مجالس الآباء والمعلِّمين في مدارس الأردن: تقصير تجاه التلاميذ السوريين

الرابط المختصر

قد تجتمع مرَّة واحدة في العام وقد لا تجتمع. لا يستجيب الأباء لتوجيهاتها، والمعلّمون لا يعيرونها أهميّة. من تحدث معه مشكلة يعمد إلى حلّها بشكل فرديّ، والقرارات الصادرة عن اجتماعاتها تبقى، في غالب الأحيان، حبراً على ورق. تلك هي حال مجالس الآباء والمعلّمين الخاصة بالتلاميذ اللاجئين من سوريا إلى الأردن.

 

من المفترض أن تُذيب هذ المجالس الجليد بين إدارة المدرسة وعائلة التلميذ، وتجعل التربية والتعليم أكثر فاعلية وتفاعلاً، وتعزّز الرقابة على الأداء التعليمي، وتسعى إلى تقليص المشاكل وتأمين نموّ الطفل بشكل صحي، إذ تتيح المجال أمام زيارة الأهل للمدارس ومتابعتهم التحصيل الدراسي لأبنائهم والتعرّف على ظروفهم ومشاكلهم، والتنسيق مع المعلِّمين وأعضاء الهيئة التدريسية، واتخاذ القرارات المتعلّقة بتحسين الظروف البيئية والتعليمية في المؤسسة التعليمية والمجتمع. 

 

ولكن، رُغم أهمية دور هذه المجالس بالنسبة للتلاميذ وتأثيرها على نموّهم المعرفي والاجتماعي، إلَّا أنّ تتبُّعاً لواقعها ورصد مسار العمل في ٦ مدارس للاجئين السوريين في عدد من مناطق الأردن يُبيِّنان أنّها لا تنعقد إلّا لِماماً. وروايات متعدِّدة لآباء ومعلِّمين ومسؤولين ومتخصّصين في علم الاجتماع وشهود عيان تلقي باللائمة على طرفٍ أو آخر، ومنها من يعزو السبب إلى ظروف العائلات اللاجئة وعدم امتلاكها ترف الوقت لحضور هذه الاجتماعات. 

 

تراكم المشاكل

 

"إبني يتعرّض للضرب من أستاذه بسبب عريف الصف. الأستاذ يترك الصف ويدع العريف يضبط الأمور. وكل تلميذ يكتب العريف اسمه على السبورة يتعرّض للضرب. وفي حال رفضه فتح يده، يضربه الأستاذ بشكل عشوائي. أنا لا أستطيع متابعة الدروس مع أبنائي التي تتراكم بسبب كثرة تغيّب الأساتذة وسرعة الأساتذة في عرض المنهاج، فالأستاذ يحضر لـ 20 دقيقة فقط إلى الصف، يضع أسئلة للتلاميذ ويطلب منهم الإجابة عليها، ولا يقوم بحلّها معهم. وعند مراجعة الأستاذ، يقول "هذا أسلوبي"، حسبما تروي الأم ياسمين، وهي سورية أتت إلى الأردن مع أطفالها الثلاثة بعدما فُقد زوجها في أحداث سوريا.

 

وتضيف ياسمين أنَّها تتمّ دعوتها لحضور مجالس الآباء عن طريق موقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك" مرّة واحدة في السنة. وخلال هذا الاجتماع الوحيد، تجري مناقشة مشاكل أبنائها مع الأساتذة، لكنّ الأساتذة غالباً ما يقدّمون حججاً "واهية" ولا يعملون على حلّ المشاكل. وعند اللجوء إلى المدير، يستدعي هذا الأخير الأستاذ لتنبيهه إلى مجريات الأمور، ولكن لا جدوى من الأمر بما أنّه لا يطرأ أيّ تغيير على سلوك الأستاذ. 

في المقابل، غالباً ما تتخلّف ياسمين عن حضور هذه الاجتماعات إذ إنّ كلفة المواصلات مرتفعة بالنسبة لها، فهي المعيل الوحيد لأسرتها ولا تستطيع توفير الثمن المطلوب، علماً أنّ المدرسة بعيدة.

