محاربة الفساد في ميدان العالم الافتراضي
بات الفساد يشكل ظاهرة اجتماعية وسياسية واقتصادية معقدة في مجتمعنا الأردني، فلم تخل أي من المسيرات التي انطلقت منذ كانون الثاني الماضي ولغاية اليوم من المطالبة بضرورة القضاء على الفساد المستشري بمؤسسات الدولة ومحاسبة الفاسدين.
وانتقلت دعوات محاربة الفساد من الواقع إلى العالم الافتراضي وتحديدا على صفحات موقع التواصل الاجتماعي"الفيس بوك"حيث أسس عدد من الناشطون على الموقع صفحة بعنوان"الحملة الوطنية لمكافحة الفساد وإقرار قانون من أين لك هذا"، مطالبين من خلال الصفحة بمحاربة الفساد بشكل جذري.
الصفحة التي مضى على إنشاءها أشهر حظيت بعدد كبير من المشتركين وسط سجالا ونقاشات "نارية" حول موضوع الفساد وطرق محاربته، إذ قال أحد المشاركين"أهلا و مرحبا بكم في دولة الفساد...نتمنى لكم إقامة طيبة و حياة سعيدة....تحت شعار يحرق الناس أنفسهم ليقضوا على الفساد و نحرق نحن أنفسنا لننير بها دروب الفساد".
ليقول آخر"إن مصداقية هيئة مكافحة الفساد مرتبط بتحويل قضايا الفساد إلى المحاكم النظامية بدلا من محكمة أمن الدولة"، في حين قال أحد المشاركين"لا أتعجب لكونهم فاسدون سرقوا ثروات بلدي....لكني كثيرا ما أتعجب لكونهم لا يستحون".
فيما حظي خروج رجل الأعمال السجين خالد شاهين بحصة الأسد على الصفحة التي طالبت بمحاسبة كل من تورط في اخراجه من سجن سلحوب حيث قال احد المشاركين بدعابة"و يستمر المسلسل التركي حيث تتابعون الحلقة رقم2000من المسلسل الشهير عودة شاهين الجزء الخامس و العشرون عام2020....وهذا و يتوقع انتهاء المسلسل بموت بطله دون عودته و سيبحث المخرجون عن بطل جديد يكملون به المسلسل"، ليشاطره آخر "الشويت المعروف يقول بان شاهين لم يهرب و إنما على حد علمي ذهب ليشاهد الكلاسيكو وإنما خاب ظني والله واعلم".
أحد المشاركين على الصفحة عبر عن الوضع المادي الصعب الذي يعيشه المواطن بكلمات تعكس واقعه الصعب "نص الشهر قرف وقلق...فيش فراطة ولا نيرات ولا رحمة و شفق...نص الشهر فيش صابون ولا مي، تاتغسل كاسة الشاي من الدبق...نص الشهر صاحب البيت لما يشوفك بتلاقي لزق...نص الشهر ما في مجال تشوف قرايب ولا رفق...أحلى شي في نص الشهر...تغني لجيب البنطلون إلي إنخزق...أو تمول للقميص إلي إنفتق...نص الشهر فواتير و أقساط و ديون و حبر على ورق...نص الشهر فيش قيمة للتعب ولا العرق...نص الشهر نكد و خوف و عتمة مثل ما تكون في نفق...نص الشهر بتظلك تركض على الدولاب تا-تحمي حالك من الغرق...نص الشهر قرف و قلق".
الحملة الوطنية لمكافحة الفساد وإقرار قانون من أين لك هذا"عرفت الفساد بقولها"هو كل فعل يشكل انحرافا عن منظومة الأخلاق والصلاح ويشمل إساءة أو استغلال الوظيفة العامة أو السلطة من أجل تحقيق منفعة خاصة أو استنتاج فوائد متعمدة لآخرين".
وطالبت في بيان نشرته على موقعها بإعادة التوازن بين السلطات الدستورية، حيث رأت أن انتشار الفساد في أية دولة إنما هو نتيجة لوجود فساد في البنية التحتية لنظام الحكم، وأن مكافحة الفساد والقضاء على آثاره لا يمكن أن يتم وبشكل جذري إلا بإصلاح دستوري حقيقي يضمن إنجاز نظام ديمقراطي يرتكز على ثلاثة أسس,قضاء مستقل يبسط رقابته على الجميع ويشرف على كافة الانتخابات,برلمان منتخب وفقا لنظام انتخابي عصري يحقق العدالة والنزاهة ، و حكومة تنفيذية تخضع للمساءلة أمام البرلمان وتخضع بكامل أجهزتها لرقابة القضاء، وذلك من خلال توفير البيئة المناسبة لتمارس السلطة الرابعة رسالتها بحرية واستقلال بعيدا عن متناول يد السلطة التنفيذية.
وطالبت الحملة بتعزيز دور مؤسسات المجتمع المدني في الرقابة والمشاركة الايجابية في محاربة الفساد وعلى قاعدة أن الفساد لا جنسيه له ولا طائفة ولا عرق,ندعو لإنشاء منظمة أهلية وطنية تطوعية مستقلة لا يكون لأعضائها أي علاقة بالسلطة التنفيذية وعلى درجة عالية من الكفاءة والنزاهة والسيرة الحسنة والقبول الشعبي.
ورأت أن تطوير منظومة التشريعات الأردنية سيعمل على تعزيز ثقافة المشاركة في محاربة الفساد مثل قوانين(حرية الحصول على المعلومات بحد أدنى من القيود، حماية الشهود والمبلغين، اغتيال الشخصية) إرساء مدونة السلوك لتفادي تضارب المصالح، إلغاء أي تضارب في القوانين تسمح بالتقادم في جرائم المال العام وإقرار قانون من أين لك هذا من غير تحديد سقف زمني للاتهام.
وطالبت الحملة باستقلالية هيئة مكافحة الفساد عن السلطة التنفيذية ماليا وإداريا وارتباطها بمجلس النواب أو بالسلطة القضائية كذلك كل أدوات الرقابة من مثل ديوان المحاسبة وديوان المظالم.
وشددت على ضرورة إعادة النظر بكل القيادات الحكومية الراهنة جميعا ووقف سياسة تدخل الأجهزة الأمنية في التعيينات للمواقع المتقدمة في القيادة واعتماد معايير الكفاءة والشفافية وإرساء تقليد ديمقراطي جديد في أن تعرض الحكومة على لجنة نيابية متخصصة تشكل لهذه الغاية أسماء المرشحين لشغل أي من المواقع التالية: مدير المخابرات العامة,مدير الأمن العام,المحافظين,رؤساء الهيئات المستقلة,رئيس المركز الوطني لحقوق الإنسان,رئيس مجلس إدارة الضمان الاجتماعي والمدير العام,رئيس ديوان المحاسبة.
وطالبت بإطلاق ثقافة مجتمعية تحارب الفساد والمفسدين,ثقافة تبدأ في البيت والمدرسة وعقد الورش لطلاب الجامعات والمجتمع المحلي لخلق وترسيخ ثقافة ترفض الفساد وتحقر كل مفسد ومن تأكد فساده أو استرزق من وظيفته أو سلطته وتحقير كل موظف يتحول بقدرة قادر إلى مليونير دون أن يكون لذلك مبرر شرع.
الحديث عن محاربة الفساد أصبح يلاحق المجتمع الأردني في كل مكان، في العالم الواقعي وحتى الافتراضي، في ظل نظرة متشائمة لحلول جذرية تجعله فعلا ماضيا.