متى يلجأ الأردني إلى العنف
الاعتداء على منزل أحد المرشحين في مأدبا.مشاجرة انتخابية في لواء الكورة. حدث يقتل طالب توجيهي بعد مشاجرة جماعية.أحداث شغب في اليرموك.رجل يحرق زوجته وهي نائمة.ربما لم تعد هذه الأخبار بالنسبة للكثيرين أخباراً عاجلة، وبعيداً عن القول بأن ما تشهده المنطقة من أحداث وحروب ومشاكل يجعل من الأخبار التي تحمل وقائع العنف شيئاً عادياً، فإن تكرار هذه الأحداث داخل الأردن، ولجوء الكثيرين إلى العنف كوسيلة لمخاطبة الآخر جعل من العناوين السابقة أخباراً ليست بالعاجلة.
وعندما طرحنا سؤالنا ( ما الذي يدفعك إلى استخدام العنف ؟) على مجموعة من الشباب الأردني لم يكن يخطر ببالنا أن تكون الإجابة ببساطة " وين ما كان إذا حدا استفزني بعمل مشكلة، حسب مزاجي، أو حتى " المشاكل عندي رياضة زي تمارين الصباح، إذا كان جوي صح (متعاطي الحبوب المخدرة) وشفت مشكلة بفوت يا قاتل يا مقتول" .
وعلى الرغم من خطورة هذه الإجابات التي تحمل بين طياتها عنفاً بات يسيطر على علاقات الأفراد في منظومة المجتمع الأردني إلا أنها تمثل واقعاً معاشاً.
وكانت مديرية الأمن العام قد تعاملت مع 60 جريمة قتل خلال الفترة من 1/6/207 وحتى 31/10/2007، تم اكتشاف 56 جريمة منها فيما بقي 4 جرائم قيد التحقيق، كما تعاملت المديرية مع 7626 جريمة إيذاء خلال نف الفترة الزمنية، تم اكتشاف 7555 جريمة منها وذلك بحسب الناطق الإعلامي في مديرية الأمن العام الرائد بشير الدعجة، وتراوحت جرائم الإيذاء بين الإيذاء البليغ والبسيط، في حين توزعت جرائم القتل على القتل العمد، والقتل القصد، والقتل الخطأ.
ويقول المحامي فتحي أبو نصار أن العقوبات التي تقع على الأفراد الذين يشتركون في أحداث العنف أو يكونون أطرافاً في مشاجرة تتدرج بحسب الأذية التي يوقعها المدعى عليه على المدعي وهذا يشمل جرائم" الإيذاء البسيط ، والشتم والذم والقدح، والإيذاء الجسدي، واستخدام أدوات حادة، وحتى القتل." أما إذا كانت الأفعال الناتجة عن المشاجرات لا تقع تحت بند الإيذاء فيمكن وضعها تحت عنوان التجمهر غير المشروع والشغب اللذين يعاقب عليهما القانون خاصة إذا نتج عنهما إضرار بالممتلكات العامة أو ممتلكات الأفراد.
وفي حين لا توجه هذه التهم إلا بالإدعاء الشخصي، فإن بعضها كجرم التجمهر غير المشروع والشغب ينشأ من الحق العام خاصة إذا تضمن الإضرار بممتلكات عامة.
ويبين أبو نصار أن المشاركين في المشاجرات يتم القبض عليهم من قبل رجال الأمن وبعدها يتم تحويلهم إلى القضاء ليصدر عليهم الأحكام المناسبة، أما في حال عدم اكتمال أحكام الجرم وعدم توفر دليل قاطع على فعل الارتكاب تلجأ قوات الأمن إلى تحويل المتشاجرين إلى المحافظ الذي تشمل سلطته الحكم على المتشاجرين بالإقامة الجبرية أو الكفالة المالية.
لكن المخيف في الأمر هو أن تجاوز القانون أصبح بالنسبة للكثيرين أمراً سهلا فهيثم الملقب بالونش بين رفاقه قال لنا عند سؤاله عن الإجراءات المتخذة بحقه نتيجة مشاركته في احدى المشاجرات الجماعية " ولا إشي الشرطة طجيعات كلمتين حلوات يتمشي اللي بدك ياه" .
وحتى عند قيام القانون بردع هؤلاء الأشخاص يأتي السلاح الآخر المتمثل في المركز العشائري للشخص الذي يكون له ضلع في مشاجرات قد تصل إلى حد إطلاق العيارات النارية واستخدام الأدوات الحادة كما يقول لنا أبو غضب، فإن الأمر ينتهي باجتماع العشائر المتحاربة وتصالحها ضمن عطوة عشائرية متناسية الأضرار التي تكون قد لحقت بالممتلكات العامة أو الأشخاص المحيطين، وبحسب شهادات بعض من الشباب الذين كانوا طرفاً في أكثر من مشاجرة جماعية فإن العطوات العشائرية تحل كل شيء " أخدونا عالمخفر صارت عشائرية خلص الموضوع على فنجان قهوة وعطوة وجاهة وصلحة ولا كأنو إشي صار، أزعم بني آدم راس ماله فنجان قهوة".
