مجمعات النقل في عمان خليط من ثقافات متنوعة

الرابط المختصر

في شرق عمان وتحديدا في "قاع المدينة" أو ما يطلق عليه البعض "العالم السفلي"، أنشئت مجمعات النقل في العاصمة عمان لتكون مركزا لخدمة المواطنين وتسهيل حركتهم، ومن هذه المجمعات ما يعرف بالساحة الهاشميةالتي أنشئت سنة 1986، لتكون "ميدانا عاما للاحتفالات الشعبية وأماكن لانطلاق حافلات عديدة لأطراف عمان المترامية، لكن الصورة تبدو مختلفة اليوم.


تمتاز الساحة بمطاعمها ومقاهيها المصفوفة المحيطة بالساحة، حيث تشم رائحة " المعسل" عن بعد أمتار، مصحوبة بأصوات الأغاني العراقية التراثية قبل أن تستقبلك أكشاك "العطور المركبة"، وأكشاك بيع الإكسسوارات والهدايا التذكارية التي تتعدى على الرصيف في بعض الأحيان،

قد يستغرب البعض إن قلنا ان للحرب على العراق انعكاسات على الساحة الهاشمية بشكل كبير! وفي هذا الخصوص تندر احدهم "لماذا لا يطلقوا على الساحة الهاشمية… اسم الساحة العراقية". الأمر يتلخص بعشرات العراقيين الذين تكتظ بهم الساحة في المساء كل يوم واغلبهم أتى بسيارته ذات اللوحة العراقية لتشعر كأنك في حي عراقي من أحياء بغداد.

وتشكل الساحة أرض خصبه ينشط فيها المتسولون الذي يبتكرون أساليب غريبة للتسول منها ما تقوم به امرأة باستغلال أطفالها الثلاث بإلقائهم بين أقدام المارة لاستثارة الشفقة، شخص آخر يجلس على كرسي متحرك فبمجرد أن يراك يسرع إليك بكرسيه ويطاردك حتى يحصل على غايته، ولا ننسى عبود وهو من شخصيات الساحة البارزة وهو مختل عقليا في العقد الخمسين من عمره الذي يقطع الساحة جيئة وذهابا بثيابه المهترئه حاملا بيده قرآن يقرأه بصوت مرتفع.

لكن! ليس المتسولون وحدهم من ينشط في الساحة الهاشمية، فهناك قطاعا يلاقي رواجا كبيرا، انه "فتيات الليل" اللواتي أصبحن يمارسن نشاطهن علنا، ففي إحدى المرات استوقفتني إحداهن وكانت فتاة في العشرينات من عمرها والبداية كانت بحجة المساعدة حيث ادعت هذه الفتاة أنها تحتاج القليل من المال لكي تصل إلى بيتها، لكنها تفاجئك أثناء الحديث عندما تعرض نفسها عليك مقابل 10 دنانير! وهذه الحالة ليست وحيده فعندما تذهب إلى الساحة ستشاهد العديد من هؤلاء الفتيات في الشوارع يتعقبن المارة بنظراتهن.

حديقة الساحة متنفس ومكان لأخذ قسط من النوم! حيث تمتد الساحة على مساحة 12 دونما تحتل الحدائق جزء ليس بالقليل منها يشكل "منتجع سياحي" مجاني لبعض العائلات من عمان الشرقية الذين لا يستطيعون الذهاب للاماكن السياحية بسبب الوضع الاقتصادي السيئ، البعض الآخر يرى في أعشاب الساحة الهاشمية فراشا رطبا يوفر له "نومه هنيئة" تخفف من حرارة الصيف.

وتتعدد الجنسيات في الساحة الهاشمية، حيث يرتادها السواح من كل مكان في العالم لتشكل الساحة خليط من أمم مختلفة جمعهم مكان واحد يحمل متناقضات اجتماعية كثيرة .


اما مجمعات النقل في الأردن لوحة متناقضة من أحاسيس ومشاهدات وثقافات مختلفة رسمها أبناء الشعب الأردني بعفويه، فهناك السائق والطالب والموظف والغني والفقير، والألوان المختلفة من لوحات وواجهات محلات وإعلانات ووسائل نقل بأحجام مختلفة...




يا سائقي العبدلي اتحدوا.......

بحث لنفسه عن مكان دافئ لأخذ قسط من النوم بعد عناء رحلات عديدة قطعها بين العاصمة وإحدى المحافظات، أبو أيمن سائق على باصات المفرق - عمان، يطلق عليه زملائه في مجمع العبدلي ( عمدة المجمع)، أيقظناه من قيلولته وطلبنا منه ان يشاركنا همومه ومشاكله التي استعرض بعضها بجدية قائلا " لا يوجد احترام للسائق في الأردن، فحقوقه مهضومة خصوصا إذا كان لا يملك الحافلة التي يعمل عليها ، فهو لا يُسجل في الضمان الاجتماعي، ناهيك عن الأجور الزهيدة التي يتقضاها السائق إذا ما قورنت بساعات العمل الطويلة والتي تتجاوز في بعض الأحيان ثمانية عشر ساعة".

