مجهولو النسب.. ثمرة تنضج وحدها

الرابط المختصر

كم يبدو مخزيا ما جناه والدي الطفلة "اميمة" التي عثر عليها احد عمال أمانة عمان يوم الثلاثاء الموافق 12\9 في الحاوية، وقد القي القبض عليهما وهم يظنون أن ليل أيلول سيكون غطاء ستر عليهم وعلى فعلتهم..وتم ذلك بحصول إقليم العاصمة على معلومات من عدة مواطنين ساهمت بشكل كبير في إلقاء القبض عليهم. وهم يحملان الجنسية الأردنية وغير متزوجين بمشاركة سيدتين شاركتا في الجريمة وهما من قام بنقل الطفلة إلى حاوية النفايات في منطقة جبل عمان - الدوار الثاني.

الوالدين سيتم التحقيق معهما وإحالتهما إلى المدعي العام..فلم تكن قصة الطفلة التي التقطت من بين أكوام القمامة ووجدها أحد عمال أمانة عمان، هي أولى القصص رغم أخذها حيزا كبيرا في عقولنا، وإنما هناك الكثير من أمثالها، فحسب إحصائيات وزارة التنمية الاجتماعية..يبلغ عدد الأطفال مجهولي النسب ثلاث وعشرين طفلا منذ مطلع هذا العام، ولا ندري ربما يزداد العدد ويشمل أطفالا يحملون قصصا مختلفة من هذا النوع.
 
ولكن في صدفة لم يكن يتوقعها عامل النظافة في صباح يوم الثلاثاء وهو يهم بإلقائها في كابسة النفايات، طفلة بين أكوام القمامة داخل كرتونة، وقام بنفضها عن النفايات ليرى وجهها مفزوعا مدهوشا إلا أن إرادة القدر نسجت تلك القصة، ليكتب لها أن تولد وتحيا من جديد.
 
وما أن وجدها عامل النظافة حتى هاتف رجال الأمن، ليسارعوا في نقلها، ولملمة بقايا أنفاسها من أثر رائحة القمامة.
 
ونقلت الطفلة بعدها إلى وزارة التنمية الاجتماعية وتلقت الرعاية الطبية وأجريت لها الفحوصات الطبية اللازمة من قبل الطبيب المختص وتم إطلاق اسم على الطفلة، وسيوضع على قوائم الاحتضان ليصار إلى احتضانها من الأسرة المستوفية للشروط، وسيصدر لها شهادة ميلاد وجواز سفر باسم ثلاثي أو رباعي لا علاقة له بأحد.
 
ومن هنا يبدأ دور وزارة التنمية الاجتماعية في احتضان هؤلاء الأطفال، حيث  يخضع الأطفال مجهولي النسب إلى إجراءات طبية للتأكد من سلامتهم الصحية ثم يحالون إلى مؤسسة الحسين الاجتماعية ليحظون بالرعاية إلى أن يلتحقوا ببرنامج "الاحتضان".
 
الناطقة باسم وزارة التنمية الاجتماعية مديرة العلاقات الدولية زين سحيمات أشارت إلى أن الأطفال حديثي الولادة يحولون إلى مؤسسة الحسين الاجتماعية التابعة للوزارة من قبل الشرطة في حال عدم التمكن من معرفة أمهاتهم وآبائهم، يتم الاعتناء بالطفل و فحصه طبيا واستلامه بتقرير طبي للتأكد أن صحته العامة مستقرة وانه يعاني من مشاكل تستدعي بقاءه بالمستشفى حيث يتم الاعتناء به وإعطائه اسما يسجل في أوراق المؤسسة.
 
وبينت سحيمات أن احتضان هؤلاء الأطفال خصوصا حديثي الولادة هي الطريقة الأنسب لهم لتوفر لهم أجواء أسرية بدلا من بقائهم بالمؤسسات طوال عمرهم .
 
وبينت إحصائيات المؤسسة أن عدد الأطفال  مجهولي النسب على مدار الستة أعوام السابقة وصل إلى ستة عشر طفلا منهم ستة أطفال العام الحالي فقط وهو العام الذي شهد ارتفاعا بإعداد الأطفال حديثي الولادة مجهولي النسب مقارنة مع الأعوام السابقة.
     