 

من المقابل، تشكو رانيا، وهي مساعدة مديرة إحدى مدارس عمّان الغربية، أنَّه لا يوجد تفاعل من قبل الأهالي مع مجالس الآباء إلّا إذا كان طفلهم هو المعني بشكل مباشر، فهم يتواصلون مع المعلّم فقط. وتقتصر أبرز القضايا التي تتمّ مناقشتها في مجالس الآباء على مسألتي التحصيل الدراسي والضرب. كما أنّ المجالس لا تنعقد بشكل دوري ومنتظم لمتابعة مختلف القضايا والمشاكل. 

أمّا الخبير الاجتماعي حسين الخزاعي فينبّه إلى دور الأهل في متابعة أبنائهم بشكل حثيث، على اعتبار أنّ دور المدرسة لوحده غير كافٍ لضمان تحصيل تربوي وتعليمي وافٍ للتلميذ، ما يجعل وجود المجالس هذه ذات أهمية كبيرة وأثره عميق على مسار التلميذ التربوي والتعليمي.

 

إهمال الأهالي

 

وفق مدير تربية جرش باسم عضيبات، يوجد مجلس يضمّ معلِّمين سوريين يعملون ضمن المدارس المسائية (مُيسرين) وعددهم 18 معلِّماً في جرش، يساعدون في فتح قنوات التواصل مع أهالي التلاميذ وحلّ جميع مشاكلهم. وتبلغ نسبة تفاعل أهالي التلاميذ مع الدعوات إلى الاجتماعات ومعدّل حضورهم درجات متدنية لا تتعدّى 25 في المئة بأحسن أحوالها.

 

ويقول نضال السجالي، مدير تربية الأغوار الجنوبية سابقاً، إنّ وزارة التربية تعطي جلّ اهتمامها لمجالس الآباء نظراً لما تؤدّيه من دور في تعميق التواصل ما بين المدارس وأولياء الأمور، وما يترتّب عنها من استفادة متبادلة بين طرفي العلاقة. و تُعقد اجتماعات مبرمجة وفق جدول أعمال معدّ سلفاً، وتُبحث خلالها هموم وتطلّعات المدارس والتلاميذ بما يعود بالنفع على العملية التعليمية. أمّا التجاوب مع أعمال هذه المجالس فيختلف من منطقة إلى أخرى، ولكنه يبقى ضعيفاً في غالبية المناطق.

 

رغم اعتراف جميع الأطراف المعنيّة بأهمية مجالس الآباء والأمهات، إلّا أنّ أسباب فشلها، بحسب الخبير الاجتماعي حسين الخزاعي عديدة، وأبرزها تذرّع الأهالي بعدم توفر الوقت لديهم لحضورها. ويضيف الخزاعي بأنَّ الأهالي لا يريدون خسارة يوم إجازة كي يجتمعوا مع المعلِّمين والهيئة التدريسية لتبادل الآراء والتعاون على حلّ المشكلات التي تواجه التلاميذ، بل يعمدون إلى ترك أمور التربية والتعليم لإدارة المدرسة وهذا أحد أكبر الأخطاء التي يرتكبها الأهالي، فهم لا يريدون التعرّف إلى المشاكل التي يواجهها أبناؤهم، بل يعتقدون أنّ حلّها وظيفة المدارس، ما يجعل نسبة المشاركين في اجتماعات مجالس الآباء تتراوح ما بين 3 و7 بالمئة فقط لا غير. ويشير الخزاعي إلى أنَّ ظروف اللاجئين السوريين والتفكك المجتمعي الذي يعانون منه أسباب رئيسية لعدم متابعة الأهل لوضع أبنائهم في المدارس.

 

إنجازات شبه معدومة

 

أمينة سيّدة سورية وأمّ لطفلين يرتادان إحدى مدارس عمّان الشرقية. تقول: "تتمّ دعوتي لمجالس الآباء عدّة مرّات في السنة، ولكن تجاوب الأهالي وحضورهم محدود جدّاً، رغم أهميّة المواضيع التي تتمّ مناقشتها، ومنها ضرورة عدم الانقطاع عن المدرسة، والنظافة والاهتمام بالزيّ المدرسي والغياب والتسرّب المدرسي."

وتبرّر أمينة غياب الأهالي المتكرِّر بارتفاع أجرة التنقّل وعدم توصّل المجالس إلى حلول ناجعة.