زملاء أبو أيمن في المجمع ومن مختلف القطاعات ( كنتروليه، سائقي باصات، سماسرة...) اتحدوا على نصرته، وطرحوا قضايا عديدة تمس قطاع السائقين، وأهمها حرمان بعض الحافلات من الحصول على تصاريح الحج، وقالوا " لقد مُنعونا من الذهاب للحج، نحن ننتظر هذا الموسم بفارغ الصبر كل عام لنحقق بعض الربح، لكن الحكومة حرمتنا منه، لا نعرف السبب في حرماننا ، الحكومة تقول ان الحافلات لا تصلح للذهاب للحج على الرغم من التحديثات والصيانة التي أجريناها لها ".

و"للكنترول" قصص وحكايات، باسم كنترول في مجمع العبدلي لا يطلب شيء من الحياة سوا ان تبقى مهنته التي يعيل منها عائلته المكونة من أربعة أفراد ويقول " أنا أريد ان أعيش فقط لا أريد غير ذلك".

مولات...وملاحم ميدانية... في رغدان

الثقافة والطعام والملابس والأدوات المنزلية وعطور التجميل الرخيصة والإكسسوارات المقلدة كلها تجدها في مجمعات النقل وخصوصا في رغدان، فبجانب بسطة الكتب التابعة لأحمد الباعوني ، تقع ملحمة أبو اشرف الميدانية وهي عربة صغيرة لبيع اللحوم المشوية ، إذ تستطيع ان تتناول وجبة سريعة ودسمة بسعر قليل قبل ان تركب باص مؤسسة النقل قاصدا أطراف العاصمة عمان.

"ركن الثقافة" في رغدان له زبائنه الخاصين، ويقول سامر طالب جامعي " أجد هنا العديد من مستلزمات الدراسة من كرّاسات وأقلام وروايات ومراجع بأسعار ارخص من السوق العادي، ومن خلال هذه البسطات أوفر نص السعر تقريبا".

أم احمد ترتاد مجمع رغدان للبحث عن ما يحتاجه البيت من تجهيزات وأدوات منزلية، وتقول عن سبب ارتيادها لهذا السوق " الأسعار ارخص بكثير"، ويزيد إبراهيم " ان مشترياته من الملابس المستعملة والجديدة من المحلات في مجمعات النقل".
ومن الطريف في المجمع انك تستطيع الاتصال بكافة دول العالم بأسعار منافسة حيث تنتشر محلات الاتصالات على طول المجمع وتغطي هذه المحلات إعلانات عديدة تقدم عروض خاصة لبعض أبناء الجاليات العربية كأن تتصل في العراق ب15 قرش فقط وفي مصر ب20 قرش للدقيقة الواحدة، وبالإضافة لخدمة الاتصالات تقدم لك هذه المحلات خدمة ترفيهية وهي تحميل مختلف النغمات على الهواتف الخلوية وهذا الأمر يشهد إقبالا شديدا.

عالم سفلي في الليل...
ولا يتوقف المجمع عند هذا الحد في وضح النهار، بل يمتد إلى عالم سفلي تصل أوقاته إلى ساعات متأخرة في الليل تضم نماذجاً مختلفة من البشر قد يتواجدون في النهار ولكن يبدأ ظهورهم السافر في المساء بعد انسحاب المواطنين الكادحين من طلبة وموظفين وربات منازل لتختلف الصورة إلى أصحاب سوابق ومحتالين ونصابين باحثين عن ضحاياهم أو باعة لمنوعات قاتلة من مخدرات وسموم أو حتى بائعين لأجسادهم من الجنسين لتجار الجسد سواء للجنس أو لمافيات الأعضاء البشرية.



الأوساخ على امتداد المجمع....

الأوساخ وعدم نظافة الأرض والحمامات العمومية عنوان كبير في مجمعات النقل، إذا تترامى القمامة على كافة أطراف المجمع من مخلفات البسطات والركاب، ويشكي مرتادو المجمع من سوء الخدمات المقدمة في فلا مقاعد أو مظلات تقي الركاب برد الشتاء وحر الصيف.

باختصار...
المجمعات في الأردن تحمل كل المتناقضات الحسيه لكنها في نفس الوقت "مجمعات الوحدة الشعبية" حيث يتميز الأشخاص الموجدين في هذه المجمعات بأنهم من ذوي الدخل المحدود والمتدني ويحملون هم لقمة العيش ولا يطلبون أكثر من ذلك.

أضف تعليقك