وعن الأسباب  التي تعود على الأشخاص لارتكابهم مثل هذا الفعل أكد الدكتور عبد العزيز الخزاعلة أستاذ علم الاجتماع في جامعة اليرموك أنها تعتبر من المشكلات الاجتماعية التي تخالف الدين والعادات المتعارف عليها في مجتمعنا، وهكذا ظاهرة لها نتائج كبيرة وسلبية تقع على هؤلاء الأطفال في المستقبل، فهم من حقهم التمتع بالاحترام الذي يحفظ لهم هيبتهم وكرامتهم في مجتمعنا.
 
ويوضح الخزاعلة أن هذا الفعل الشنيع" ينعكس على الأشخاص ذاتهم بتحلل الأخلاقي والتجرد من المبادئ السماوية والإنسانية".
 
وليس من الضروري أن يكون من قام بهذا السلوك هم أشخاص من طبقات أو مناطق معينة أو فقيرة بحسب ما يقول الخزاعلة "المجتمع وبمختلف فئاته ينظر إلى هذا السلوك على انه سلبي وبغاية البشاعة، لا نستطيع أن نحكم على من يرتكب هذه الأفعال أنهم أناس فقراء أو من طبقات اجتماعية معينة، فان هؤلاء الأشخاص سواء كانوا فقراء أم أغنياء فهم أناس تجردوا من القيم والأحاسيس، ولا يرتبط هذا الفعل بمستوى اجتماعي أو اقتصادي على الإطلاق، ربما هذا الأمر ينتشر بمستويات مختلفة، فهذا يعود على القيم والمبادئ الأخلاقية والإنسانية والمعايير الدينية التي يتحلى بها كل فرد..
 
وأضاف الخزاعلة أنهم "أشخاص يتمتعون بصفات تختلف عن الآخرين، بغض النظر عن انتمائهم لمستوى اقتصادي أو طبقة معينة".
 
وعن آلية التعامل مع هذا الفعل بشكل الصحيح أكد الخزاعلة أن "هذا السلوك انحراف بحد ذاته، فعليهم أن يتقوا الله في مثل هذه الأفعال غير أخلاقية، ويستدعي هذا الفعل على أن تكون الأمور واضحة ومنطقية، بان يحفظوا جريمتهم هذه، ويصارحوا آخرين بهذا الوضع وحل الأمر قبل ارتكاب جريمة أخرى، كمعالجة الخطأ بخطأ آخر اكبر منه، ومن ثم يقع على أشخاص بريئون من هذا الفعل لمواجهة مجتمع ومعوقات بغاية الصعوبة في المستقبل".
 
 " وعلى الأسرة أيضا الدور الكبير في التوعية والتأسيس السليم، والتنبيه على خطورة هذا الفعل".
 
ومن جهة أخرى، أكد محمد الحباشنة دكتور علم نفس على أن تخلي الأم لطفلتها بهذه الطريقة يعود إلى أسباب عدة "إذ  تقرأ حالات الطفل اللقيط كل حالة بطريقة تختلف عن غيرها، منها ما يدفع الأم بسبب مرض نفسي إلى التخلي عن طفلها، وهناك عوامل ظرفيه تساهم في هذا الأمر أيضا كوجود الفقر الشديد أو يكون الطفل غير شرعي، فضلا عن الحالات النفسية مثل بعض الأمراض الذهنية بحيث تفقد الأم سيطرتها والقدرة على إدراكها وما تقوم به من أفعال مما يدفعها بتخلي عن طفلها كردة فعل".
 
وأضاف الحباشنة أن" هناك حالات تصاب بها الأم وهي نفاس نتيجة لاكتئاب واضطرابات شخصية يجعلها غير قادرة على الارتباط بطفلها، فهذا يشكل لها حالة من عدم تقبل طفلها والتخلي عنه".
 
ونوه الحباشنة إلى أن" الكثير من العوامل الظرفية والمختلفة بالإضافة إلى الضغوطات الاجتماعية التي تؤدي إلى ارتكاب هذا الفعل دون السيطرة عليه، حيث تختلف قدرة شخص لآخر وبعضهم قد يضعف لدرجة التخلي عن طفله".
 