ويذكر لنا أبو غضب حادثة تؤكد على مدى قوة العشائرية في حل المشكلات دون اللجوء إلى القانون إذ يقول أنه كان طرفاً في مشاجرة انتهت بإطلاق النار، مؤكداً أنه قام بإطلاق النار على ساقي أحد خصومه البالغ من العمر 25 عاماً الأمر الذي أصاب الشاب بالشلل، ولدى مجيء الشرطة التي يؤكد رامي أنها تأتي بعد فوات الأوان
" "الحكومة بعد ما تخلص المشكلة والعالم تدبح بعض بتيجي"، صدر القرار بحبس أبو غضب مدة ثلاث سنوات إلا ان أهل المصاب تنازلوا عن حقهم الخاص بعد عطوة عشائرية فلم يقض أبو غضب في السجن سوى فترة الحق العام وخرج بعد ذلك طليقاً.
أما هيثم "الونش" فيؤكد ان احتجازه من قبل رجال الأمن على أثر مشاركته في مشاجرة جماعية لا يهمه إذ أنه يملك علاقات تمكنه من شطب الواقعة من سجلاته " يحجزوني عادي، منشطبها بطريقتي".
الكاتب الصحفي باتر ووردم علق على هذا الموضوع قائلاً " أن إسقاط حق المعتدى عليه نتيجة تدخل بعض وجهاء العشائر يشجع بعض الشباب على الاستمرار في العنف."
أما الدكتور في علم الاجتماع حسين الخزاعي فيرى في اللجوء إلى الصلح العشائري أمراً ايجابياً وجزءاً من طبيعة المجتمع الأردني بشرط أن يضمن هذا الصلح ردع الشاب عن ارتكاب المزيد من أعمال العنف من خلال فرض العشيرة عقوبات على الشاب.
ويؤكد الحقوقي أبو نصار أن الأشخاص يلجؤون إلى الصلح العشائري من بعدين قانوني واجتماعي " إذ أنه في حال الحكم على أي شخص بعقوبة على جرم قام به يشمل الحق الشخصي فإنه إذا تمت مصالحة بين الأفراد المتنازعين يتم تخفيض العقوبة"
ويقول أبو نصار أنه إذا تم تطبيق الصلح العشائري بشكل صحيح يشمل توقيع تعهدات على المتخاصمين ووجود كفيل والتزامات فإن اللجوء إلى هذا الصلح شيء ايجابي،لكن المشكلة تكمن في تحول الصلح إلى قضية شكلية الهدف منها التلاعب على القانون، وقضاء الحكم بحدوده الدنيا."
وبالنسبة للكثير من الشباب فإن الدفاع عن العشيرة وأفرادها هو أمر مقدس حتى في حال كون ابن العشيرة على خطأ " لو كان الحق على ابن عشيرتي بفزعلو، لو شفت حدا من صحابي عامل مشاكل أول واحد رح أكون واقف، بدخل وبطخ وبقتل عشان قريبي"
ويعزي باتر ووردم هذا الموضوع إلى " غياب النشاط السياسي والأحزاب ومؤسسات المجتمع المدني التي من الممكن أن تجمع الناس ضمن أطر أكبر من الإطار العشائري أدى إلى رجوع كل شخص إلى الإطار العشائري الخاص به للحصول على نوع من الحماية أو الشعور بوجوده ضمن عائلة قوية أو نظام اجتماعي يحميه."
المفاهيم المغلوطة للعصبية السبب الرئيسي للعنف الجامعي
ضمن إطار العنف العشائري يبرز نوع آخر من العنف يتمثل في العنف الطلابي في الجامعات الأردنية والذي قد يكون نظام "الفزعة" لابن العشيرة هو أهم أسباب تضخم أحداث هذا العنف التي تبدأ بين طالبين لتصل إلى أعمال شغب جماعية معززة "بالإمدادات من أبناء العشائر المتحاربة" تضطر إدارات الجامعات إلى تعليق الدوام، فضلاً عن تكبد خسائر في الممتلكات.
ويبين استطلاع للآراء حول أسباب العنف الطلابي أجراه أستاذ الصحافة والإعلام في جامعة اليرموك الدكتور عادل زيادات أن وجود مفاهيم ومدركات مغلوطة للعصبية والقبلية تشكل السبب الرئيسي في العنف الطلابي وبنسبة تجاوزت 84% بحسب الطلبة المستطلعين، وجاء في المرتبة الثانية قلة الوعي والثقافة بمعنى الديمقراطية بنسبة 81% . وكان هذا الإستطلاع قد شمل 357 طالباً وطالبة اختيروا كعينة عشوائية من بين طلبة جامعة اليرموك.