 

رأيٌ تؤيّده نسرين، المساعدة الإدارية في إحدى مدارس عمّان، إذ تنفي وجود أي إنجازات تُذكر لمجالس الآباء، وعدد الأهالي المهتمّين قليل، علماً أنّ المجلس ينعقد مرّة في كلّ فصل دراسي ويتمّ استدعاء أولياء الأمور بشكل فردي.

 

يعتبر الخزاعي أنَّ فشل مجالس الآباء هو بمثابة فشل تراكمي، إذ يتمثّل بفشل في تقويم سلوكيات الأبناء الخاطئة، وفشل في تحسين المستوى التعليمي، وفشل في اكتشاف المواهب واستثمارها، فلا يمكن للمدرسة وحدها تبنّي المواهب، بل يجب تكريس التعاون بينها وبين الأهل لاستثمار طاقات التلاميذ. ولا يمكن تحقيق هكذا تعاون دون اجتماع أعضاء الهيئة التدريسية مع الأهل ومناقشة جميع القضايا بشكل منفتح وبنّاء.

 

الدعم النفسي

 

من جهة أخرى، من الضروري تقديم الدعم النفسي للتلاميذ السوريين تحديداً، وفق تأكيد الخزاعي. وأهمّ استراتيجية يجب اتباعها، برأيه، في هذا الخصوص، عدم تعريضهم للتمييز ومعاملتهم كما يعامل التلميذ الأردني، إضافةً لتشجيعهم على الدراسة.

 

في هذا السياق، يشير مدير تربية جرش باسم عضيبات إلى أنَّ المدرسة تقدّم للتلاميذ السوريين خدمات الدعم النفسي بشكل مستمرّ، وهم يشاركون في جميع الأنشطة والمسابقات التي تنظمها الوزارة، ويكرَّمون كما يكرَّم التلميذ الأردني. ويؤكد نضال السجالي، مدير تربية الأغوار الجنوبية سابقاً، اهتمام المدارس بجانب الدعم النفسي والاجتماعي لهذه الفئة من التلاميذ، من حيث تعيين مرشدين نفسيين للاهتمام بما يواجهه التلاميذ من إشكاليات. وتشير المساعدة الإدارية نسرين إلى أنَّ المرشدة النفسية تعقد لهم حصص دعم نفسي، ويُعامل كل طفل حسب وضعه، ويتمّ استدعاء ولي أمره في حال تبيّن أنَّه بحاجة لدعم مكثف، ولكن هناك عدم متابعة من الأهالي ونسبة كبيرة منهم غير مبالين وأمّيين.

 

واقع مستجدّ

 

جولة على الأرقام الرَّسمية تبيّن تناقصاً قليلاً في أعداد الأطفال السوريين في مدارس الأردن مع بدء عودة اللاجئين إلى بلادهم، ما يعني أنّ أعداد الأطفال في المدارس ما يزال كبيراً ومشاكلهم الدراسية كثيرة. ولم تنجح مساعي وزارة التربية والتعليم لحلّها، رغم توجيهها تعليمات لمجالس أولياء الأمور والمعلِّمين في المؤسسات التعليمية الحكومية والخاصة تحمل الرقم (9) لسنة 2007 [1] والتي تهدف إلى توثيق عُرى المودّة بين المعلِّمين وأولياء الأمور وإزالة الحواجز النفسية والثقافية والاجتماعية بين المؤسسة التعليمية والبيت، ممّا يؤدي إلى إحاطة الطفل بجوّ من الأمان والثقة.

 

رغم كل الجهود، يبرز السؤال الأكبر: من المسؤول عن إحجام العائلات عن تلبية دعوة المدارس لحضور مجالس أولياء الأمور والمعلِّمين؟ وكيف يمكن توعية الأهل ليتفاعلوا أكثر مع هذه المجالس؟ وهل هذا التقاعص هو جزء من تقصير أوسع من قبل الأب والأم تجاه أبنائهم، ليحصد المجتمع مستقبلاً سلوكيات سلبية وضعفاً معرفياً واسع النطاق؟ أسئلة مفتوحة في قضية طفولة لاجئة تئنّ من أزمات متعدِّدة الأبعاد، على خلفية معاناة كبرى: فقدان الوطن.

 

151463 طالباً سورياً في المدارس الحكومية الأردنية من رياض الأطفال وحتى الصف الثاني عشر،

موزّعين على 522 مدرسة داخل المخيّم وخارجه.