وعن الحالة النفسية للطفل مجهول النسب في المستقبل، أوضح الحباشنة أن هناك كما كبيرا من البحوث والدراسات التي قامت بمتابعة الأطفال في الملاجيء ومجهولين النسب فيما يخص بأحوالهم وأوضاعهم النفسية.. "هذه الدراسات تفيد على أن نسب الأمراض النفسية والاضطرابات الاجتماعية وحتى الأداء الأكاديمي والعملي الحياتي سيكون متردي بشكل اكبر في حالة أطفال الملا جيء".
 
ويتابع الحباشنة أن" هناك اثر طويل المدى على هؤلاء الأطفال فيما يتعلق في حياتهم  ونموهم واستعداداتهم و قدرتهم في الإبداع والانجاز، خصوصا في الحالات شديدة الوطأة كحالة الطفلة،  فعندما تكبر ويتم معرفتها عن نمط حياتها ستشكل أزمة لها وأزمة طويلة المدى لا نعرف إلى أين ستأخذها".
 
ولكن يتوقف هذا الأمر بحسب ما يؤكده الحباشنة "على مدى استعداداتهم النفسية والمعرفية والخبرات التي أخذتها والرعاية التي ستقدم لها في المستقبل".
 
خاتما الحباشنة بقوله إن "عدم وجود راعي رئيسي وأسرة متينة مكونة من أم وأب سيقلص من فرص الابن والبنت في الحصول على حياه صحية نفسية سليمة".
 
ملف "طفلة الحاوية" أغلق قبل الإعلان عن والديها؛ وبعد أن أودعت الطفلة في مؤسسة الحسين الاجتماعية التابعة لوزارة التنمية الاجتماعية إلى جانب 23 طفلا لقيطا آخر، وهو ما أفاد به الناطق باسم مديرية الأمن العام الرائد بشير الدعجة.
 
ولعل من حرموا نعمة الإنجاب يحظون بطفل هو في أمس الحاجة لهم، فالأم ليست فقط من تلد بل من تحتضن وترعى، "وأنا وكافل اليتيم في الجنة"، لا تنطبق فقط عن من فقدوا أبائهم بسبب الموت، بل لهؤلاء الأطفال نصيب من حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم.
 
السيدة أم محمد إحدى السيدات التي احتضنت طفلا كان قدره أن يولد ويوضع في إحدى تلك المؤسسات، إلا أن تلك الأم التي أمضت نصف حياتها وهي تتمنى أن تلد طفلا ترعاه وتحضنه، كان لهذا الطفل اللقيط نصيب من حضنها الدافئ وعالمها الكبير لترعاه وتحتضنه وتعلمه أبجديات الحياة، وينطق كلمة "ماما" دون خوف، ويرعى تحت ظل أسرة يغمرها السعادة والطمأنينة.
 
تقول السيدة أم محمد" بعد أن أدركت أنني  لن احمل في أحشائي طفلا لطالما كنت أتمناه، لجأت إلى إحدى المؤسسات التي تحتضن أطفالا لا ذنب لهم في أن يولدوا ويعيشوا بهذه الطريقة، وبعد انتهاء من عمل الإجراءات اللازمة لاحتضاني هذا الطفل الذي اخترته بنفسي، أخذته بين أضلاعي وعاهدت الله ونفسي أن لا أفرط به".
 
إلا أن هذا الطفل اللقيط لم يكفه صفعة الدنيا حين وجد في احد الأماكن لينظم مع رفاقه في الحضانة المعهودة، لكنه أصيب بمرض "فتحة في القلب" سيلتصق به إلى الأبد وإذا لم يتجاوزه ربما يناله الموت.
 
ولكن إصرار أم محمد وبقائها على عهدها أقوى من أي شيء، يدفعها للتحدي وتقول:"رغم مرضه سوف اعتني به وأعالجه، فان هذا الطفل أصبح فلذة من فلذات كبدي".
 
هل للقطة قلب ارحم على أطفالها من أم لم تر في طفلتها حتى شهيق أنفاسها؟ فالعثور على طفلة وسط قمامة، خبر ربما انهمرت عليه دموع الكثير من الأمهات يحلمن أن يكون لهن طفلا، بينما أمهات أخريات لا توجد  في مقلتهن سوى المرارة والإجحاف بحق طفلة لم تصرخ بعد في وجه الحياة... كلمات عاجزة وأخرى عقيمة لوصف حال تلك الطفلة وأمثالها بعد اصطدامهم في أول سؤال يوجه لهم، من هي أمك ومن هو أباك؟

أضف تعليقك