أستاذ علم الإجتماع الدكتور محمد الخزعي يدعو " إلى ترك أمر معالجة المشاجرات الطلابية إلى إدارات الجامعات كي تتصرف وتعاقب المسيئين ضمن أسوار الحرم الجامعي، مؤكداً على ضرورة وجود قوانين رادعة وعقوبات صارمة بحق من يفتعل المشاجرات أو يشارك فيها داخل الجامعة، فضلاً عن تعزيز الإيجابي والأسري داخل الحرم الجامعي."
ويشير الخزعي إلى ضرورة اللجوء إلى القيم الأخلاقية الجميلة التي تبعد الإنسان عن الضعف والاحتماء العشيرة واللجوء لها ."
1238 حالة إساءة للأطفال في 9 أشهر
بعيداً عن العشيرة والجامعة تشهد بعض الأسر في الأردن أحداث عنف ضحيتها هذه المرة الزوجة والأخت والابنة والأطفال. فالإحصائيات المتوفرة لدى مديرية حماية المرأة والأسرة والطفولة تبين أن عدد حالات الإساءة الموجهة ضد الأطفال والتي راجعت المديرية بلغت 1238 حالة في الفترة ما بين 1/1/2007 وحتى 30/9/2007.
فيما بلغت حالات العنف الموجه ضد المرأة والذي يمارسه الأخ أو الزوج أو الأب 171 حالة خلال نفس الفترة الزمنية، وكانت أكثر الحالات محولة من محافظة عمان تليها محافظة الزرقاء.
ويرى الطبيب النفسي محمد الحباشنة أن " العقل الجمعي في المجتمعات العربية يجعل العنف مقبولاً في هذه المجتمعات، حيث يوصف الرجل بأنه شرس وعنيف وقوي وقادر، وبذلك نعطيه رسالة واضحة أنه كلما ازداد عنفه إزدادت رجولته."
ويؤكد الحباشنة أن "هناك مسؤولية تقع على المعنفين والمعنفات الذين يسكتون على حالة العنف الواقعة عليهم، فالسبب في تقدم العنف هو قبول الشخص المعنف له."
جرائم الشرف كانت الأمر الأكثر عنفاً الذي تواجهه المرأة والذي وجد له ستاراً قانونياً وقبولاً اجتماعياً فقانون العقوبات الأردني نص في المادة (340) منه على أنه يستفيد من العذر المخفف في الحكم من فوجئ بزوجته أو أحدى أصوله أو فروعه أو أخواته حال تلبسها بجريمة الزنا أو في فراش غير مشروع فقتلها في الحال أو قتل من يزني بها أو قتلهما معاً أو اعتدى عليها أو عليهما اعتداء أفضى إلى موت أو جرح أو إيذاء أو عاهة دائمة، وعلى الرغم من أنه تم إضافة فقرة في هذه المادة تجعل الزوجة التي فوجئت بزوجها حال تلبسه بجريمة الزنا أو في فراش غير مشروع في مسكن الزوجية، فإن هذا القانون لم يشمل الأخت والابنة، كما أنه اشترط أن تتم جريمة الزنا داخل مسكن الزوجية كي تستفيد الزوجة من العذر المخفف في القتل.
ويشير الحباشنة إلى الإختلاف بين النص القانوني المتعلق بجريمة الشرف والذي جعلها جريمة محددة جداً تشترط وجود إثباتات ورؤى عين، وبين التطبيق والممارسة والذي يمنح قاتل أخته أو ابنته أو زوجته عذراً مخففاً استناداً إلى جريمة الشرف دون وجود اثباتات قوية ورؤى عين، الأمر الذي جعل بعض الأفراد ستخدم هذه الجريمة كمبرر لقتل زوجته أو ابنته أو أخته .
ويعارض الحباشنة إعطاء بند خاص لجريمة الشرف في القانون مؤكداً أن "وجود عنوان جريمة الشرف في القانون هو تسهيل للجريمة، فلتكن جريمة الشرف تحت أي تعريف آخر ضمن التعريفات التي تنطبق على فقدان البصيرة والسيطرة ولكن أن لا تندرج تحت جريمة الشرف."
أياً كان نوع العنف وطبيعته، فإنه يعتبر حالة غير حضارية يلجأ إليها الفرد عندما يفقد أسلحته الصحية للتعامل مع الناس، وإن وجود قبول اجتماعي لأي من أشكال العنف لهو ظاهرة أشد خطراً من العنف نفسه، لأنها تستبدل بشعور الندم الذي من المفترض أن يتملك الفرد بعد إقدامه على فعل عنيف، إلى شعور بالزهو والإعتزاز وإثبات السيطرة
إستمع الآن











































