمناء المجلس الأعلى للأشخاص ذوي الإعاقة، فإن المشغلين لخطوط النقل ليس لديهم مصدر دخل سوى الأجور التي يدفعها الركاب، لذا فإن ما يهمهم هو زيادة عدد مستخدمي الحافلات دون الالتفات إلى المعايير. 

 معتبرًا أنه يتوجب أن تتحمل الدولة التكلفة في حين يحصل المشغلون على أجور لقاء تسيير الحافلات ضمن مسار محدد بما يراعي المعايير والشروط المنصوص عليها. 



 

نصوص قانونية ملزمة وموازنات خاوية

حسب قانون حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة فإن على وزارة النقل وهيئة تنظيم النقل البري وأمانة عمان الكبرى والبلديات ومن في حكمها إلزام شركات النقل العام بتهيئة جميع الحافلات لاستعمال الأشخاص ذوي الإعاقة، وتخصيص مقعدين لهم في حافلات النقل العام حسب الاقتضاء.

أما دوليًا، فيلتزم الأردن باتفاقية الأمم المتحدة لحقوق الأشخاص ذوي الإعاقة التي صادق عليها عام 2007 ودخلت حيز التنفيذ عام 2008. 

وحسب الاتفاقية يتعهد الأردن باتخاذ كافة التدابير المناسبة للقضاء على التمييز على أساس الإعاقة من جانب أي شخص أو منظمة أو مؤسسة خاصة. 

كما تتعهد الدول بتعزيز توفير الوسائل والأجهزة المساعدة على التنقل، والتكنولوجيات المُعِينة الملائمة للأشخاص ذوي الإعاقة واستعمالها، مع إيلاء الأولوية للتكنولوجيات المتاحة بأسعار معقولة.



ترى منظمة هيومان رايتس وواتش أن الحكومة الأردنية تقاعست عن تمويل الوزارات الرئيسية لتنفيذ قانون حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة الذي صادق عليه مجلس الأمة الأردني عام 2017، حسب ما كشفت المنظمة قبيل الإعلان عن جائحة كورونا. 

استندت المنظمة إلى تحليل تقارير الميزانية الوزارية للأعوام 2018 و2019 التي نشرتها "دائرة الموازنة العامة" في الأردن. 

أظهر التحليل أن عدة وزارات لم تخصص أي تمويل لمبادرات حقوق الإعاقة، من بينها وزارة النقل ووزارة الشؤون البلدية.

يرى الخبير الدستوري ليث نصراوين أن التعديلات الدستورية الأخيرة تدرجت وتوسعت بما يناط بالدولة من مسؤولية تجاه الأشخاص ذوي الإعاقة، إذ لا يقتصر الأمر على الحماية من الاستغلال أو الإساءة بل يمتد إلى تعزيز المشاركة والاندماج. 

ويؤكد نصراوين أن الدولة والحكومة والجهات المعنية ملزمة بمراعاة حقوق ذوي الإعاقة في التنقل وتسهيل كافة وسائل الراحة والإمكانيات ليتمكنوا من استعمالها "إما أن يظهر من خلال قوانين أو تشريعات أو قرارات إدارية تتخذها الجهات المعنية"  يقول نصراوين.  

موضحًا أن اقتضاء الحاجة يفسر وفقًا لحاجة الأشخاص ذوي الإعاقة ونسب تواجدهم في المناطق، وليس تبعًا لما يتوفر لوزارة النقل من معايير فنية أو مالية أو لوجستية. 

يشار إلى أن مجلس النواب الأردني وافق مطلع العام الحالي على تعديل المادة 6 الفقرة 5 من الدستور لتنص على ما يلي "يحمي القانون حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة ويعزز مشاركتهم واندماجهم في مناحي الحياة المختلفة."

 

أنتجت هذه القصة بالتعاون مع أريج للصحافة الاستقصائية وبدعم من سفارة مملكة هولندا في الأردن- مشروع 100واط